ثقافة القيم د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

ثقافة القيم
د. رجب بن علي العويسي
1/ 7/ 2014
تشكل القيم ركيزة أساسية في أي مؤسسة تنشد الجودة في أدائها والاستدامة في نشاطها والتطور في اسلوبها وطريقة أدائها، وأحد المعايير التي يمكن أن تقاس من خلالها جودة الأداء المؤسسي وفي الوقت نفسه تعبر عن نوعية الثقافة التنظيمية السائدة بها ومناخ العمل الذي تتولد من خلاله منظومة القيم المؤسسية ومستوى الالتزام بها  في العمل المؤسسي، لذلك بات الحديث عن جودة المؤسسات من خلال ما تمتلكه من ثقافة وما تحتضنه من فكر وما تعبر به من ممارسات العاملين بها وما تترجمه القرارات المؤسسية من سلوكيات ومبادئ وأخلاقيات تنال على استحسان المجتمع وقبول المراجعين ورضا المستهدفين من عمل تلك المؤسسة، من هنا أصبحت المؤسسات الكبرى تعير موضوع القيم اهتماما كبيرا وتعطيه مساحة واسعة من خلال جانبين رئيسيين يتعلق الأول بالعاملين أنفسهم الذين يعبرون عن رؤية المؤسسة وفلسفتها ويترجمون منهجها وغاياتها وأهدافها في استراتيجيات عمل تعبر في حقيقتها عن السلوك المؤسسي، لذا كان من المهم أن يكون ممن يلتحقون بتلك المؤسسات أو ممن ينضوون تحت لوائها أن يتشبع بمنظومة القيم الاخلاقية والسلوكية والمهنية والاجتماعية والتواصلية والتفاعلية التي أقرتها المؤسسة شرعة ومنهاجا،  وأن يكون جانب القيم وأخلاقيات المهنة حاضرة في سجل ممارساتهم اليومية وتعاملاتهم المستمرة وفي سجل الموظف الشخصي بل وفي استمارات التقييم والتركيز على مدى ما يلتزم به الفرد من مبادئ وقيم وأخلاقيات وسلوكيات ومستوى الاتزان في الانفعال والسلوك وحسن التصرف في الامور والكياسة والقدرة على احتواء المشكلات وعلاج التحديات وتوفر قدر كبير من القيم والمهارات في ادارة الازمات او عند الرغبة في اي مراجعة تظهر سببا في تدني الاداء او معالجة نوعية لأحد جوانب العمل بالمؤسسة، أما الجانب الآخر فيتعلق بمستوى الالتزام المؤسسي كمنظومة ادارية وتنظيمية وهيكلية بموضوع القيم، بمعنى آخر مستوى التأصيل المستمر  للقيم في بنيان العمل المؤسسي، يظهر ذلك في مستوى التكامل والترابط والتفاعل والحوار في بنية العمل المؤسسي وهيكليته الادارية والمالية والرقابية والتدريب ،  بما يضمن تحقق قيم المرونة والشفافية والانسايبة والتكاملية وتقليل الازدواجية في العمل ووحدة الهدف ووضوح الغاية من العمل المؤسسي، بحيث يؤدي هذا الاهتمام بالقيم إلى  تعزيز مستويات عليا بين المؤسسة كتشريعات ولوائح وأنظمة ومنهجيات عمل والعاملين بها بالدفاع عن المبادئ المؤسسي والشراكة في القرار المؤسسي ومستوى التكاملية في الادوار وتقاسم المسؤوليات، وهو ما يمكن أن يعبر عنه من خلال طبيعة اللجان ونوعية فرق العمل وقناعة الادارة العليا بدور كل افراد المؤسسة في بناء المؤسسة والاستفادة من الكفاءات وتوظيف الخبرات المؤسسية وإيجاد روح الانسجام والتواصل بين قيادة المؤسسة والموظفين بمختلف المستويات الادارية وإزالة المحبطات الأخرى المناقضة لجانب القيم ومنها " المحاباة والمحسوبيات واللوبيات والشللية"، وقناعة القيادة بحاجة المؤسسة لجميع العاملين المخلصين، وأن تسهم ممارسات الادارة العليا بالمؤسسة وحسن ادارتها وحكمتها في معالجة الامور في تكوين مناخ تنظيمي يعزز سلوك المبادرة والابتكار والتطوير والإنتاج والإخلاص في العمل والانضباط والالتزام المهني والأخلاقي مما يعني وصول المؤسسة الى مرحلة نوعية من العطاء القائم على القيم والأخلاقيات والمنهجيات ووضوح الاليات التي ترتبط الى حد كبير بدراسات واستطلاعات رأي  ونقد ذاتي ووضوح منظومة المتابعة ومنهجية العمل وقدرة منظومة تقييم الاداء على تحقيق المحاسبية والمساءلة المؤسسية الادارية والمالية والوظيفية وغيرها ،
لا شك بأن واقع العمل المؤسسي في ظل منظومة القيم  ما زالت تعترضه الكثير من التحديات والغموض في آلياته وتطبيقاته وقياس تأثيره، فهي ما زالت غير ممنهجة بالشكل الصحيح ولم يؤخذ موضوع القيم المؤسسية ضمن الثقافة التنظيمية للمؤسسة أي اهتمام على مستوى التشريع او التقييم او الرقابة والمتابعة ، بل ظل موضوع الالتزام القيمي هو مجرد سلوك شخصي يختلف من شخص لآخر ومن جهة لاخرى بل قد يختلف بين موظف وآخر ومسؤول وآخر في نفس المؤسسة،  حتى ليظهر  للمتابع أن المسألة تقاس بمعايير اخرى وموازين مصطنعه موازين الربح والخسارة وعند الحاجة فقط، فقد يتصنع الموظف بالتزامه بمنظومة القيم واخلاقيات المهنة في موقف معين يستدعي منه ذلك في حين أنه  قد لا يلتزم بذلك في موقف آخر ،  لذلك باتت المسألة تعالج في إطار شخصي وضمن اجتهادات من البعض ، لذلك ظهرت الكثير من الاشكاليات عندما كان الموضوع معلقا على الفرد وضميره وقناعتهه بدون أن يكون لموضوع تطبيق القيم سلوك مؤسسي وثقافة مؤسسية لها تشريعاتها وأنظمتها ولوائحها وأخلاقياتها ونطاق عملها ، وبالتالي فإن الطموح نحو تحقيق هذه المنظومة القيمية يعود بنا إلى طرح العديد من  التساؤلات ومن بينها:  إلى أي مدى تعطى منظومة القيم مكانتها وموقعها في  منظومة العمل المؤسسي، وما الحجم الذي تعطي له هذه المنظومة من المتابعة والتقييم والدراسة والرصد والتمحيص بل مدى الاهتمام بها لجعلها مقياسا للمنافسة ومعيارا للتفاضل ومناخا لخلق التفاعل والإنتاجية بين العاملين في المؤسسة وبين مديريات المؤسسة وإداراتها وأقسامها ،  وإلى أي مدى يسهم الهيكل التنظيمي للمؤسسات في تحقيق وترجمة اخلاقيات المؤسسة، بل إلى أي مدى هناك اخلاقيات وقيم تؤكد عليها المؤسسات كما تؤكد على رؤيتها ورسالتها واختصاصاتها، وبالتالي كان من المهم ان يتعدى موضوع الاهتمام بالقيم كونه سلوك فردي إلى نطاق عمل مؤسسي ومنهج عمل يتضح في كل هيكلية المؤسسة ونطاق عملها وفي اختصاصات الوظائف والوصف الوظيفي، وأن تكون بالمؤسسة جهات تمتلك من الأدوات والآليات ونماذج القياس ما يضمن قدرتها على المتابعة والاشراف على الالتزام القيمي بالمؤسسة  والتأكد من سلوك المؤسسة والعاملين بها مسلك  التعبير الفعلي عن منظومة القيم في كل المجالات المؤسسية، وان تضع تلك المؤسسة الاليات والأدوات واطر العمل التي يمكن من خلالها تعزيز القيم في نفوس العاملين وترسيخ منظومة الاخلاق في ذواتهم وممارساتهم وتشبعهم  بها من جهة ومن جهة أخرى مدى التزام المؤسسة في منهجيتها وإطار عملها بمنظومة القيم  وإلى أي مدى تعكس ممارسات المؤسسة وقراراتها وتعاملها مع دوائرها وإداراتها بمنطق العدالة والمسؤولية المهنية  ، بحيث لا يقتصر الأمر على مستوى إداري معين دون غيره، وأن تضمن الممارسات الحاصلة من قبل المسؤولين ورؤساء الوحدات  سلوكها وفق المنهج القيمي والاخلاقي الذي تدعو إليه المؤسسة وتضعه في مداخل أروقتها.

