بين المواسم الدينية والمناسبات الوطنية دلائل وموجهات للسلوك الدكتور / رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

بين المواسم الدينية والمناسبات الوطنية دلائل وموجهات للسلوك ....
·       ماذا يمكن أن نتعلم منها من أجل وطني عمان؟
·        وكيف يمكن أن يكون شهر رمضان فرصة للتقييم والمراجعة للجهود المبذولة في سبيل ترسيخ قيم المواطنة في سلوك الناشئة؟

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏10‏/07‏/2013‏ 01:23:06 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  شهر رمضان المبارك  يحمل الكثير من القيم والمبادئ العظيمة التي يمكن أن تشكل منهجا للعمل الجاد والمراجعة الشاملة لمسيرة البناء، بناء الإنسان، وبناء الوطن، وبناء برامج التنمية الوطنية المستدامة ، وشهر رمضان يعتبر فرصة للمؤسسة الدينية ومصدر قوة لها في سبيل تطوير وتقييم برامجها ومراجعة آليات عملها، وبناء مرحلة جديدة تعزز من ربط الدين وتعاليم الشرع بالحياة ومتطلبات تحقق الأمن والأمان والسلام والتنمية والتطوير والتقدم من خلال صقل قدرات الشباب ومهاراتهم بالقيم والمبادئ الإيمانية  الأصيلة  والسلوك الراقي الذي يعزز في النفس قيم الصبر والتحمل والعطاء وتقييم الذات ومراجعة السلوك وآليات العمل الحياتية المتبعة من قبل الأفراد وعلى مستوى المؤسسات، ولا شك فكلنا يدرك ما يمكن أن تقوم به المؤسسة الدينية من جهد في هذا الجانب، وكيف يمكن أن يكون  رمضان مصدر قوة للمؤسسة الدينية ومصدر دعم لما تتخذه من منهجيات في التوعية وترسيخ قيم الخير في الإنسان مع نفسه وحبه للآخرين وحبه لوطنه وأمته، وتعزيز ثقة الإنسان بربه وبناء قدراته من أجل تقديم الغالي والنفيس لوطنه ،  ومعنى ذلك أن رمضان وما يتطلبه من المؤسسة الدينية يمكن أن يشكل منطلقاً أساسياً في سبيل ترسيخ قيم المواطنة وغرس السلوك الايجابي لدى الفرد نحو الوطن والمحافظة على منجزاته، ولا شك فإن وطننا الغالي مقبل على مناسبة غالية ألا وهي الثالث والعشرين من يوليو والذي يعتبر بمثابة فرصة لهذه المؤسسة في القيام بمسؤوليتها في ترسيخ المواطنة من خلال إستغلال أيام هذا الشهر المبارك والتأصيل الشرعي لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام لمفهوم الوطن والمواطنة وحب الوطن والعمل من أجله والذي يتطلب أن تضع آليات عمل وخطط يقوم بها أئمة المساجد والوعاظ والقوافل الوعظية في هذا الجانب،  ليكون البناء الوطني جزء من ملحمة الخير وقوافل التوجية المسيرة إلى المحافظات وفي ربوع عمان الغالية والدعوة إلى الله التي يمكن أن يكون من بين أجندتها الدعوية هو ترسيخ سلوك المواطنة وحب الوطن والانتماء له والمحافظة عليه ، استلهاما من منبع الحق وطريق الهدى وسنة سيد الخلق الذي أكد في كل أقواله وأفعاله حبه للوطن ، فحب الوطن من الإيمان،
