حب الأوطان بين أخطاء وتجاوزات وقناعات ... ما السبيل للمعالجة؟ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


حب الأوطان ... والسلوك المطلوب
بين أخطاء وتجاوزات وقناعات ... ما السبيل للمعالجة؟
د. رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
‏24‏/11‏/2013‏ 09:35:38 م
نعيش أياما وطنية عظيمة  ضمن احتفالات وطننا الغالي عمان بالعيد الوطني الثالث والأربعين المجيد، وكل ألسن العمانيين تلهج بحب الوطن الغالي والقائد المفدى، أياما جميله مرت بيد أن حب الوطن لن يتوقف عليها ولن تحبس الأنفاس أو تتوقف الألسن أو تتقاعس الأفئدة بمجرد انتهاء اليوم الوطني، فحب الوطن إرادة نفس وصحوة ضمير وقوة نبض ومنهج عمل وسلوك يعبر عن الوطن في القلب والعقل في السمع والبصر في الفكر والارادة والمهارة، بيد أن البعض في سلوكه وقناعاته يضع سلوك حب الأوطان أمام تقييم ومعالجة ينبغي أن تأخذ بعدا استراتيجيا في عملية الوعي الاجتماعي والتربية المواطنية والتوعية البشرية والتثقيف الأسري، ليصبح الحديث عن حب الوطن في الميزان ، حقائق واحداث تتجاذب حديثنا عن حب الوطن وتضعنا امام صورة مكبرة وتساؤلات اكبر واختبار اصعب ، ما دليل حبنا لوطننا، وكيف نلمسه نحن في حياتنا اليومية قبل أن يظهر لدى الآخر، وإلى أي مدى نحن حريصون على تلمس حب الوطن في كل أعمالنا وممارساتنا مع أنفسنا قبل أن تظهر للأخرين ليكون هو الاطار الذي نعمل بداخله وبين زواياه، وهل نحسن أداء ما وجب علينا نحو وطننا، هل فعلا نمتلك تلك الروح الوطنية التي تقنعنا بأن ما نقوم به الأفضل وأن ذلك جل ما نمتلكه نحو وطننا؟ هل فعلا أننا نقدم لوطننا كل ما نملك أم أننا نعد ذلك في إطار  لا يتجاوز حدود المادة والمال والدعم المقدم؟ متى يمكننا أن نثبت للآخرين بأن حبنا للوطن يتجاوز كل الأحداث العرضية ليكون هو سرنا وحصننا وحضننا ومبدأنا وفكرنا وشعورنا ورؤيتنا ،  فانظر مثلا في سلوك  ذلك الشاب الذي يرفع علم وطنه على سيارته وهو يتجاوز في سرعة قيادته سرعة البرق، أو ذلك الشاب الذي يرفع العلم على دراجته وإذا به يصول ويجول في الشارع العام ويقود بصورة لا تنم عن التعبير عن حب الوطن يتجاوز النظام ويستعلي على القانون ويثير الخوف والفزع في نفوس المارة وقائدي المركبات،  أو ذلك المسؤول الذي يصدر القرارات للعاملين في مؤسسته بتنظيم مسيرة ولاء وعرفان ، وإصدار تقارير عن حب الوطن في اصدارات مؤسسته وشعارات ودعايات تنم عن تلك المناسبة الوطنية او يصرح في الجرائد والمجلات بتلكم الانجازات وهو في حقيقة الفعل  لا يعبر في سلوكه الذاتي عن حقيقة جب الوطن، بقرارته وسياسات عمل مؤسسته وتجاوز للقانون وتغييبة للعدل والمساواة واقصائه للفكر وتحيزه لفئات معينة في مؤسسته ، بل في حقيقة الأمر تجد فعله في واد وممارسته الظاهرية في واد آخر، وانظر إلى ذلك الأب الذي  يغني من أجل الوطن وينشد من اجل الوطن ويدعو للوطن بالخير  في حين أنه يهمل في إدارة حياة اسرته أو تربيتها للنهج الديني والوطني الذي يدعوه لأن يكون أبنائه قمة في الاخلاص والانتماء والحس الوطني والمسؤولية  الوطنية.
