ثقافة الالتزام بالدور د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com



ثقافة الالتزام بالدور
د. رجب بن علي العويسي
‏05‏/01‏/2014‏ 08:56:45 م
في حياتنا اليومية مواقف عديدة، تتطلب منا التزاما وفهما لمعانيها وغاياتها، تتطلب منا حزما في أحيان، ولينا ومرونة في أحيان أخرى، وموضوع ثقافة الالتزام بالدور من الموضوعات المهمة في حياة الإنسان اليومية، وكم يتعامل الفرد مع مواقف يتطلب فيها أن يلتزم بالدور، وأن يتحمل بعض الصعوبات والعقبات والإشكاليات التي تترتب على التزامه بها، أي بمعنى أخر أن يضغط على نفسه بقبول الوضع الذي هو فيه، لأنه الطريق الأسلم الذي يطبق من خلاله النظام والقواعد المعمول بها ، غير أن الواقع يشير إلى وجود قصور وللأسف الشديد في فهم كثير من الناس لمفهوم الالتزام بالدور وأهميته وكيفية تطبيقه بالشكل السليم، ويحصل منهم تجاوزات ضد الدور والالتزام به تؤدي إلى ضرر عليهم أو إيقاع العقوبة في أحيان أخرى حسب طبيعة الموقف الذي يكون فيه الفرد،
إن ثقافة الالتزام بالدور دليل وعي المجتمع، وقمة تحضر أفراده، ونضج فهمهم لمتطلبات الحياة، وشعورهم بأحقية الآخر الذي يسبقهم في الوصول إلى مقصده أو أهدافه، ودليل وجود الحس المسؤول من قبل الفرد ، بل هو السبيل لزيادة روح التعاون والتواصل والمحبة بين أفراد المجتمع، ويظهر الإيثار في هكذا مواقف كنتاج لصنيع الفرد بالتزامه بالدور. لا شك بأن واقعنا اليومي يشير إلى وجود بعض الممارسات التي يشاهدها الفرد ولا تعكس ثقافة الالتزام بالدور، فنجد مثلا في حالة ازدحام الطريق واكتضاض جميع خطوط السير، تجد البعض لا ينتظر مرور من قبله ، لذا يتجاوز من الأرصفة، أو ينزل خارج الطريق ليسبق غيره في الوصول إلى نقطة أخرى قادمة كالدوار أو الإشارات الضوئية أو مداخل أخرى ، مما قد يسبب المزيد من تعرقل حركة السير والتداخلات والتجاوزات التي تكون احد الأسباب وراء وقوع الحوادث، وغيرها من التجاوزات التي لا تعكس ثقافة الالتزام، هذا الأمر ينطبق أيضا على المراجعات التي تتم في المؤسسات، حتى يظهر التعدي على حق الآخرين وعدم الالتزام بالوقوف في طابور الصف في انتظار إنهاء المعاملات، مما قد يسبب وجود التنازع بين المنتظرين إذ جاء هذا الأخير ليتقدم عليهم وليسبقهم بينما هم في مقاعد الانتظار منذ فترة من الزمن.
إن ثقافة الالتزام بالدور قبل أن تحكمها الأنظمة واللوائح والقوانين الموضوعة في هذا الجانب من قبل المؤسسات، ينبغي أن يضبطها سلوك الفرد، ويقتنع بها بحيث تكون ثقافة يومية وسلوك عمل يؤمن به الفرد ليعبر عن فهم واضح عن قيمة الالتزام بالدور وأهمية إتاحة الفرصة للآخرين الذي لهم حق الاستباق في الحصول على حقهم بدون منازعة أو بدون إثارة أي إشكاليات قد تنتج عن تعدي حق الآخرين في الدور.غير أن ثقافة الالتزام بالدور ينبغي أن تتعدى المفهوم التقليدي إلى مفهوم أعمق وأكثر اتساعا يعي الفرد من خلاله كل المتغيرات ويدرك كل الجوانب المتعلقة بالموضوع الذي يعمل في إطاره، إذا كنا نتحدث عن الباحثين عن العمل والوظائف، والمتقدمين لهذه الوظائف في مؤسسات حكومية أو خاصة وينتظر الفرد على استعجال تخليص كافة الإجراءات له بل وإعلان النتائج دون أن ينظر إلى من سبقه في التقدم لهذه الوظيفية أو تلك، أو ما يحصل من البعض عند عدم انتهاء معاملاتهم في فترة وجيزة ويبدأ برفع الصوت على الموظف أو المسؤول ويظن هو في ذاته بأنه الوحيد المتقدم لهذه الوظيفية أو من أتي في وقت مبكر بينما هناك غيره الكثيرون مما كان لهم قدم السبق في التقدم للوظيفة أو الوصول لهذا المكان أو ذاك، ، وإذا كانت الجهود المبذولة والمبادرات المقدمة من المؤسسات وفي ظل تبني الإدارة المؤسسية الالكترونية، من حيث مساهمتها في ضبط السلوك العام المتعلق بالالتزام بالدور والاجراءات المتخذه وآليات العمل المتبعة في سبيل تعزيز ثقافة الالتزام بالدور وضبط النظام وتحقيق العدالة في الحصول على الدور من خلال وجود القارئ الصوتي الذي يحدد وقت دور الفرد، وفترة وصول الفرد للموقع، أو عدد المنتظرين السابقين له، فإن ذلك لا يعني أن يكون الالتزام في ظل وجود مثل تلك التقنيات فقط، وفي حالة عدم وجودها يمكن للفرد أن يتخذ ما يراه مناسبا لمصلحته دون مراعاة لمصالح الآخرين أو تقدير لظروفه وطبيعة تلك الظروف، بل ينبغي أن يكون الالتزام ثقافة الفرد في كل مواقف الحياة سواء مع وجود هذه التقنيات أو غيرها، كون الالتزام فيه الأمان وهو الطريق الأسلم لحصول الفرد على حقه ومستحقه بسهولة ويسر. وبالنتالي بناء ثقافة  التزام الفرد بالدور والتزامه مع الدور وقناعته بأهمية الالتزام بالدور كفكر وسلوك وممارسة، وإعطاء الدور حقه في بناء قيم الحياة اليومية.

