الدروس الخصوصية ، والمراجعة المقنعة للتعليم؟ الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


الدروس الخصوصية ، والمراجعة المقنعة للتعليم؟
الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي
11/11/ 2012م
‏04‏/08‏/2013‏ 01:07:34 م
.........................................................................................................
يطرح موضوع الدروس الخصوصية تساؤلات مهمة ونقاط جوهرية حول جودة نظام التعليم وقدرته على  تقديم خدمة تعليمية ذات جودة ومخرج مقنع لولي الامنر ومؤسسات القطاع الخاص بل ومؤسسات التعليم العالي، ومدى قدرة نظام التعليم على كسب ثقة الطالب وولي الأمر، وبالرغم من أن تناول هذا الموضوع يجب أن يكون في إطار تأكيد المسؤولية  المشتركة وتقاسمها بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية وكل المؤسسات الداعمة والمساندة لها ، إلا أن النظام التعليمي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، وإذا كنت نعتقد بأن مفهوم الدروس الخصوصية قد لا يحمل الشر دائما فإن طريقة توظيفه ومستوى فهمه ونطاق التعامل معه في مجتمعنا العماني يجعل من عملية النظر إلى الموضوع على أنه ليس ظاهرة  متوجهة نحو الزوال بلا رجعة ، بل تحول إلى سلوك سلبي قد يكون التعليم المتسبب الرئيسي فيه ، إن نظرنا إلى الموضوع من زاوية الدور والمسؤولية التي يجب أن يقوم بها النظام التعليمي في بناء المهارة وتشجيع الابداع وتعزيز الفكر الايجابي وخلق فرص العمل وبناء روح التعلم الذاتي وتعزيز الابتكار وترسيخ ثقافة الابداع الخلاق، وتبني منظومة التقييم المتكامل والمنسجم مع طبيعة الفلسفة التي يعمل المجتمع في إطارها ويتفاعل مع الطالب بكل حقائقه ومتغيراته وثقافته وقدراته،
لقد بات موضوع الدروس الخصوصية في مجتمع يبني على التعليم آمالا عراضا ، ورؤية في بلوغ مستويات التميز والمنافسة والرقي، بل في مجتمع تدعو قيادته إلى تقييم مسيرة التعليم وتشخيص واقعها وبناء أطرها المستقبلية على آليات أكثر وضوحا واستراتيجيات أكثر استدامة وتفاعلا مع الإنسان والتنمية والتوجهات الدولية،  بات بلا شك موضوع يثير علامات الدهشة والاستغراب مع توفر كل الامكانيات والقصور الحاصل في توظيفها بالشكل المناسب الذي يخدم بناء مرحلة جديدة في حياة الانسان وفكرة وتعامله مع كل الأفكار والمفاهيم المستوردة ومن بينها الدروس الخصوصية الذي يرى البعض على أنه عمل مستورد لا يرتبط بطريقته السلبية التي يمارس بها مع البيئة العمانية - وهو ما يجعل من كل الجهود التي تقوم بهام مؤسسة التعليم محل تساؤل واستفسار ، وتصبح عمليات التفاعل الصفي والقدرة على اكتشاف مكونات الصندوق الأسود كما ذكرت في مقال سابق محل تساؤل في مدى قدرته على تحقيق وعده وانجاز تعهده، ومدى توفر الإرادة والقدرات التي تستطيع أن تكشف حقيقته وتوجه مسار عمله، هذا الموضوع يطرح اليوم بشكل أكبر في ظل حراك تعليمي مجتمعي للنهوض بالتعليم نحو مستوى أفضل من التفاعلية والواقعية والقدرة على تعزيز السلوك التعليمي الايجابي في البيت والأسرة من خلال دور المؤسسة التعليمية وعناصرها في بناء الشخصية المتكاملة للإنسان العماني والتي تربط بتشكيله من القيم المؤصلة للنقد والتحليل والبحث والاكتشاف والمواطنة، وهي كلها أمور لا تتحقق إلا في إطار منهج ونهج تربوي سليم تتفاعل فيه كل الحقائق وتتكامل فيه كل الجهود من بيئة تعليمية جيدة ومعلم متمكن وطالب متقبل ونظام وقانون وتشريع يتفاعل مع كل هذه  المعطيات وسياسات تعليمية يفترض أن توجه مسار عمل هذه العناصر ، هذا بلا شك مما يفتقده الأمر في الدروس الخصوصية التي تتسم بالسرعة المنفية للدقة والمعلومة المبتعدة عن  التوثيق ، والقناعة البعيدة عن الاعتماد عن النفس والتفكير واستخدام العقل،  ولعل طبيعة النظرة المقلقة من تفشي هذه الظاهرة وانتشارها  يأتي في  كون السلوك السائد في التعامل مع الدروس الخصوصية  أصبح مشكلة حقيقية  وعادة مجتمعية تضع تساؤلات على دور المدرسة وثقة ولي الأمر وقناعته فيما تؤديه المدرسة أو تقوم به مؤسسة الدولة الرسمية، ومستوى الوعي المتحقق لدى اولياء الأمور في هذا الشأن فأصبح التعامل مع مشكلة الدروس  الخصوصية جزء من السلوك اليومي الذي يعتقد ولي الأمر أن عليه أن يلتزم به ويتعهده للأسرة  كما يتعدها بالغذاء والمسكن والملبس، فلم يعد عند البعض أمرا ثانويا أو ضربا من الترف فقط بل أصبح منهج عمل وسلوك يومي وقناعة بأن المدرسة لم تستطع أن توفر للطالب الفرصة للدراسة والتفكير والإبداع والقراءة وغيرها،  هذا الأمر بلا شك ستكون له اثاره السلبية في استفحال الأمر كيف لا وقد أصبحت له مؤسسات ترعاه ، مؤسسات تتربح منه فهي في الصباح مدارس للعلم والمعرفة تتبع وزارة التربية والتعليم، وتعمل تحت مظلتها- أقصد المدارس الخاصة-  وهي في  وقت المساء تقوم بدور آخر في كونها تؤدي خدمة ربحية من نوع آخر  في الترويج والدعاية بأن ما تقدمه الأفضل وأنها تمتلك الكفاءات القادرة على تقديم المستحيل إلخ، أي أنها لا تعكس نهج وزارة التربية والتعليم.