ان حب الوطن يتجاوز ترديد  الشعارات البراقة أو اللافتات العملاقة، أو رسم الاعلام الطويلة،  أو تلوين جدران المنازل، أو تعليق الصور على البيوت والواجهات، فهو حقيقة لا بد ان تظهر في سلوك، ومنهج لا بد  وأن يترجمه عمل، وإخلاص ينعكس على قيم الإنسان ومبادئه وأخلاقياته وثراء فكرة وزيادة خبراته وتعدد مواقفه البطولية من أجل الوطن، فالمشاركة السياسية الواعية في المجالس البلدية ، والعمل التطوعي، والمبادرات النوعية، وقيم العدل والمساواة والحرص على الالتزام الوطني ، وتلمس حقيقة الوطن في صياغة حياة الفرد وأسرته وبيته وتعامله وعمله،  وإيجاد توافق بين عاداته اليومية ومتطلباته الوطنية، وترسيخ معاني الوحدة والوئام والالتحام وتعزيز قيم المساواة والإخاء والتسامح ، ونبذ التعصب ، والمحافظة على البيئة والسلوك العام والالتزام القانوني وجعل الخطاب السامي  بمثابة توجيه أبوي يرسم منهج عمل وسلوك ينبغي أن يعمل في إطاره، وتعويد الأبناء على ترجمة حب الوطن في حياتهم باهتمامهم بدراستهم، والتزامهم الوظيفي، والتزامهم الشخصي بالهوية الوطنية في لباسهم وتعاملهم مع الاخر، وتبنيهم منهج التسامح والتفاعل مع الآخر والتثاقف والحوار في الداخل والخارج ومع الآخر داخل الوطن وخارجه، هو في حقيقة الأمر السلوك الذي يعبر عن حقيقة حب الوطن ويترجم قيمة الوطن في الفكر والوجدان،
إن بناء الروح الانسانية القادرة على فهم حقيقة الوطن في ذاتها والمقتنعة بمسئوليتها والحريصه على اداء واجباتها انما ينبغي ان يتم في  إطار محدد ترسمه الأسرة في سلوك أبنائها وفي تعاملها معهم، وفي طريقة تعاملهم مع كل الجهود والمبادرات والمنجزات التي تقدم في هذا الوطن الغالي، هذا السلوك الذي ينبغي أن تربي الاسرة أبناءها عليه بل وتتربى هي على منهجه  ليكون لها سبيلا وطريقا لتحقيق المواطنة الايجابية الفاعلة. لترضعهم دفء الوطن وحب الوطن وعشق ترابه، وتذكرهم بما حباهم الله في هذا الوطن من خير ونعيم وأمن واستقرار ووحدة وتعاون وما انعم عليهم من وجود جلالة السلطان، كما تذكرهم باستمرار على أن يكون الوطن وجلالة السلطان جزء من الدعاء والخير الذي يسالون ربهم كرمه ورحمته وعفوه في صلواتهم، وبالتالي تأكيد دور التربية الوالدية والسلوك الأبوي في تعريف الأبناء بمنجزات الوطن وبتاريخ الوطن وشموخه وعطائه على مر العصور وتاريخ العمانيين ليكون ذلك بمثابة معلومات يومية وسلوك طبيعي تقوم به الأسر في المنزل وفي أوقات نزهاتها، وبالتالي تذكرهم بواجباتهم نحو وطنهم وطريقة تعاملهم مع مقدراته وخيراته والسلوك الذي عليهم القيام به ليتأكد حب الوطن والقائد في حياتهم،  كما أن من شأن مؤسسات التعليم أن تعمل على إيجاد آلية تضمن فهم الطالب لحقيقة الوطن وكيفية حبه والآليات التي ينبغي أن تظهر منه في سبيل ترجمة هذا الحب ، فالملاحظ مع قناعتنا بأهمية ما تقوم مؤسسات التعليم في أوقات الأعياد الوطنية أو بشكل يومي في طابور الصباح من تحية العلم والنشيد الوطني والانضباط والاحترام وغيرها إلا أن الكثير من الطلبة قد لا يدركون حقيقة ما يرددون أو يفهمون  الدلالات التي يحملها طابور الصباح وترديد النشيد الوطني وهو ما يستدعي من المدرسة والقائمين على التعليم  دور أكبر من شأنه تجسيد حب الوطن في أفكار وأروح ووجدان الناشئة، حتى لا تكون مجرد مناسبات أو مظاهر فقاعية تتقشع بسهوله، إن بناء حصن الوطن في نفوس الناشئة لا يتأتي إلا