د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
- مدونة الحوار- 2013م
http://alhwaraleegabe.blogspot.com
التربية على الفكر النقدي
الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي
08/07/2013 11:17:13 ص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في حياة الإنسان اليومية مواقف عديدة يتعامل معها ،
وموجهات متنوعة يتفاعل معها، قد تكو صائبة وقد تكون غير ذلك، ولكنه ينبغي أن يكون
له رأي فيها وموقف واضح منها، فلا يكن إمعه إن أحسن الناس أحسن، وإن اساؤوا أساء، بل
يوطن نفسه في مثل هذه الموقف ويظهر هويته في التعامل مع هذه الأحداث، ويبدي رأيه
عن قناعة وصدق، بناء على أدلة وبراهين وحجج عقلانية تثبت دقة تصرفه وصحته من عدمه، إنها التربية على الفكر النقدي التي تعني بناء الذات في ظل تحسيسها بقصورها عن بلوغ
الكمال، وحاجتها إلى المراجعة والتصحيح وتعديل المسار والتقويم والتقييم لها، ينطبق ذلك على المستوى الشخصي أو على مستوى
المؤسسات، لتصبح التربية على الفكر النقدي من ضرورات التربية المعاصرة وأولوياتها
التي تستهدف بناء جيل واع قادر على فهم كل المعطيات من حوله، هذا الوعي هو نتاج
فهم متحقق وتحليل معمق وقراءة هادفة لما بين السطور، إنها اتخاذ قرار بناء على
واقع ورؤية ونظرة متمكنه، ولا شك فإن أبناءنا الطلبة اليوم بحاجة إلى تربيتهم على
هذا الفكر في المدرسة والجامعة والمعهد بل والأسرة ، وبحاجة لأن ينتقل هذا الفكر
ويستمر مع الفرد حتى في حياته العملية ليصبح الفكر النقدي البناء هو السبيل لنشدان
الحق وبلوغ الأهداف وتحقق المأمول من
العمل المؤسسي والوصول إلى الغايات الوطنية والأهداف السامية من وجود هذه
المؤسسات،
هذا الأمر بحاجة إلى أن يبدأ من البيت والمدرسة وأن
تعززه مناهج التعليم وتوجهه لأن يكون أداة إصلاح وطريق تقدم ومنهج عمل لا يزيغ عن
الهدف ولا ينحرف عن المسار في ظل معايير واضحة وتوجيه أبوي وتعليمي وتربوي يمهد لسلوك أفضل يتوقع من تبني الطالب للفكر
النقدي ، أو يتوقعه المجتمع من بناء أفراده على
تحمل مسؤولية الكلمة والفعل ، مسؤوليتهم في بناء ذواتهم وتوجيه فكرهم من
أجل الإنسان الذات والإنسان الآخر ، وعندها يصبح النقد في إطار متزن ومسار مستقيم ووسيلة اصلاح وتطوير ، وهو بذلك يتحول من نقد النقد لذاته أو نقد فرد
معين أو التجريح أو الاساءة إلى أن يكون النقد للفعل الممارس والسلوك الحاصل بدون
تعميم ذلك على السلوك المجتمعي العام،
وعليه كان لا بد
وأن يكون هذا النقد كسلوك يبدأ من ذات
الفرد ويؤمن به الفرد ويقتنع بقيمته وأحقيته على نفسه ، ثم ينتقل به إلى الفعل
الممارس من قبل الآخر وليس الآخر لذاته،
هذا الأمر بلا شك فيه ما يؤيده من تربية السماء ، لتصبح التربية على النقد
بمثابة موجهات للنفوس السامية والقلوب الزاكية التي تسعى لأن ترك أثرا خيرا في حياتها،
" حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا " حديث شريف يحمل دلائل عظيمة
وتوجهات في بناء الذات وتقويم العمل وتصحيح المسار، نحتاج لأن يكون جزء من حياتنا
اليومية وسلوكنا الشخصي وممارساتنا مع انفسنا والآخرين، محاسبة النفس دليل وعي ورقي فكر، ومظهر حضاري ،
ومنطلق للتجديد وعندما يتوفر في ذات الفرد فكأنه قد حاز الخير كله، وعندما يصبح مسار عمل المؤسسات فكأنها وصلت
لمستوى عال من الجودة والكفاءة المؤسسية، كم نحن بحاجة إلى أن نتمسك بهذا المبدأ
على المستوى الشخصي والمؤسسي محاسبة الذات إيذانا بعدم اعطاء فرصة للغير للقيل
والقال ، والبحث عن نقاط الضعف لدينا، لأننا تلقائيا نذكر أنفسنا بالحالة التي نحن
نعيشها، وبالتالي تجدنا في موضع المبادرة والمبادأة في تقييم الذات قبل أن يكتشف
الآخر أخطاؤنا ونقاط ضعفنا، - أو بمعنى آخر نجعله في موضع مسؤولية مما يقول أو
يتفوه به، لأنه يتطلب منه إثبات ذلك بالدليل والشواهد- ، وهو ما يعني حرصنا الشديد
على المراجعة المستمرة لكل ممارساتنا وقراراتنا وأفكارنا وتوجهاتنا، سواء على
