المدرسة الأنموذج العملي لتجليات الأمن الوطني د. رجب بن علي بن عبيد لعويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


" المدرسة" ... الأنموذج العملي لتجليات الأمن الوطني ،  فلا تترددوا في التعامل مع انجازاتها باهتمام؟
د. رجب بن علي بن عبيد لعويسي
‏15‏/09‏/2013‏ 10:28:14 ص
" ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد القلب كله ألا وهي القلب؟"  حديث شريف يحمل معاني عظيمة ودلالات كبيرة وفقه في الحياة يجب أن نعيه، بيد أن بدأي بهذا الحديث في الموضوع الذي أثيره قد لا يكون مقبولا عند البعض ، لكني هنا أدرك ما أردت قوله ولعلني أصيب فيه جزء من الحقيقة،  لا شك بأن التعليم هو أساس نجاح أي أمة وتقدم أي مجتمع وتطور أي حضاره بل  وقد يكون سبيل استمرارها قادرة على التفاعل مع غيرها ،  والأمم التي إهتمت بالتعليم كان لها حظها الوافر من التقدم والتطور وبناء حضارتها وقيادتها لسلم الحضارة العالمية الإنسانية،  واليوم أصبح ينظر للتعليم على أنه أمنا وطنيا ، فالتعليم بقدر ما يمتلكه من مبادئ وما يؤمن به من قيم وما يولده من ابداعات وابتكارات وما يمنحه من فرص للإنسان في اكتشاف مواهبه وقدراه واستعداداته ، وتزويده بكل ما يسانده أو يساعده على بناء مجده والنهوض بأمته ، بقدر ما يسمو الإنسان ، ويقوى تفاعله مع الآخر وحرصه على البناء الإنساني السليم، وبقدر ما تهتم الإنسانية بالعلم والتعليم بقدر ما تستطيع ايجاد الحلول للكثير من مشكلاتها والتغلب على الكثير من التحديات التي تواجهها في كل مجالات الحياة الإنسانية المختلفة،  لهذا أصبح ينظر للتعليم والعلم على أنهما أساس  بناء الحضارة وأصبح من يمتلك العلم والمعرفه اليوم هو من يمتلك زمام القيادة ويدير دفه المعرفه ويستطيع  أن يعمل بدون خوف أو تردد أو ينتج بدون استحياء،
هذا الأمر بلا شك - التعليم والعلم-  أصبح يمثل طريق استثمار أممي ، بل هو معيار التنافس والتقدم وأصبح الاهتمام بالتعليم والتعلم والمعرفة والتي تشكل المدرسة أهم طرق توليدها ، أصبحت تشكل اهتماما كبيرا في سياسات الدول المتقدمة والمتطورة، وأصبح ينظر إلى امكانات المدرسة وما تمتلكه وما تختزنه ونوعية التفاعلات  التي تحصل فيها على أنها المحرك الأساسي لأي تنمية أو تطوير، وأنها السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار والأمن الإنساني الشامل في جوانبه النفسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية والوطنية والثقافية، وأصبحت تلكم المجتمعات تنظر إلى المدرسة نظرة اهتمام ومتابعة وتقييم دوري لكل التفاعلات التي تحصل بداخلها، وتقييم فعلي لكل التجارب والممارسات الحاصلة، واهتمام بكل الانجازات التي تحققها المدرسة باعتبارها مدخلا لانجاز وطني انساني متحقق ، فأصبحت تقاس قوة المجتمعات ومستوى الوعي والتجديد الحاصل بها وجوانب التطوير والتقدم  بما يحصل في المدارس وما يتم فيها وجوانب التجديد التي تبرز في المؤسسة التعليمية ، كونها التطبيق العملي لأنموذج الوطن والتفاعل بين أفراده والتعاطي مع كل قضاياه .
