الوعي والثقافة المهنية مقاييس للنجاح وبناء الحس المسؤول ، د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


الوعي والثقافة المهنية  مقاييس للنجاح وبناء الحس المسؤول ....... هل أدركنا قيمتهما على المستوى الشخصي والمؤسسي؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏24‏/04‏/2013‏ 11:18:52 م
.................................................................................................
في عملنا المؤسسي نطمح كموظفين ومسؤولين وقيادات إلى تطبيق العديد من المفاهيم التي يبرزها الفكر الإداري المؤسسي المعاصر، فهناك مثلا مفاهيم مثل الجودة والشفافية والحوكمة  والشراكة والديمقراطية والمحاسبية والمساءلة وتقييم الأداء المؤسسي واللامركزية ومنح الصلاحيات والادارة الذاتية وغيرها، وهي مفاهيم قد لا تكون غريبه عن واقعنا المعرفي إلا أنها  لا تصل إلى حيز واقع التطبيق الفعلي الممارس وتتطلب وقفات ومعالجات وتأملات وان يتم التعامل المؤسسي معها في إطار رؤية معمقة للمفهوم مبنية على أساس الدراسات والبحوث النوعية والكمية  التشخيصية منها والتطويرية والمسحية على حد سواء، في سبيل إيجاد أرضية واضحة لتأصيل هذه المفاهيم في سلوك العمل المؤسسي والعاملين بالمؤسسات،  وبالتالي ينبغي أن تتسم المعالجات التي تتم بشأنها بالدقة والشمولية والواقعية والوضوح تراعي طبيعة عمل المؤسسة، والمتغيرات الدولية والمحلية ذات العلاقة بطبيعة المفهوم، وثقافة الموظفين والقائمين على المؤسسات بمختلف مستوياتهم الوظيفية، والطبيعة المتغيرة لهذا المفهوم وما يحمله من أفكار وتوجهات وحقائق ومتغيرات،
نطمح كأفراد ومؤسسات لتحقيق الكثير من الانجازات  وان تتبنى مؤسساتنا هذه المفاهيم في اطار الواقع الممارس، وقد نلوم نحن كأفراد مؤسساتنا من عدم تطبيقها لما نريد أو تلبيتها لطموحاتنا متجاهلين ما قد يكون السبب في التخوف الحاصل من المؤسسات أو منظومة العمل المؤسسي بشكل عام حيال تحقيق ذلك الطموح، ونظل نرمي التهمة على الآخر بالتقصير بيد أن الأمر ليس بالسهولة بمكان حتى يتحقق المطلوب، وقد نكون نحن البشر السبب  المباشر في ذلك اي بمعنى اننا السبب  في عدم تبني مبادراتنا وطموحاتنا  كوننا ما زلنا لم نعي مسؤوليتنا وحقيقة ما نطمح اليه أو لم نكون بذلك الاستعداد  النفسي والفكري ، استعداد الضمير والحس المسؤول.
إن الوعي والثقافة هما وجهان لعملة واحدة وهي النجاح، فهما الطريق السهل الممتنع لتحقيق التميز والإجادة في أي عمل مؤسسي، ويشكلان مقياس تحقق الفعل المطلوب من عدمه، إذ من شأن الوصول إلى هذه الغاية لدى العاملين بالمؤسسة أن يعمل على ايجاد بيئة مؤسسية تقدر الانجاز وتلبي الطموح وتضع مطالب الأفراد حيز التنفيذ،  وبالتالي فإن مستوى الوعي المتحقق لدى الفرد، وحجم ونوعية الثقافة المهنية المتوفرة لديه، من اهم عوامل نجاح العمل المؤسسي والرقي في الاداء الوظيفي إذ يؤدي مستوى الوعي المتحقق لدى الفرد في قدرته على تحقيق الهدف الذي يسعى العمل المرغوب لتحقيقه ، ومع توفر تحقق كل الاشتراطات والمعايير والادوات والاليات التي ترتبط بالموضوع المستهدف، فإن هذا الوعي سوف  يتجاوز مرحلة المعرفة إلى الفهم والقدرة على تحقيق غايات العمل المؤسسي المراد تحقيقه،  كما أن الثقافة المهنية التي تعزز لدى الفرد مستويات الوعي سوف تؤصل لدى الفرد قيم الهوية الوظيفية المرتبطة بحقوق الوظيفة العامة وواجباتها وشروطها وحدودها ، وقدرته على تحقق الالتزام الوظيفي والحس المهني والشعور بالمسؤولية والرقابة والضبط ، وهي أمور تعبرعن حقيقة الوعي الذي ينقل الفرد الى مستويات اعمق من الشعور والفكر والبناء الانساني والقناعة بأهمية تحقق كل المتطلبات والشروط والتي تتجاوز حدود القول الى الفعل وترتبط بالممارسة والتطبيق، ليصبح الفرد الناتج من تكاملهما  القدوة والمثال والنموذج المضيء القادر على احداث تحول ايجابي في ممارساته وسلوك الآخرين  ممن ينتمون إلى الوظيفة العامة أو المستهدفين منها او ممن لهم علاقة قريبة أو بعيدة من تطبيق المفهوم.