ومع الاعتراف بأن هناك العديد من الاسباب التي قد تتشارك معا في  فتح المجال لظهور الدروس الخصوصية ، إلا أن الأمر ينبغي أن يعالج في إطار شمولي متوازن من نواحي عدة، تتعدى جانب الدرس الخصوصي نفسه إلى تغيير القناعات ونشر الوعي الأبوي والأسري بشأن التعريف بالنتائج المترتبة عليه، ودور مؤسسات التعليم ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في بناء إطار مشترك يعزز من روح المسؤولية المشتركة بين المؤسستين في بناء ذات الطالب وقدراته والرقي بشخصيته ، وبالتالي العمل على تبني آليات عمل مشتركة في الوصول بالتعليم إلى كونه سلوك ينبغي ان يتم في إطار مقنن ونطاق محدد تستمثر فيه كل الامكانات المتاحة والتقنية والمنابر المختلفة من أجل توجيه المسار نحو تعزيز البناء الداخلي للمتعلم الذي يشجعه على الابتكارية والتعلم الذاتي  والنمو المستمر في الفكر والثقافة والقراءة الهادفة، واستغلال فرص التعلم الالكتروني والتعلم عن بعد في تأكيد الاستفادة منها بما يساعد المتعلم على بذل جهد أكبر من أجل الحصول على المستوى العلمي الذي يتناسب وقدراته ضمن إطار التعليم الموجه والذي تتكامل فيه كل شروط التعليم ذي الجودة.
إن  تقاسم المسؤولية التي اشرت إليها سابقا تتطلب بلا شك القناعة والاقتناع والاقتناع بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية حول التأثير السلبي المترتب على انتشار هذه العادة والذي سينعكس سلبا على سياسات التعليم فهي من جهة تظهر مستوى الثقة التي ينظر بها ولي الأمر إلى النظام التعليمي ومؤسساته وقدرتها على كسب ولي الأمر ، في غياب ثقافة الاقتناع والوعي لدى ولي الأمر بما تقدمه منظومة التعليم في سبيل تحقيق طموحات الطالب بل طموحات ولي الأمر في ابنه،  وهي من جهة أخرى ينبغي أن تعالج في إطار أخر غير الجانب النفسي والفكري والثقافي والاجتماعي المترتب عليها ، فهناك البعد  الانفاقي أو المالي الذي ستتحمل الأسر تبعاته بل ويتحمل الوطن تكاليفه ، خاصة إذا ما تحول الأمر إلى كون التعامل معه يبرز من خلال مؤسسات محددة  بحيث تتعامل مع الموضوع بشكل ظاهر في شكل لافتات وإعلانات بقيامها بتنفيذ هذه الدروس على الطلبة ولجميع المستويات الدراسية، وبالتالي فإن التخوف من أن يصل الأمر إلى وجود اعتراف بهذا النشاط كشكل رسمي في الدولة ليضع المدرسة والمعلم أمام علامات استفهام وانتقاد مستمر من الطالب وولي الأمر يتحمل التعليم تبعاته في غياب ثقافة العمل المشترك، وإذا كانت التفاؤل من البعض باحتمال زوال هذه العادة التي انتشرت في المجتمع  بالاتساع  في زيادة الفرص  التعليمية للطلاب ومقاعد الدراسة  في مؤسسات التعليم العالي بناء على التوجيهات السامية لمولانا جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، فإن الأمر لا يمكن أن ينظر إليه بهذه المستوى على المدى البعيد ولا يمكن أن تتحمل الدولة مسؤولية الحاق جميع خريجي الدبلوم العام ممن هم قد حصلوا على نسبة 70%  لتكون لهم مقاعد في مؤسسات التعليم العالي ، فمع أن الأمر قد يكون وقتيا اكثر مما هو عمل مستدام إلا أن البعض يضيف أيضا  بناء على التقارير التي تصدرها مؤسسات التعليم العالي وجامعة السلطان قابوس ومستوى الجودة التي تشترطها في مدخلاتها وضرورة أن تكون لمدخلات مؤسسات التعليم العالي معايير ومواصفات معينة تجعل من أمر تحققها أمرا مشروطا لتحقيق الجودة والسمعة العالمية للجامعة والاعتراف بها ، بل وتحقيق الاعتماد الأكاديمي ، فقد لا تظهر الحاجة إلى وجود هذه النوعية من الطلبة ممن لم يستوفوا شروط القبول في مؤسسات التعليم العالي ، وبالتالي ترجع مسألة الدروس الخصوصية على حالها بل قد تزداد حدتها على المدى البعيد، كونها السبب الرئيسي في وجودها والتي كانت في الأساس من أجل تحقيق المنافسة وتجاوز المرحلة الصعبة والتي يطمح فيها ولي الأمر في انتقال ابنه للمرحلة الجامعية ويظن سلفا أن الدروس  الخصوصية سوف توفر له هذا الهدف وتحقق له الغاية.