المستوى الشخصي أو المؤسسي، فانظر مثلا عندما تجعل المؤسسة من عملية التقييم الذاتي
طريقا لها لسلوك الأفضل وتحقيق الأجود، وتعزيز الممارسة الناجحة، لا شك بأن مردود
ذلك عليها سوف يكون أكثر ايجابية ، كم نحن بحاجة لمراجعة دورية دائمة ومستمرة تطال
كل شي في عمل مؤسساتنا في اللوائح والأنظمة والقوانين والتشريعات، في الممارسة
الادارية والفنية، في التعامل مع الموظف والمراجعين ، في اليات تحقيق الأهداف ، في
الخطط وبرامج العمل، وبالتالي يصبح
التقييم الذاتي سبيلا لنا نحو بناء نظام متكامل يشعر فيه الجميع بحس المسؤولية وأن
على كل واحد منهم أن يكون مكملا للآخر في بناء منظومة تفاعلية تكاملية تشترك
جميعها في تحقيق الرؤية الإنسانية والغاية
والهدف الاجرائي المعياري بأساليب يتفق عليها الجميع ويدرك مغزاها الجميع ، فتتوطن
في النفس لتصبح مسار عمل يسلكه الجميع لبناء مؤسسي قادم،
لا شك بأننا نحتاج إلى مثل هذا النقد لذواتنا برغبة
وقناعة وبدون تكلف ، بشعور ينبع من ذات الفرد والمؤسسة بأهمية النقد من أجل
الاصلاح، ليكون صوت جميع العاملين في المؤسسة صوت واحد يتحدثون بلسان واحد ويؤمنون
برؤية واحدة ويسعون لتحقيق أهداف محددة، فيصبح النقص والقصور في أعين الجميع بأنه جزء
يمسهم شخصيا فيسعون لمعالجته، هكذا نحن بحاجة إلى هذه الثقافة ونربي أبناءنا
وبناتنا على هذا المنهج الفكري في التقييم سواء في العمل وفي التعليم والاقتصاد والتنمية بجميع
مجالاتها ومحاورها، نحتاج لأن نكمل بعضنا بعضا، وينطبق هذا الأمر على الوحدات الادارية في المؤسسة الواحدة وبين المؤسسات جميعها، نعالج
القصور الحاصل في بعض جوانب العمل بمبادرات من ذواتنا وبقناعتنا بأن الأمر يهمنا
جميعا، ما اردت قوله أن عملية التقييم الذاتي التي هي نتاج من قبول ثقافة النقد
والتربية النقدية تجعلنا نتصرف في حدود القانون غير أن هذا التصرف دائما تواكبه
قيم أخرى كالتعاون والشعور بالمسؤولية، وبتكامل الأدوار، والسعي الحثيث لمعالجة
موضع القصور والنقص، نحن فعلا بحاجة أن
نربي أنفسنا على التقييم الذاتي ، وما أجمل أن تجعل أي مؤسسة من عملية التقييم
الذاتي لمدى تحقق اهدافها طريقها نحو التطوير والتجديد والبناء المؤسسي الناجح، ما
أجمل أن تجند المؤسسات مواردها البشرية وكفاءاتها المنتجة لتحقيق هذا الغرض لتكون
عملية التقييم الناتجة عن النقد البناء ليست مسؤولية دائرة واحدة فقط، بل مسؤولية
كل الدوائر وكل الأقسام وكل الوحدات بالمؤسسة بشرط أن يكون هذا التقييم الذاتي
موضوعيا ومبنيا على القناعة بوجود نقص والشعور بوجود قصور، وبالتالي الحاجة إلى
إصلاحه ودراسة موضعه بطريقة جماعية على الأقل، إن من شأن عملية النقد أن تجعل من عملنا محل تقييم
مستمر ومراجعة متواصلة مستمر من أنفسنا
قبل غيرنا، وبالتالي سيكون للآراء والمقترحات ووجهات النظر المتلقاة من قبل من هم
في المؤسسة أو خارجها محل تقدير واهتمام ومتابعة وحرص على بذل الأحسن وتحقيق
الأفضل، وسعي دؤوب نحو البحث عن كل الأفكار والمقترحات والمرئيات الجديدة التي
يبديها الرأي العام أو تتناقلها الصحف والمجلات أو المواقع الالكترونية من مرئيات ومقترحات
للتحسن والتصحيح وإعادة النظر والمراجعة ، أو ما تكتبه أقلام الباحثين والكتاب
والمثقفين في المجتمع لتكون محل دراسة
وتبويب وتمحيص وتحليل من قبل المؤسسة المعنية، وتنظر إليها على أنها أحد الأطر
التي عليها أن تتعامل معها بكل أريحية وموضوعية وتحسن الظن بكتابها ، وبالتالي ليس
الأمر موضع هجوم أو نقد لازع بقدر ما هو شعور بالمسؤولية وتكامل في الموعظة والنصيحة،
والأخذ بيد الآخر الذي كلنا نحتاج إلى دعمه ومساندته ، ونقد موضوعي بناء لبناء مناخ
جديد للعمل المؤسسي الوطني المشترك الذي تتكاتف فيه كل الجهود وتتكامل من خلاله كل
التوجهات وتتفاعل فيه كل الأفكار لتصبح التربية على الفكر النقدي أولويتنا
التعليمية في تحقيق التغيير الايجابي المنشود في ذواتنا ومؤسساتنا .
وإلى لقاء آخر
تعليقات
إرسال تعليق