وحتى نكون أكثر قربا فيما أردنا الحديث عنه،  فمثلا يطالب الموظف أو المسؤول في مستويات ادارية مختلفة باعطائهم اكبر قدر ممكن من الصلاحيات  الادارية والمالية والتنظيمية وغيرها، في حين أنه لا يحسن التصرف فيها، أو لا يلتزم بما ورد من لوائح وأنظمة وقوانين، ويحتكم  إلى الذاتية في قراراته وممارساته ونتائج عمله، و يطغى الجانب الشخصي والعاطفي وغيرها من الممارسات في تعامله مع الموضوع أو يجعل من ذلك طريقه لتقريب من أراد وإبعاد من أراد ،  أليس في ذلك تجني على الأداء المؤسسي، بل والوظيفة العامة، أليس في وجود هذه الممارسات تراجع عن التطبيق ، والسبب ضعف مستوى الوعي والثقافة المهنية ، ثم كيف يمكن أن يطالب بتطبيق اللامركزية وهو لا يعي مفهومها أو لا يدرك مقاصدرها، ولا يمتلك القدرة على التعبير عنها في ممارساته وقراراته ورؤيته للعمل المؤسسي، وإلى أي مدى هناك وعي ووضوح حول مفهوم اللامركزية للقائمين على الأداء المؤسسي، وحدود اللامركزية ومستوياتها، ومستوى فهم ووعي المستهدفين بها، وثقافة القائمين على الادارات المؤسسية بالمركز والمحافظات في آلية التعامل معها ومتطلبات تطبيقها،  ومدى قدرة العاملين على فهم غايات  اللامركزية واهدافها وتوظيفها بالشكل السيلم الذي يخدم جودة الأداء،  ومستوى الاستجابة المجتمعية المتوقعة بشأن نواتج تطبيق اللامركزية، ومدى توفر الهياكل التنظيمة والإدارية التي تهيئ البيئة المناسبة لتطبيق اللامركزية،
ويطالب اولياء الامور بالشراكة في التعليم بيد ان فهم مصطلح الشراكة قد يتجاوز حدود المعرفة الحاصل، فإن الأمر لا يخلو من وجود وجهات نظر كثيرة وحوارات متعددة حول مفهوم هذه الشراكة المطلوبة من أولياء الأمور وأبعادها وحدودها، وفيم هي، وكيف تتم؟ وتثار العديد من  التساؤلات المتعمقة لمضمون ومحتوى هذه الشراكة ، وإلى أي مدى يعطي واقع الشراكة الحالية تفاؤلا حول وعي أولياء الأمور وقدرتهم على تحقيق تكامل نوعي مع المدرسة في جهودها؟ والواقع الحالي لدور أولياء الأمور في العملية التعليمية، والحدود المسموحة لولي الأمر للمشاركة في عملية التعليم والتعلم، وهل تقتصر عملية الشراكة على المتابعة المستمرة لأولياء الأمور لتعلم أبنائهم وتواصلهم مع المدرسة وتوفير البيئة المنزلية المناسبة لتعلم أبنائهم وتواصل أولياء الأمور مع المدرسة وحضور مجالس الآباء والمعلمين، والتعاون في حل بعض المشكلات السلوكية التي تحصل من بعض الطلاب في المدارس؛ أم أن عملية الشراكة تشمل كذلك إشراك أولياء الأمور في رسم السياسات التعليمية على مختلف المستويات والمشاركة في صنع القرار التربوي؟ وهل تعني الشراكة أن أتيح لولي الأمر أن يتخذ قرار فيما يخص المدرسة إذا ما علمنا أثر الثقافة والقيم والعادات والتقاليد السائد في المجتمع العماني في ذلك؟" ثم ما مدى ثقة ولي الأمر في المعلم العماني؟ وإلى أي مدى يعطي ولي الأمر ثقته في المؤسسة التربوية، إلى غيرها من التساؤلات التي تظهر على السطح جانبي الوعي والثقافة باعتبارهما الأساس في نجاح أي مشروع مؤسسي قادر إلى الوصول بالأداء إلى مرحلة الجودة .