 إن المؤسسة الدينية معنية اليوم وفي إطار تنوع مسؤولياتها وتعدد أدوارها وتوظيفها للخطاب الديني في البناء والتنمية بتبني منهجيات وأطر عمل واضحة ووضع مبادرات عملية يمكن أن تشكل مدخلا لصياغة المواطنة الصحيحة وترسيخ الوجدان الوطني في النشء، وبالتالي يمكن أن يشكل رمضان  نقطة انطلاقة للوزارة في تأكيدها على هذا الموضوع، من منطلق ما يدعو إليه رمضان من ألفه ومحبه وحماية للحقوق وبناء للوطن ودفاع عن مقدساته، كون رمضان شهر البركة والخير والرزق والعزة والنصر والمغفرة والتصحيح والتقييم الخ، ومن خلال تذكير الشباب بالتحديات التي تواجهه وكيف يمكن أن يكون أداة للتغيير والمراجعة والمحاسبة للنفس فالمتغيرات والملهيات  التي يتعرض لها الشباب، وانحسار منظومة القيم الوطنية التي يؤمن بها الجيل السابق، والإشكاليات المترتبة على الثقافة المجتمعية المتعلقة بالدين والحضارة والتقدم وغيرها تجعل مسؤولية المؤسسة الدينية غير سهله في التعامل مع هذه التحديات والمتغيرات، باعتبارها تحديات ينبغي أن تؤصل لها منهجية واضحة في العمل المؤسسي الديني، وهنا نشير إلى بعض المراجعات التي يمكن في ضوئها بناء رؤية واضحة في عمل المؤسسة الدينية لتعزيز قيم المواطنة الايجابية في نفوس الناشئة،
1-    دور المسجد  من حيث حدود هذا الدور وطبيعته، هل تطور أم تغير؟ كيف نجعل من المسجد مؤسسة اجتماعية روحية قيمية ذات رسالة إنسانية، لخدمة الوطن لا أن يكون منبرا وحيد الاتجاه، وهو ما يلقي على هذه المؤسسة مسؤولية تحديد طبيعة ووجهة الأداور المأمولة من المسجد ، وهل سيقتصر على كونه مكان لأداء الصلوات الخمس أم سيكون مكانا ينطلق منه المواطنون لبناء وطنهم وتعليم قيمن المواطنة فيه؟
2-            الخطاب الديني ، الذي ينبغي أن يتطور ويتوجه لفئات المجتمع المختلفة، الشباب ، والمراهقين، والأطفال، وكبار  سواء في فلسفته، وفي لغته، وفي مادته وفي محتواه وفي طريقة عرضه، وفي تناوله للأحداث والقضايا المجتمعية، وبالتالي يلقى هذا الخطاب على المؤسسة الدينية مسؤولية كبيرة في إحداث تحول في فلسفة ونمط الخطاب الديني بحيث يظهر هذا التحول في الرسالة التي تقدمها الخطب الجمعية وخطب المناسبات الدينية ، بل وفي طريقة المتعاملين والقائمين على إعداد هذه الخطب وتبليغها للمجتمع،
3-            منهج التعليم الديني والمتمثل في مناهج معهد العلوم الشرعية ومناهج مدارس القرآن الكريم في نقل الصورة الحقيقية لمفهوم المواطنة من خلال التأصيل الشرعي الديني لها والموقع الذي يجب أن تكون فيه في سلوك المسلم مدعمة بالنماذج والأمثلة والمبادرات المضيئة، بحيث يمكن أن تسهم مخرجات هذه المراكز في بناء توجه إيجابي وطني .
4-            إن اهتمام المؤسسة الدينية  بالكادر الوعظي الديني يلقي عليه اليوم مسؤولية كبرى في تغيير قناعاته وتحولها لصالح المجتمع والتنمية والتطوير، هذا من جهة ومن جهة أخرى فمن المأمول أن تسهم هذه البرامج والدورات التدريبية للوعاظ وأئمة المساجد والموجهين الدينين في تحول أساليب وطرائق التوجيه والإرشاد وتعديلها بما يتناسب مع حاجات الشباب وتتفاعل مع متطلباتهم، وتمكينهم من احتواء أفكار الشباب واحتضان مبادراتهم بشكل يعزز من دور الشباب والمجتمع في التنمية ، وهو ما يعني مدى قدرة هذه البرامج على تعزيز فرص الحوار والتواصل والاعتراف بالآخر والتفاعل الثقافي وتأصيل هذا الفكر في نفوس القائمين على الوعظ والإرشاد والتوجيه، ناهيك عما ينبغي أن تسهم به في تمكين الواعظ وإمام المسجد من تبني مبادرات تطويرية وتوجيهية دينية تعزز من دوره الاجتماعي وتشكل حلقة وصل بينه ومؤسسات المجتمع كالأسرة والمدرسة، هذا ا لالتقاء والتواصل والحوار والتفاعل هو ما نحتاجه اليوم ومن المهم أن يكون للعاملين في هذه المؤسسة دور فاعل في  رسم سياقه.