من خلال جهود حثيثة ومبادرات نوعية تتجاوز حدود الزمان والمكان،  مبادرات ومشاريع عمل هي بمثابة تجارب تحكي حب الوطن وتقدس أرضه وترابه، وبالتالي لا ينبغي أن تمر هذه المناسبات الوطنية بمجرد أعياد عادية لا يتأتي للنشء فهم دلالاتها أو تمكينه من سبر أغوارها في عمق ذاته الشخصية ليصل إلى كون محبة الوطن ليس مجرد عرض يومي أو تأتي لمجرد ضغط من الآخرين بل للقناعة بأن ذلك ينبغي أن يسري في أجسادهم كسريان الدم في العروق، وهنا تؤدي القدوة الحسنة والنموذج المضيء لتؤدي دورها في بناء جسر التواصل بين الإنسان والوطن، فعندما يرى الأبناء ذلكم الحس الوطني من خلال التربية الأبوية التي تؤكد على الاخاء والتسامح وحب العمل وعدم التقاعس عن القيام بالعمل في القطاع الخاص، وذلكم التشجيع الذي يحصل عليه الأبناء من أبائهم بالتحاقهم في أي مواقع العمل المنتجة عندها تسري في حقيقة نفوسهم الرغبة الأكيدة في تحقيق ذلك، كما أن قيام المسؤول بأدواره ومسؤولياته الوطنية والإنسانية والمؤسسية وقدرته على تطبيق القانون وتحكيمه للعدالة والموضوعية والشفافية وحرصه على العمل المؤسسي المنتج وسعيه لبناء روح الوطن في العمل المؤسسي وسعيه على الاستفادة من الجميع أفرادا ومؤسسات وحرصه على ان تتحول المؤسسة التي يشرف عليها إلى كونها مؤسسة جاذبة للفكر منتجه مساهمة في تحقيق الإنسان وتمكينه،  عندها سوف تجد توجيهاته وقراراته وتصرفاته صدى إيجابيا من قبل العاملين معه في هذه المؤسسة،
كم نحن بحاجة إلى أن تصدق تمتمات ألسنتنا بشان حب الوطن في واقع ممارساتنا، وكم نحن بحاجة إلى أن يكون الفعل هو الأساس لأقوالنا ، كم نحن بحاجة إلى أن نكون نماذج سلوكية تبني الوطن وليس لمجرد شعارات ولافتات تعلق في السيارات وجدران المنازل وعلى الشوارع، إن اكتمال دلك مع وجود توازن واتزان وشعور بالمسؤولية وحرص على أن تكون في إطار قانوني يضمن عدم تجاوز حق الوطن فيها  يمكن أن يكون طريقنا لبناء روح وطنية تسمو بصفاتها وتتلألأ بأخلاقياتها وتعرف بانضباطها ونظامها ، إن حب الوطن والقائد المفدى أعزه الله  إنما من خلال الاخلاص لهذا الوطن ليقوم كل فرد فيه بمسؤوليته في كل مواقع العمل والإنتاج والمسؤولية، نحن بحاجة للإنسان المواطن الذي يقيم نفسه باستمرار ماذا قدم من أجل عمان، وماذا أعطى أبناء عمان، وكيف ساهم في بناء عمان؟ نحتاج  لأن يكون لكل شخص "كلندر" يتابع فيه أعماله كما يتابع فيه مدى التزامه بأداء الشعائر الدينية ، إن الوطن يتطلب منا الكثير وهو بحاجة إلى جهودنا وتكاتفنا وعطائنا واخلاصنا، لأننا سنجني ذلك لاحقا ، ولننظر للوطن ليس في إطار ممارسات بعض الأفراد بل ننظر إلى ممارسات البعض وسلوكياتهم وتجاوزاتهم على أنها لا تعبر عن حقيقة الوطن وما يدعو إليه وما يعبر عنه حقيقة  مولانا جلالة السلطان المعظم الذي أرادنا أن نكون لوطننا عمان الخير الذي لا ينتهي بمجرد صدور موقف من أي شخص كان، حتى وإن كان له شأنه في الدولة أو أحد مؤسساتها، إن عمان بحاجة إلى شبابها وأبنائها وبناتها كما هي بحاجة إلى شيبها وأطفالها،
فهل سنعي كيف نعبر عن حبنا لوطننا قادم الأيام في إطار التوازن والحرص على عدم المضرة بمصلحة الوطن أو تضييع حقوق الآخرين، وهل سنبصر غيرنا بذلك ليكون حب الوطن ليس مسيرات بالشوارع أو تضييع لحقوق الناس أو تأخير لمصالحهم بل هو العمل من أجل الإنسان الدولة والوطن والقائد.

وإلى لقاء آخر

تعليقات