إن هذه الأمثلة وغيرها قليل جدا مما يمكن طرحه، وهي بشكل أو بآخر تطرح على المؤسسات تساؤلات عدة هو إلى أي مدى يتوفر لدى العاملين بالمؤسسة مستويات من الوعي والحس والفهم لحقيقة المطلوب، وإلى أي مدى يمتلك هؤلاء القدرات والكفايات والامكانات التي تعزز لديهم القيام بهذا المبدأ وترسيخه في سلوكهم، ثم ما مستوى الرقابة الذاتية المتوفرة في ذلك،
عليه فإن التأخير في تطبيق بعض المبادرات يرجع إلى مستوى الوعي المتحقق لدى القائمين على العمل المؤسسي في مختلف مستوياته في كيفية التطبيق وآليات العمل وفهم الدور المنوط بهم، ومستوى القناعة ذاتها بالتطبيق، هذا يأخذ في الحسبان مستوى الثقافة النوعية التي يمتلكها الفرد على المستوى الشخصي حول هذا المفهوم أو ذاك ومستوى وعيه بالتطبيق، ونوعية الثقافية التي يمتلكها وحدودها ومستوى توظيفها، هذا بلا شك يأخذنا إلى أن المقصود بالثقافة المعززة للوعي ليست الثقافة المعرفية التي لا تتعدى حدود المعلومات والمعارف السطحية، بل تلك التي تتجاوزها لتعكس مستوى الالتزام الاخلاقي والقيمي والسلوكي بما يحمله الفرد في تطبيقه للمفهوم،  ولذلك يبقى جانب الوعي والثقافة المهنية النوعية القادرة على فهم العمل وإدراك مقاصده وتبني آلياته والوقوف عند حدوده وقواعده وأسسه هو الكفيل بعملية النجاح في التطبيق والسبيل نحو الوصول إلى الجودة والفاعلية في الأداء المؤسسي، وهو الذي يمكن أن يشكل منطلقا لعمل مؤسسي قادم يحمل نقاط تجدده وقوته ونجاحه،
بالتالي فإن التأكيد على أهمية الوعي والثقافة في أي عمل خلاق لا يختلف عليها اثنان،  فهي ليست كمؤشر أولي لنجاح أي مشروع أو برنامج عمل أو توجه أو ممارسة، بل أيضا الطريق الذي يمكن من خلاله ايجاد مرحلة من الحراك النوعي في العمل المؤسسي، وتحول نوعي في العمل بالمفاهيم النوعية المرتبطة بجودة الأداء وانسيابية العمل، وفي الوقت ذاته طريق التخلص من البيروقراطية  والروتين السلبي في العمل المؤسسي، وبالتالي سوف يعزز مستوى الوعي والفهم المتحقق في هذا الجانب من مستوى التجديد والابتكارية والتحولات النوعية المتفاعلة مع طموح الموظف بل الطموح المجتمعي والحكومي في عمل المؤسسات،  ولذلك فإن الأمر يستدعي بلا شك عملا شخصيا قبل أن يكون مؤسسيا، عملا فرديا نابع من الفرد وقناعاته وأفكاره وثقافته وتوجهاته، وأهداف وما يحمله من افكار لأنه الطريق الذي يتيح الفرصه لتبني أفكاره ومبادراته والوقوف عند مطالبه واهتماماته في إطار متفائل ومتفاعل  تؤكد ذلك مستوى الوعي والثقافة المتوفرة لدى الموظف والتي سوف تحول العمل المؤسسي إلى عملية تفاعل وتكامل تفاعل مع طموحات الموظف ورغباته ، وتفاعل أيضا مع كل الاتجاهات الايجابية والنظريات الحديثة التي سعت إلى تطوير الأداء المؤسسي وبناء ثقافة الجودة في الأداء المؤسسي،  وفي الوقت نفسه هو يحمل في دلالاته جانب الدعم والمساندة التي يمكن أن تتكامل في إطارها الجهود المؤسسية بما فيها من لوائح وأنظمة وقوانين ومعايير وضوابط للعمل في تبني هذا المفهوم أو ذاك، وما يحمله الفرد من دافعية ورغبة وحرص على تطبيق هذا المفهوم وقناعة وصدق توجه وحسن الظن بما يمكن أن يؤدي إليعه التطبيق في تحقيق أهداف المؤسسة.