إن المطلوب في ضوء عملية التقييم الشامل التي يفترض ان يعمل التعليم على تبنيها في ظل مراجعة متأنية ومعمقة ومقننة وتقييم مستمر لكل السياسات والخطط والقرارات والأولويات، أن تضع قدرة التعليم على الايفاء بالتزاماته وتعهداته فوق كل اعتبار ، وعندها سوف يكون لموضوع الدروس الخصوصية الحل في قدرة التعليم على بناء إطار عمل جديد يعزز لدى المتعلم كفايات ويغير قناعات وينبي لدى ولي الأمر وعيا وثقافة تضعه امام مسؤولية تربية الابناء وتنشئة الاجيال ، هذا التقييم يفترض أن يراعي كل المتغيرات والخصوصيات  وينطلق من ثقافة المجتمع ويتفاعل مع متطلبات الإنسان العماني ، ويعي بشكل كامل مستوى التحديات التي يواجهها والطموحات التي يرغب ان تحققها التعليم فيه، إن المراجعة المقنعه اليوم المطلوبة من التعليم هي التي يجب ان  تتجاوز جانب الاصلاحات المحدودة والتغييرات المفاجئة والأنماط التقليدية والقرارات العشوائية والأطروحات المخجلة إلى مراجعة حقيقية فعلية  تقوم على محددات واضحة وأجندة عمل واقعية وسياسات تأخذ في الاعتبار واقع الانسان العماني ومتطلبات التنمية وترتبط بفكر الانسان ووجدانه وسلوكه وممارساته  ايما ارتباط بشكل يقوم على تقدير الابداع وبناء كفايات الانتاج والعمل والسلوك الحسن لدى المتعلمين، وترسيخ  فلسفة العلم من اجل العمل والحياة والتنمية والإصلاح والتعايش، فعندما يقوم التعليم بمتطلباته ومسؤولياته بشكل مقنع وواقعي  بعيدا عن التهويل والتأويل والدعاية والإعلان والترويج والتركيز على القشور والشكليات إلى ممارسة تعليمية معمقة وفعل تعليمي محقق وتتوفر بيئة التعلم الحقة ومناخ العمل المضبوط وتتحقق مستويات الدعم من قبل مؤسسات الدعم، وتعمل مؤسسات التعليم على توظيف هذه الموارد من أجل الإنسان وخدمة التعلم النوعي  عندها لا يكون للدروس الخصوصية بمعناها السلبي أي وجود في واقعنا الاجتماعي، ولا يمكن أن تكون الدروس الخصوصية هي الأصل والمدرسة هي الفرع أو البديل كما هو الحال في ثقافة وقناعة الكثير من الناس، وعلى مؤسسات الدعم ان تتفاعل مع الموضوع في إطار وطني كونه يشكل هاجسا وطنيا ومسؤولية وطنية تحمل أبعادا عالمية ويعكس وجودها نتائج مخجلة للنظام التعليمي في إطار تساؤل متوقع هل استطاع النظام التعليمي أن يبني فيم التعلم الذاتي المستمر والبحث والإطلاع والتفكير النوعي والفكر الاستراتيجي في المتعلم؟  ومع التأكيد على أن الشراكة في هذا الموضوع لا مناص منها كونه ليس شأنا خاصا بمؤسسة دون أخرى ، فإن الأمر يحتاج بلا شك  إلى  بناء الثقة المؤسسية  المعززة للابتكارية ومناخات العمل المنتجة، فهل سنرى في التعليم ومؤسساته هذا التوجه؟، وهل سنلمس من القائمين عليه هذا الوعي؟، هذا مرهون بآلية المراجعة المقنعة التي تتبناها منظومة التعليم ومؤسساته والقائمين عليها،  وهو ما نأمله ونحتاجه فعلا لمرحلة ما بعد التقييم والمراجعة ؟؟؟؟

وإلى لقاء آخر 

تعليقات