كيف يمكن أن يستفيد العالم من نهج الحوار الذي اختطه جلالة السلطان المعظم في إدارة شؤونه؟ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


الحوار في الفكر السامي لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه نهج راسخة "  لعدالة الأرض وسمو الإنسان وكرامته وبناء مجد الإنسانية من أجل مستقبل مشرق وأمن إنساني متحقق"
 كيف يمكن أن يستفيد العالم من نهج الحوار الذي اختطه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم أعزه الله في إدارة شؤونه ومواجهة تحدياته؟ 
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏27‏/08‏/2013‏ 12:08:41 ص
يشكل الاهتمام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه بالحوار ودعوته المستمرة إلى التواصل الحضاري بين الشعوب وبناء أطر عمل مشتركة تحقق للإنسانية الخير والاستقرار والأمن والسلام منطلقا رئيسيا لبناء ثقافة الحوار في السلطنة، فمنذ بداية عصر النهضة المباركة يشير جلالته - حفظه الله ورعاه - إلى الحوار في خطبه وكلماته السامية والذي يظهر في مجموعة الإجراءات والممارسات التي اتخذتها الدولة في سبيل تعزيز ثقافة الحوار والتواصل وتعزيز التكامل بين الحكومة والمواطنين والشعب والقيادة من خلال نهج الحوار والانفتاح والاستماع والتواصل المستمر وتأكيده على ضرورة أن تقوم مؤسسات التعليم بمسؤولياتها في تأصيل هذه الثقافة بما يؤكد عمق التواصل بين أطياف المجتمع العماني.
 ويتعدى هذا التواصل إلى البيئة المحيطة بالإنسان العماني سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي بما يسهم في تحقيق الخير والسلام والأمن والأمان للإنسان في ربوع عمان.  أو كان من خلال السياسة الخارجية للسلطنة التي عرفت بتوازنها وواقعيتها وتأكيدها على السلام والتواصل وحسن الجوار والإخاء بين الدول والشعوب من خلال منطق الحوار واحترام الآخر والاعتراف به والاستفادة مما لديه وتأكيد التواصل العماني مع العالم الخارجي، وهو ما يؤكد على الفكر الثاقب والرؤية الحكيمة والنهج القويم والنظرة الايجابية التي يمتلكها جلالته -حفظه الله ورعاه-  لإيمانه العميق بأهمية تعزيز ثقافة الحوار مع الذات والآخر وتأكيد تفاعل الحضارات وتكامل الثقافات وتواصلها بما يعزز من قيم الانجاز والعمل ويوفر بنية تنظيمية لشراكة دولية  تعمل على الاستفادة من الانجاز البشري لبناء الإنسان العماني  والسير به نحو مراحل التقدم والتطور والعالمية والتنافسية.
ويشكل النطق السامي المتمثل في كلمات وخطب جلالته حفظه الله ورعاه خير ما يمكن أن نشير من خلاله إلى كيفية ترجمة الحوار كمبدأ وسلوك ومنهج عمل في بناء الإنسان والدولة العمانية المعاصرة وفي التواصل الخارجي والمساهمة في تعزيز  الجهود الدولية في نشر اتلأمن والسلام لشعوب الأرض قاطبة ، فإن الحوار الذي ينشده النطق السامي هو ذلك الحوار الذي ينطلق  من أرضية مشتركة ، أرضية القيم والمبادئ الإنسانية العليا، والاعتراف بقيمة الإنسان ومجموعة حقوقه في الحرية والحياة والعمل وغيرها، كي يتشكل جو من الفكر المشترك يتحدث بلغة إنسانية واحدة، ينهج نهجا قيميا مشتركا ويقر مبادئ لا خلاف عليها، وبالتالي فإن الحوار الذي ننشده على المستوى التربوي هو ذلك الذي يأتي فيه التأكيد على حرية الفكر وحق الاختلاف فهي التي تضمن نماء الفكر وازدهاره وحماية العقول من تغييب الوعي.