وعودا على بدء ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك  وما يحمله من دلالات ومعاني للقيم السامية الأصيلة وما يرسخه في الصائمين من  سلوك قيمي حضاري يرقى بهم إلى الفردوس الأعلى ، فإن الحاجة اليوم الى الاستفادة من رمضان في تأصيل القيم في ثقافة العمل المؤسسي وقياس مستوى الالتزام الذي يوجده رمضان في سلوك المؤسسات والعاملين بها ينبغي أن يحظى بمزيد من الدراسة  والرصد، إننا بحاجة إلى تأصيل القيم في مجالات العمل المؤسسي المختلفة في القرار المؤسسي، واللقاءات ولجان العمل، والشراكة مع الآخر، وفي التكامل والتنسيق بين جميع الجهات المختصة بالمؤسسات، وفي الربط بين السياسات والخطط والبرامج،  وفي مجال بناء الموارد البشرية، وفي إدارة الاجتماعات ، وفي المخاطبات الرسمية، وفي مهام العمل وتطبيق اللوائح والأنظمة، ونظم الخطاب الرسمي بين الجهات في المؤسسة الواحدة،  وفي عملية اختيار الكادر المؤسسي، وفي الترقيات والمكافآت، والبرامج التدريبية  وفي تنقلات مديري الوحدات الادارية بالمؤسسات وغيرها، غير أن تحقيق ذلك بلا شك يتطلب  ضرورة أن تكون منظومة القيم مبنية على معايير قياس مقننه ومؤشرات مبنية على نتائج بحث وتقصي ودراسة ورصد وليس لمجرد تكهنات قد تصيب وقد تخطء، وأن تحظى بالمتابعة والتقييم والاهتمام  في ثقافة المؤسسة وبرامج عملها وخططها،  والأهم من ذلك أن تنال منظومة القيم أيضا نصيبها من المراجعة والتقييم وإعادة النظر في جانبين مهمين يتعلق الأول بمستوى التطبيق والممارسة لها في السلوك المؤسسي ، ومن ثم مدى وجود الآليات والأدوات ، وأما الآخر فيرتبط بمستوى التأثير الذي تحدثه على أداء الفرد وإنتاجيته والأداء المؤسسي بشكل عام ، وبالتالي ضمان الوصول إلى صياغة جديدة أو تطوير القائم أو استحداث قيم عصرية جديدة  يتطلبها واقع العمل في ضوء نتائج التقييم والمتابعة والرصد حتى تتحول من كونها شعارات ولافتات إلى سلوك تعيش به المؤسسة وتتقدم وتحيا من خلاله وتتطور، 

تعليقات