وعود على بدء فإن مما ينبغي معرفته أن عدم توفر الوعي والثقافة لا يعني بأي حال من الأحوال إحجام المؤسسات عن عدم تطبيقها لهذه المفاهيم في واقع العمل المؤسسي ولا ينبغي أن يكون كذلك، ولا يعطي المؤسسات الضوء الأخضر في عدم تبنيها لها،  إن دور المؤسسة يجب أن يتم في إطارين الأول في وضع إطار تنظيمي تشريعي مؤسسي للمفهوم من حيث وضوح فلسفته وأهدافه وارتباطها بخصوصية المجتمع وبيئة العمل، ووضع المعايير والأدوات والضوابط وسن التشريعات والقوانين والتوجيهات ، وإيجاد قاعدة بيانات نوعية تتيح الفرص للعاملين في المؤسسة أو مراكز البحث والدراسات فرص الدراسة التشخيصية والتحليلية والنوعية للمفهوم وآليات تطبيقه ومستوى وجود البيئة الوظيفية والإمكانات المادية والمالية والعوامل المؤثرة في المفهوم ، هذا الأمر من شأنه أن يضع رؤية العمل المؤسسي في التعامل مع المفهوم في إطار شامل متكامل يتسم بالوضوح والدقة والتخطيط والتنظيم والبعد عن الارتجالية على أن تعمل المؤسسة على توفير وتصميم أدوات المتابعة والرصد والتقييم والتقويم ضمن مراحل عمل محددة، أما الإطار الثاني فأن تعمل المؤسسات  على بناء قدراتها وكفاءة الموارد البشرية المعنية بتطبيق المفهوم أو المتابعة له،  بحيث تشمل برامج التأهيل والتدريب النوعية جميع المستهدفين بالتطبيق والمتابعين له  في إطار عملية انتقاء الكفاءات واختيارها بناء على اسس واضحة وآليات محددة تضمن العدالة وحسن التوزيع للموارد البشرية بما يعزز من قدرتها على القيام بمسؤوليتها، هذا الأمر أي التدريب لا ينبغي ان يقتصر على مجرد إثراء فكر المعنيين وتعزيز ثقافتهم المعرفية بل أن يسهم التدريب وبرامج التوعية وبناء الذات في تغيير قناعاهم وبناء ذواتهم في إطار تحقيق أهداف المشروع،  إن هذين الاطارين بلا شك يتطلبان أيضا وجود مأسسة في هيكل المؤسسة تعنى بهذا الجانب بحيث تشكل بمثابة الحاضنه لكل الجوانب المتعلقة بهذا المفهوم ، وهي مرجعية للعمل المؤسسي لديها الصلاحيات ولوائح العمل المناسبة التي تمنحها القدرة في التعامل مع أي إشكاليات أو تحديات قد تنجم عن عملية التطبيق في مرحلة قادمة. وبالتالي فإن دور المؤسسة في بناء مستويات الوعي والثقافة المهنية لدى العاملين بها  يجب أن يتخذ إطارا مرحليا مدروسا ومخططا، يعتمد على التخطيط والتنظيم والتشريع والتقييم والتقويم ، ويتسم بالتدرج والتفاعل الموجة، يستلزم أن تسبقه عمليات تهيئة وتوعية وتثقيف مناسبة ، يمكن من خلال ترسيخ القناعة بأهمية التطبيق أو آلية التطبيق أو متطلبات التطبيق أو السلوك الذي ينبغي أن يتوفر لدى المطبقين له او المتفاعلين والمتعاملين معه، وبالتالي أن تجند المؤسسات مواردها البشرية والمادية والخبراتية والمهنية والإعلامية في هذا الجانب في إطار عملية التعريف والتوعية على أن لا تقتصر العمليه على فترة معينة وإنما ينبغي ان تتم في إطار يتسم بالاستدامة وتواكب كل مرحلة والتطورات الحاصلة بها،
فهل سنعي مسؤولياتنا الشخصية في هذا الجانب، وهل سنكون أداة نجاح فاعلة لرسم سياسات مؤسساتنا ووصولها إلى مرحلة نرغب أن نراها فيها، هذا الأمر مرهون  بمستوى قناعاتنا وقدرتنا  على تغيير ذاتنا وإعادة صياغة ممارساتنا ، فهل نحن على استعداد لذلك؟

تعليقات