5-             إن ما يتعرض له الشباب من أفكار وأطر فكرية ومذاهب متعددة يتطلب من هذه المؤسسة دورا مهما في تحقيق البناء الفكري الإيجابي للفرد بعيدا عن المغالطات والتحزبات والمذهبيات والرجعيات، وأن ترسخ في ذهن النشء مفاهيم واضحة بعيدة عن الإغواء أو الفكر السلبي أو القناعات الأخرى التي تعزز لدى النشء حالات من التعنت الفكري والمذهبي في ظل منهجيات تعتمد على الحجة والموعظة الحسنة والجدال  بالتي هي أحسن وتأصيل قيم التعارف والتعاون والتكامل والحوار من أجل بناء الوطن وتحقيق تقدمة.
6-            إن التحدي الذي على المؤسسة الدينية أن تعمل على التفاعل معه، هو كيف تستفيد من التقنية وشبكات التواصل الاجتماعي والانترنت في بناء إطار معرفي سليم يحصن الشاب عما يثار من قضايا مذهبية وفكرية غير مقبولة، بما يعزز من قدرة النشء على النقد البناء لما يعرض من قضايا أو يتم تداوله في هذه المواقع. ليس هذا فحسب بل أين يمكن أن نضع الكتاب الديني في ظل التنافس الحاصل بين هذه المؤسسة والمؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة،  وتوجيه هذا الكتاب والفكر في خدمة قضايا المواطنة.
    وبالتالي يبقى الدور مرهون على المؤسسة الدينية في كيفية استغلالها للمواسم الدينية والمناسبات الوطنية  في عملية تكاملية تؤصل للعمل في إطار ديني وتوجه قيمي أكدت عليه مبادئ الإسلام من خلال هذه المواسم الدينية كشهر رمضان والهجرة النبوية الشريفة والإسراء والمعراج ومولد النبي الكريم علية الصلاة والسلام والحج الأكبر وغيرها من المناسبات التي تحكي تجارب حياة ومنهجيات عمل وتؤصل لممارسات أفضل، سطرت  خلالها امة الإسلام أروع صفحات التاريخ وكتبت على جبينه بأحرف من نور، فكان من المهم أن تكون فرصة سانحة للمؤسسة الدينية في ربطها بالإنسان من خلال رؤية واضحة تؤكد اثر هذه المواسم في بناء شخصيته وصقل حياته وتغيير نمط الممارسات التي كان يسير عليها قبل رمضان ، وترجمة ذلك في ممارسة الفرد اليومية بما يؤكد حبه لوطنه وانتمائه له،
ومع قناعتنا بأن هناك جهودا تبذل من قبل المؤسسة الدينية في هذا الجانب، إلا أن الحاجة إلى  استغلال هذه المناسبات في تعزيز هذا الجانب  بشكل يتواكب مع ما يتم الاشارة إليه في هذه الأيام من حديث عن سلوك المسلم والمفطرات في رمضان والواجبات والسنن والمرغوبات ، والمراقبة الذاتية ، ليصبح هذا التوجيه مرتبط بسلوك ينبغي أن يؤدي الفرد نحو الكثير من المبادئ المجتمعية السامية  كالانفاق والصدقات والأعمال التطوعية والاحسان والقول الطيب والتكافل الاجتماعي والاقتصاد في النفقة والاتزان في الطعام  ليكون جانب المواطنة والوطن  أحد جوانب الاهتمام أيضا، بحيث تشكل تلكم المواسم نقطة تحول إيجابي في بناء الإنسان المواطن المساهم والمشارك في بناء مجتمعه والرقي بأمته، في ظل ترابط فكري وروحي بين غايات الدين ومبادئه ومتطلبات الحياة وما يرتبط بها من جوانب مختلفة يحتاجها البناء الإنساني  في تكامل وتفاعل يوفر الفرصة لمزيد من توظيف تلكم المحطات الايمانية والوطنية من أجل تحقيق التغيير الإيجابي والمراجعة الشاملة لكل السياسات والخطط والتوجهات لضمان سيرها والنهج الحكيم وارتباطها بفكر الإنسان ووجدانه وبرامج تنميته من أجل غد أفضل وأكثر زهوا وإشراقا.

وإلى لقاء آخر

تعليقات