إن كون المدرسة الترجمة العملية لمفهوم الحياة المجتمعية الواعية الآمنة يأتي في إطار  ما تحتضنه المدرسة من تفاعلات بشريه وتعاملها مع الإنسان بكل جوانبه النفسية والفكرية والمهاراتية ، وقدرتها  على صياغة شخصيته وابراز هويته وتحصينه ضد أي تحول مفاجئ مغاير قد لا يكون مقبولا، فتصبح المدرسة تعمل في إطار كونها طريقة احتضان البشر  على  اختلاف فئاتهم وطوائفهم وقبائلهم وأجناسهم وألوانهم،  وهي في الوقت نفسه  تعمل على كونها  الحصن  الحصين للطالب ضد أي تأثيرات سلبيه أو توجهات غير عقلانية أو أنماط سلوكية أو اعتداء على الذات والآخر ، لكون ما تقوم به المدرسة من توجيه وتثقيف وتربية وتوعية  بمثابة الحصن والحماية  والدفاع عن  الطالب الإنسان ،   وهو أمر يقوم به الوطن وأساس وجوده  ،   فيتولد لدى  الفرد قيم الوعي ومفهوم الإخاء والتواصل الإنساني مع الآخر والاعتراف به، والتطبيق العملي للتجارب ، وتنمية المواهب والعمل الجاد ، والانتاجيه، والمحافظة على الانجاز ، وحماية المنجز ، والاحترام للعلم ومربي الأجيال ، والاعتراف بما تقدمه الحضارة الإنسانية من علوم وأداب وأفكار .  وإذا كانت النظرة إلى الأمن  تغيرت من تلكم النظرة التقليديه فإن الأمن الوطني يمر اليوم بمرتكزات عدة  تتزايد فيها أهمية الوعي والتثقيف والحس الوطني والقناعة المهنية والإخلاص والولاء والانتماء والحوار والتنمية والتجديد وحسن الرؤية ومصداقية التوجه والسلوك ، وكان من المهم إيجاد آليات تقيس هذه الجوانب ومستوى الاهتمام المتحقق فيها،
وعليه كان لا بد للمدرسة أن تبني عملها على منهجيات دقيقة ورؤى واقعية سديدة، واعتراف  بمسؤولية الآخر في النقد والتوجيه والمتابعة ، وأن تكون لها قواعد للعمل المؤسسي وان تتوفر لديها الآليات التي تنظم الحياة المدرسية ، وبما يعزز جودتها، وأن تكون في أداء رسالتها واعية بدورها مهتمه ببناء الإنسان ، قادرة على صناعة أمجاد الأمه ، ومنجز الوطن، وبالتالي كان لا بد لأي تفاعل يتم فيها أن يتم وفق إطار مؤسسي واضح ومنهجيات عمل دقيقة ومبادئ سليمه وأطر مقننة وأن يكون القائمين عليها عناصر فاعلة تمثل المجتمع في كونهم يقومون برعاية أبنائه واحتضان مستقبله ، 
 إن وجود مبادئ دقيقة للعمل ومنهجيات واضحة في الأداء إنما يحمل في ذاته جوانب تحقيق الأهداف وبلوغ الرسالة وتحقيق الغاية،  وعندما تعتمد المدرسة على هذه الحقائق فإنها تبني بذلك جوانب قوتها وشموخها ورفعتها وتفوقها وتميزها وجودتها ، فهي بذلك  تستحوذ على رضا  من هم بداخلها ، واهتمام من هم خارجها ، ليتحقق الثمر والنتاج مفعما بالأمل الذي هو بناء جيل الوطن القادر على تحمل تبعاته والقيام بمسؤولياته.
إن حرص المدرسة على تثقيف أبنائها وتعزيز قدرتهم على النقد البناء الموضوعي وتنمية مهاراتهم على الحوار وقبول النقد، وعدم اصدار الأحكام، وعدم قبول الشائعات والقول وفق احصائيات وشواهد وأدله ومحاورة الآخر والجلوس معه وفهم ما لديه، وأسلوب المحاجة والمجادلة بالتي هي أحسن وفق القانون والنظام ، وكيفية الاستفادة من نقاط الاختلاف،ـ ووجود المشترك بين بني البشر الذين  يمكن أن يبنون عليه آمالهم وطموحهم ويحققون في سبيله الخير لمجتمعهم،  وتعويده على الالتزام والانتماء والإرادة والثقافة المهنية، وطريقة التعامل مع الحقوق، والوصول إليها وكيفية أخذها والمنطلق أو المبادئ التي يجب الالتزام بها في هذا الجانب، لا شك بأنه يؤصل لثقافة مجتمعية حضاريه قادرة على التكيف مع متطلبات المرحلة الحالية الوطنية، وهو أمر كلما استطاعت المدرسة غرسه في نفوس الناشئة لا شك بأن نواتجه ستظهر على السلوك العام والتصرف الذي يحصل من قبل الفرد  في المجتمع في كيفية تفاعله مع قضاياه وتعاطيه مع حقوقه وتعامله مع أي منجز يقوم هو شخصيا به أو يحصل في مجتمعه.
وعندما تعمل المدرسة على تأصيل ثقافة القيم والقدوات والأخلاقيات  والمبادئ القويمة ، فإنها بذلك تصنع قدوات الوطن وتبني سواعد أبنائه، الذين يحملون مشاعل الخير وخلق الصالحين ومنهجين العاملين المخلصين ، والوطن بحاجة لأن تكون هذه المبادئ ماضية في طريقة محددة سيره ومسيره ، " وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" ، إن تعزيز المدرسة للمبادئ الخلقية  لا شك بأنه الطريق الأسلم لبناء الأوطان وتحقيق الأمن والأمان وتعزيز جانب السكينه في نفوس الناس.
