ثقافة الهدوء د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

ثقافة الهدوء
د. رجب بن علي العويسي
4- 4- 2013م
في كثير من جوانب حياتنا اليومية ما يحتاج الى مزيد من الترو في الفهم والانتظار في تبرير الموقف  والتأمل برهة من الزمن في سبيل إعادة الحساب لكثير من موازين العمل ،  لكن على ما يبدو أن المدنية المعاصرة التي بدأت على محركات المصانع وضجيج السيارات  جعلت من كل شي قائم على هذا الأساس ، حتى تحول الأمر إلى سلوك الإنسان فأصبح الصراخ والضجيج والتنازع ثقافة يومية  وسلوك معتاد في الاسرة والشارع والمؤسسة والبيت وغيرها من الأماكن التي يتواجد فيها الإنسان،  لم يقتصر هذا السلوك على ما أشرنا فقد تحول حتى في قضية تعاطي الناس مع أحداث مجتمعهم أو تلكم التي تظهر بصورة مفاجئة وتتلقاها الناس بنوع من الضجيج الفكري الغريب الذي يتجاوز حد المعقول والمقبول منه في الفطرة البشرية،  وتبع هذا السلوك نوع من التسرع في الأحكام والكثير من القيل والقال، وتفسير الأحداث والمواقف في غير أهدافها وتوجيهها لغير مقاصدها، وكأن الحال يمكن أن يوصف بأنه أحد مشاهد الثورات  التي كانت تضع الناس في حالة من التأهب والاستعداد واليقظه، بيد أن اليقظة في الأخيرة محمودة بمكان بعكس ما يحصل في تعامل الناس مع مواقف وأحوال لها صبغة شخصية في احيان كثيرة، وتتلقاها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الهواتف الذكية،
 ما أردت قوله أننا  في مجتمعاتنا بحاجة إلى ثقافة الهدوء ، هذه الثقافة التي ستولد في حياة مجتمعنا  ثقافات  أخرى تؤصل لمعاني الحوار والفهم والترو والتأمل واختيار اساليب المعالجة بل تناول الحدث من خلال منظورات أخرى قائمة على توظيفه بما يخدم الناس ويحقق آمال المجتمع، ويعزز من جوانب الالتزام والاحترام وتحمل المسؤولية ، بل سيعمل على تغيير أفكار البعض وإعادة صياغة منهجيتهم في الحياة ومنطقهم في التفكير وقد يردهم إلى  الطريق السليم الذي يرتضيه مجتمعهم لهم بناء على قناعة منهم وإحساس بالحاجة إلى تلمس التوجيه والنصح . إن ما يحصل في مراحل الضجيج البشري من تنابز وشتم وسباب وتقول وتزوير للحقائق وعاطفة متلهفة للاقتصاص ورد الفعل وغيرها من السلوكيات التي قد تخرج  عن المألوف في الطبيعة البشرية بحاجة إلى أن تلجم بلجام الهدوء وتضبط بضوابط تحمل المسؤولية والإحساس بقيمة الهدف والعمل على تجنب كل ما يسيء إلى النفس الراقية ، وبالتالي وضع إطار واضح لعملها في ظل  صدق سريرة وصفاء نفس وقوة ضمير وتفاعل مع الحدث بطريقة علمية منهجية وبأسلوب حضاري راق. إن ثقافة الهدوء القائم على الحكمة والاتزان في التصرف والروية في المعالجة وانتظار التبرير وفهم المعني ودراسة عمق المغزى والقراءة  التحليلية للنصوص والأفكار ، و تتبع الأمر في ظل ممارسات سابقة ونهج قائمة وسلوك وخلفيات ليس في كونه الشخص ذاته بل في ما يحمله من أفكار ومعتقدات وما يؤمن به من رؤى وأحلام وطموحات، وقراءة الظروف والمؤثرات المتسببة لهذا التحول في الفكر  والتغير الحاصل في القناعات،  إن هذه المنهجية الحياتية الراسخة والتي يرجى منها النفع والفائدة وتؤكدها التوجيهات والأساليب القويمة في معالجة الاخفاقات في السلوك البشري  لحري بها أن تكون اليوم في قائمة الأولويات ، وأن يكون لها الصدارة في النظر إلى قضايا الإنسان وتصبح ثقافة الهدوء المعزز للمنهجية السليمة في المعالجة والمؤصلة لثقافة فهم منطق ومنطلق تفكير الآخر  فهي المعنية اليوم بالحديث عنها في كل المنابر الحوارية الإنسانية المؤسسية والأسرية والمجتمعية،  إنها فرصة للمراجعة وقيمة لأن يؤخذ بها في ظل مرحلة تتسم بالسرعة والتسارع والتعقيد في فهم طبيعة الانسان ،في وقت لم بجد فيه الإنسان في وقت هدوئه ذلكم الكم الهائل من التفاعل الايجابي أو السلبي مع رايه أو موقفه أو قضيته. بل حتى منحه فرصة ليقول كل ما لديه ويبرر موقفه ونستمع للدليل الذي يحتكم اليه والفكر الذي ينطلق منه، إنها السرعة الجنونية التي تضع الانسان في مرحلة من اللاوعي بالمسؤولية بل وبقيمته في الحياة والدور المنوط به في عالمه المتغير المشوب بكثير من الاحداث والتحديات والمنغصات،  فهل سيصبح الضجيج والتقول والحكم بلا دليل أو  الانتقاد الشخصي هو طريقنا للتحول في التعاطي مع الكم الهائل من الاحداث والمتغيرات التي  تظهر في مجتمعنا والتي لن توقفها مثل هذه الأساليب في المعالجة أو الطرق المستخدمة في المراجعة، أم ستكون ثقافة الهدوء  من خلال قراءة وفهم وعمق تفكير وتحليل نوعي ودراسة موسعة لأبعاد القضية  المخرج في التعامل مع نجاحات الإنسان وحتى مع اخفاقاته.

وإلى لقاء آخر

تعليقات