 ففي  خطاب جلالته في العيد الوطني الثالث عشر في نوفمبر 1983 وفي عام الشبيبة ومن منطلق ترحيب جلالته  بالوفود الشبابية التي جاءت لتشارك السلطنة احتفالاتها الوطنية  يقول جلالته  حفظه الله حاثا الشباب على مسك زمام المبادرة  في بناء حوار فعال وإرساء دعائم الأمن والسلام وأن يكون الشباب خير من يحمل مشعل الحوار والسلام والتفاهم في العالم أجمع وقد ورد ما نصه: "  إن شباب العالم الحر لهم دور في استرداد كرامة الإنسانية وفي تشجيع السلام وإرساء التفاهم بين الشعوب ونحن آملون أن يكون لوجودكم هذا بيننا مساهمة بناءة ومشاركة فعالة لهذا السلام والتفاهم"( وزارة الإعلام، 2005:  135 )
وفي إطار اعتزاز السلطنة  بالعلاقات التي تربطها  بالأسرة الدولية، وحرصها على زيادة التواصل والشراكة بما يحقق مصالح الإنسانية فقد وجه جلالته - حفظه الله ورعاه – في خطابه السامي في العيد الوطني الخامس عشر (1985) على ضرورة  تفعيل هذه العلاقات وأن تترجم من خلال تعاون مثمر يحفظ للجميع حقوقهم ويراعي خصوصيتهم  وفي الوقت نفسه يسهم في بناء نظام مشترك قائم على العدالة والتواصل والفهم، وقد ورد ما نصه: "  إننا إذ نعتز بالصداقات التي تربط بين عمان والأسرة الدولية فإننا نؤكد في ذات الوقت حرصنا على الاستمرار في أداء دورنا كاملا على الساحة العالمية وفقا للمبادئ التي اعتمدناها منذ البداية منطلقا لسياستنا التي تسعى بكل إخلاص إلى الصداقة والتعاون مع الجميع وتناصر القضايا العادلة لكافة بلدان وشعوب ‏العالم وتعمل من أجل السلام والاستقرار على كافة المستويات الدولية... وعلى صعيد آخر فإننا قد اتخذنا دائما موقفا موضوعيا وايجابيا تجاه كافة المبادرات والجهود العربية والدولية الهادفة إلى إيجاد حل عادل وشامل لمشكلة الشرق الأوسط انطلاقا من قناعتنا بالحوار كوسيلة لتحقيق السلام في المنطقة على أساس من الشرعية الدولية بكل ما يعنيه ذلك من التزام متبادل بقرارات الأمم المتحدة ومبادئ ميثاقها وبالقوانين والأعراف الدولية" ( وزارة الإعلام، 2005:  151 )
والحوار في ظل الرؤية السامية لجلالة السلطان المعظم يعني الشراكة الفاعلة  في خدمة القضايا الإنسانية والإقرار بممارسة دور أكبر في كافة القضايا بما يخدم الإنسانية جمعاء وهو مبدأ طالما رسمته لنفسها القيادة العمانية الحكمية مع تأكيدها على أن الانعزال والتقوقع على الذات  لا يمكن أن يحقق للبناء الإنساني والتواصل البشري أي مردود إيجابي، ففي خطاب جلالته في العيد الوطني السابع عشر (1987)  ورد ما نصه: "  إننا جزء من هذا العالم.. نتفاعل مع ما يدور حولنا من أحداث بكل الإيجابية والوضوح، ونكرس كل إمكانياتنا للشراكة الموضوعية والفعالة لخدمة قضايا السلام والتعاون على كافة المستويات الإقليمية والدولية..  إن سياستنا كانت وما زالت تعبر عن اهتمامنا الدائم بتهدئة الأوضاع في المنطقة وتعزيز فرص الحوار بين الأطراف المتنازعة لحل خلافاتها بروح الوفاق والتفاهم "( وزارة الإعلام، 2005:  173 )
 إن تأكيد سياسة السلطنة على الإيمان بمبادئ  التعايش السلمي وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ليؤكد حرص السلطنة على الالتزام بمبدأ الحوار والتواصل والتعاون  باعتبارها مرتكزات أساسية  لتحقيق السلام وبناء أطر واضحة  للحوار، فقد جاء في الخطاب  السامي لجلالته في العيد الوطني الثامن عشر ما نصه: "  إننا نحرص دائما على أداء دورنا كاملا على الساحة الدولية وفقا لسياستنا التي ننتهجها منذ البداية بكل الإيجابية والوضوح والتي تقوم على أساس من الإيمان الراسخ بمبادئ التعايش السلمي بين جميع الشعوب، وحسن الجوار بين الدول المتجاورة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والاحترام المتبادل لحقوق السيادة الوطنية.. إننا نمد يد الصداقة والتعاون إلى جميع الدول التي تلتقي معنا على هذه المبادئ، ونعمل ضمن هذا الإطار على توطيد علاقاتنا المتنامية مع كافة دول المنطقة تقديرا منا لأهمية التعاون بينها في كل ما يخدم المصالح الأساسية ‏لجميع شعوبها ، كما نعمل مع إخواننا وأصدقائنا في العالم لتطوير علاقاتنا بما يحقق أهداف التعاون المشترك لخير شعوبنا والأسرة الدولية، وفي ذات الوقت فإننا نكرس إمكانياتنا للشراكة المخلصة في تعزيز فرص السلام والأمن على كافة المستويات الإقليمية والدولية"( وزارة الإعلام، 2005:  183 )