أخيرا فإن مما ينبغي الإشارة إليه أن ثقافة الالتزام بالدور لا تعني بأي حال من الأحوال الاستكانة والركون للدعة والانتظار مع عدم المبادرة والمبادأة والسعي لبناء الذات الملتزمة في سلوكها والساعية إلى بناء منهجيات عمل واضحة لها في مسيرتها الحياتية، إنها تؤصل بلا شك لثقافة الابتكار والإنتاجية فالتنافس الشريف بالعمل الجاد والإخلاص وتحمل المسؤولية إنما تحقق في معناه التزام الفرد مع واجباته ومسؤولياته وأساسيات وجوده في الحياة ، وهذه المبادئ في حد ذاتها هي التزام الفرد وتعهداته أمام ربه ومجتمعه ووطنه والآخرين بحيث  يعكس سلوكه مبدأ الالتزام بالدور الحياتي الذي عليه أن يقوم به وأن يسلكه في سبيل تحقيق النجاح والوصول إلى مرتب السمو والرقي، وبالتالي فهو بحاجة إلى فكر أنقى ونفس تدرك مسؤولية الدور وطرق الالتزام به وكيفية ترجمته في واقه الحياة بدون تعد على الذات أو الآخر ، بحيث يظهر جانب الإيثار والتكامل والتكامل على جانب الأثرة والوصول إلى الهدف من خ لال الآخرين فقط وبدون بذل جهد ، وبالتالي  كان من المهم أن تغرس محاضن التربية والتثقيف هذه الثقافة في ذات النشء ، وأن تعمل على صقلها بالتجارب العملية والممارسات النوعية وتمنح بيئة التعليم والتعلم فرصة تطبيق هذا المهج في التفاعلات اليومية التي تحصل في بيئة الطالب، ناهيك عما يمكن أن تقوم به أساليب التعليم والتعلم وطرائق التدريس والحوار الأبوي ومنهج القدوة  الوالديه  من ترسيخ  لثقافة اللالتزام بالدور في ظل منحى تبادل الأدوار وتقاسم المسؤوليات وبناء أرضيات مشتركة تعزز في النشء المبادئ والمثل العليا المؤطرة لهذا العمل النوعي،  إن اسلوب التربية الأسرية وطريقة تعاطي الوالدين مع الخطاب الأسري وأسلوب الثواب والعقاب ومنهج التربية الوالدية  يستدعي إعطاء هذا الجانب أهمية كبيرة ومنحه الفرصة في منهج تعليم الأبناء، ويتسع هذا الموضوع ليشمل أيضا حدود الأدوار والمسؤوليات  الممنوحة للأطفال والأولاد والبنات في الأسرة، وأسلوب خطاب الأخ لأخته أو الكبير مع الصغير ، وغيرها التي يتسع الحديث فيها لتتجاوز ما بين دفتي هذا المقال البسيط.
وإلى لقاء آخر

تعليقات