المدرسة وما تقدمه من برامج نوعية وما تحتويه من أفكار سامية وما يتداول في أروقتها من أخلاق وممارساته وتوجهات وتجديدات وما تستشرفه من معاني نبيله في بناء الإنسان ، إنها بذلك تعمل على ترسيخ قيم الأمن وتحقيق بواعثه ورصد جوانبه ،
والمدرسة بما تتسم به من حوار وتواصل مع ذاتها وبين جميع العاملين بها، وما تحتكم إليه من تشريعات واضحة ومبادئ قويمه في تغليب لغة الحوار والتواصل  في كل قضاياها، لتسود ثقافة التعاون والعمل ضمن فريق، والاعتراف بأراء الآخرين،  والقيام بالمهام في إطار المسؤوليات ، فإنها بذلك ترسم منهج الحوار المجتمعي بين كل أبنائه، وتعزز منطق الوحدة والأخوة بين كل قبائله وفئاته لينعم الجميع بالأمن والأمان والسلم والاستقرار في ظل مبادئ  العيش معا.
 والمدرسة بما تقدمه من مبادرات وفكر وتثقيف وتوجيه ورعايه وعناية بالطالب الإنسان، واكتشاف مواهبه وقدراته وتعزيز جوانب البحث وتنميتها لديه، إنما تعزز في الوطن جانب التجديد والعلم والعمل والبحث العلمي والإنتاج المؤسسي والعطاء النوعي، والشراكة مع  الآخر، والعمل على ان يكون للمجتمع دورا في الحضارة الإنسانية، إنها تعزز منطق الإخاء والسلام العالمي، وتؤصل لجانب  الاستفادة  من كل المعطيات الحاصلة في العمل على تحقيق الأمن للإنسانية جمعاء.
والمدرسة بمناهجها المختلفة وما تحمله هذه المناهج من مضامين نوعية  وثقافات متنوعة وتربية للشخصية الإنسانية ، في ظل اعتماد وسائل تدريس محددة واضحة وأطر دقيقة في توظيف المنهج في الحياة ، وتعزيز الأنشطة الايجابية النوعية التي تبني شخصية الطالب ، إنما ترسم للمجتمع طريق واضحة وللوطن المنهج الأمثل في البناء والتجديد والتوظيف والاعتماد على الذات ، وتغرس في بنيه قيم الوعي بالمسؤوليات والاستفادة من كل الجهود الإنسانية في مختلف العلوم والفنون والآداب .
إن قدرة المدرسة على تحقيق هذه الجوانب بلا شك يتطلب الكثير من العمل، مع أن ذلك ينبغي أن يكون الطريق الأمثل  الذي يجب على كل مدرسة أن تسلكه ، ولعل الجميع يدرك أن رسالة المدرسة لم تتغير ودورها تطور بتطور المجتمع، والمطلوب منها أن تؤديه في العصور السابقة هو ما يطلب منها اليوم مع اختلاف الأدوات وتعددها وتنوعها، وتطورها يأتي من خلال تطور هذه الأدوات والآليات التي ينبغي على المدرسة أن تتعاطى معها وتأخذ بها وتستفيد من كل المعطيات المعاصرة في سبيل تبليغ رسالتها، وتحقيق دورها، وبالتالي كان لا بد أن تظل المدرسة على مرأى ومسمع من الجميع، وأن يكون لكل التفاعلات الحاصة بها  صدى في المجتمع، وأن تجد كل التفاعلات والانجازات والمبادرات النوعية التي تقوم بها المدارس سواء كان على المستوى الفردي او الجماهيري العناية والاهتمام والمتابعة والتقييم والرصد الدقيق لها، وأن تحصل المدرسة على الدعم الذي يعزز مواصلة جهدها، أو التوجيه لتعديل مسار عملها، وترك المدارس بدون التفات لانجازاتها ظنا من البعض أن هناك جهة معينة تتولى أمر ، أمر لا يمكن  أن يكون في ظل الدور المنوط بالمدرسة، والرسالة التي تقوم بها، وفي ظل ذلكم الطموح الذي يريده الوطن ( قيادة ومؤسسات وشعبا) من المدرسة،
إن جعل المدرسة في أولوية الاهتمام من قبل الجميع  إنما هو لكونها تمثل الوطن في كل تجلياته وتوجهاته ونواتجه، وتعكس الممارسة الايجابية التي تتم في المدرسة نتاج وطن وجهد أمه ، ولذلك كان لا بد من التكاتف في الوقت نفسه ضد أي ممارسة أو سلوك يحصل في المدرسة قد يكون له تأثيره المباشر او غير المباشر على الأنموذج الوطني المضيئ في عطائه وتميزه وتفوقه وانجازه وتقدمه،  فهل ندرك حقيقة المدرسة ودورها في تحقيق ما نسعى إليه من أمن وأمن وسكينه واستقرار ، وهل ندرك أن تحقيق ذلك أيضا قد يكون بلا شك مرهون بما تقوم به المدرسة وما يتم بداخلها؟ وهل ندرك أيضا أن أي جهد لتحقيق الإنجاز وبلوغ الهدف والوصول إلى الحالة الوطنية النوعية يجب أن يبدأ من المدرسة،  كونها قلب الوطن النابض وطموحه  الشامخ،

وإلى لقاء آخر

تعليقات