وفي إطار التقييم المستمر لتجربة الشورى والخصوصية التي انتهجتها السلطنة في هذا المجال، فقد أكد جلالته حفظه الله ورعاه في خطابه السامي في العيد الوطني العشرون (1990) على أن هذا النهج الذي اختطته عمان في مجال الشورى يرسم رؤية واضحة وواقعا عمليا  في الحوار الوطني والتواصل بين  الحكومة والمواطنين  لبناء الوطن وتحقيق سعادة المواطنين، حيث ورد ما نصه: "  وتقديرا منا لهذا النجاح الذي أحرزته التجربة العمانية في مجال الشورى، وتحقيقا لوعدنا بالعمل على تطويرها بما يوفر مزيدا من الفرص أمام المواطنين لشراكة أوسع في تحمل المسؤولية والإسهام في بناء الوطن فإننا قد قررنا إنشاء (مجلس للشورى) تمثل فيه جميع ولايات السلطنة، دون أن يكون للحكومة أعضاء في هذا المجلس، وإنما تكون العضوية بالكامل لممثلي الولايات، وذلك في خطوة أخرى على طريق الشراكة، تخدم تطلعات المواطنين وطموحاتهم حيثما كانوا في سائر أرجاء البلاد "( وزارة الإعلام، 2005:  221 )
وأوضح جلالته حفظه الله في خطابه في العيد الوطني الحادي والعشرون على أن الحوار  يعني مزيد من التكامل في الجهود والتعاون من أجل الصالح العام وبناء أواصر ثقة واحترام وفق مبادئ الشريعة السمحة والقيم الإنسانية الرفيعة القائمة على احترام الشعوب وتقدير دورها الحضاري في التنمية الإنسانية،  يقول جلالته حفظه الله ورعاه: "  لقد انتهجنا د‏ائما سياسة موضوعية في علاقاتنا الخارجية، فنحن نمد يد الصداقة والتعاون إلى كافة الدول التي تلتقي معنا على مبادئ التعايش السلمي بين جميع الدول والشعوب، والاحترام المتبادل لحقوق السيادة الوطنية.. وهي مبادئ نؤكد عليها ونعمل وفقا لها سعيا إلى تحقيق السلم والاستقرار، وضمانا لقيام علاقات إيجابية بين مختلف د‏ول العالم "( وزارة الإعلام، 2005:  231 )
لقد اعتمدت سياسة السلطنة الخارجية على ثوابت أساسية قائمة على  حسن الجوار واحترام القوانين والأعراف الدولية والعمل على مساندة كل الجهود الإنسانية، لذا أكد جلالته  حفظه الله ورعاه  في كل خطاباته  وكلماته السامية على أن الحوار هو وسيلة حل جميع الإشكاليات القائمة بين الدول كما أنه الأسلوب الأمثل لنهج التواصل البشري والتفاهم الخلاق  لما يترتب عليه من نتائج ايجابية لصالح الإنسانية وبالتالي أن تكون لغة الحوار هي اللغة السائدة في حل جميع الإشكاليات ونبذ ما سواها وفي خطاب جلالته في العيد الوطني الثاني والعشرين ما يؤكد ذلك حيث ورد ما نصه: "  لقد اعتمدنا دائما في سياستنا الخارجية ثوابت أساسية ومبادئ رئيسية تتمثل في حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام القوانين والأعراف الدولية ودعم التعاون بين الدول وتعزيز فرص الحوار فيما بينها تعبيرا عن قناعتنا بأن حل الخلافات بروح الوفاق والتفاهم إنما هو سلوك حضاري يؤدي إلى نتائج أفضل وأدوم "( وزارة الإعلام، 2005:  245 )
إن دور التعليم  في تعزيز ثقافة الحوار يتطلب منه توفير أدوات عمل ومنهجيات واضحة في تبني منهج الحوار وثقافته في المؤسسة التعليمية وبرامجها المختلفة وتمكينها من غرس هذه الثقافة في الطالب وبيئة التعلم لينشأ أبناء المجتمع في ظل التربية الحوارية ضمن مساحات واسعة من العيش المشترك والتفاعل الحميم لبناء المجتمع، والتعليم  هو الأجدر بتحمل هذه المسؤولية وهو المعقود عليه نجاح هذا الدور ، وقد ورد في خطاب جلالته في العيد الوطني الرابع  والعشرين ما نصه: " إن تحديات المستقبل كثيرة وكبيرة. والفكر المستنير، والثقافة الواعية، والمهارات التقنية الراقية، هي الأدوات الفاعلة التي يمكن بها مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها. لهذا فانه لابد لنظام التعليم من أن يعمل جاهدا في سبيل توفير هذه الأدوات في الوقت المناسب تحقيقا للغاية التي من أجلها أنشئ وهي النهوض بالمجتمع، وتطوير قدراته وإمكاناته، ليتمكن من مواكبة مسيرة الحضارة في جميع الميادين. تلك هي مهمة نظام التعليم وواجبنا جميعا مساعدته في إنجازها على أفضل وجه ممكن"( وزارة الإعلام، 2005:    261)
والحوار هو الوسيلة المناسبة لإسكات صوت الرصاص ولا ينبغي أن يعلو صوت آخر عليه، ولا أن يستخدم وسيلة أخرى  لإنضاجه، فإن الحوار هو الذي يوجد الثقة  ويؤكد أواصر الصداقة ويفتح أبوب واسعة للتنمية والتطوير وبناء قدرات واسعة من الشباب  قادرة على التفاعل مع مقتضيات الظروف والأحوال بعقلانية ومنهجية علميه، وقد ورد في  خطاب جلالته في العيد الوطني السابع والعشرين، ما نصه: " وإذا كان العالم لا يمكن أن يخلو من النزاعات والمشاكل بحكم تضارب المصالح فإننا نعتقد جازمين أن بناء الثقة بين الشعوب، وتأكيد أواصر الصداقة مع الدول، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة، ومراعاة الشرعية الدولية، والالتزام بالمعاهدات والقوانين.. كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التفاهم الواعي، والتعاون البناء، من أجل انتصار الأمن والسلام، وشيوع الطمأنينة والرخاء.. وإذ نعبر من هذا المنبر عن تمنياتنا للعالم، بمختلف شعوبه ودوله، بالتوافق والاستقرار الاقتصادي والسياسي، فإننا ندعو قادته إلى بذل جهد أكبر من أجل تنمية التواصل، وتقوية الروابط، وتوثيق الوشائج، وصولا إلى عالم أفضل يسوده الوئام، وينعم فيه الجميع بالعدالة والسلام"( وزارة الإعلام، 2005:  306 ).
والحوار طريق البناء ورافد التنمية وسبيل السلوك القويم في الانجاز بنيت عليه نهضة عمان ورعته وعززت مكانته في الداخل والخارج، وقد ورد في الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم فــي الانعقاد السنوي لمجلس عمان 2007م ما نصه: "  إن معالم سياستنا الداخلية والخارجية واضحة فنحن مع البناء والتعمير والتنمية الشاملة المستدامة في الداخل, ومع الصداقة والسلام, والعدالة والوئام, والتعايش والتفاهم والحوار الايجابي البناء, في الخارج ,هكذا بدأنا, وهكذا نحن الآن وسوف نظل ـ بإذن الله ـ كذلك, راجين للبشرية جمعاء الخير والازدهار, والأمن والاستقرار, والتعاون على إقامة ميزان الحق والعدل".
وبالحوار تنمو الشراكات بين الشعوب وتتطور ويمكن من خلاله الوصول إلى حالة المواءمة المنشودة وبه تتحطم قيود العنف وعدم الاستقرار، وقد ورد في الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم فــي الانعقاد السنوي لمجلس عمان 2005م ما نصه: "  إننا نؤمن بأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومراعاة المواثيق والمعاهدات، والالتزام بقواعد القانون الدولي من شأنه، ولا شك، أن ينتقل بالعالم إلى حالة أكثر مواءمة بين مصالح الدول. وهو ما ندعو إليه دائما من خلال نشر ثقافة التسامح والسلام، والتعاون والتفاهم، بين جميع الأمم، كما أننا نأمل أن يؤدي ذلك إلى اقتلاع  كثير من الأسباب لظاهرتي العنف وعدم الاستقرار" ( وزارة الإعلام، 2005:  368 )
لقد أكد جلالته حفظه الله ورعاه على أن الحوار بين الحضارات هو أساس بناء الثقة بين الشعوب، وأساس بناء منهج مستدام لتواصل الثقافات وتقريب وجهات النظر بين الشعوب، ولقد حرصت القيادة العمانية على ذلك وما المباركة السامية التي حظي بها مشروع تواصل الثقافات  الذي تمثله وزارة التربية والتعليم ممثلة في اللجنة الوطنية العمانية إلا دليل واضح على هذا الاهتمام، كما أن التوجيهات السامية أثناء زيارة جلالته لمقر اليونسكو  بشأن طريق الحرير ترجمة فعليه لتأكيد قيم  الحوار والتسامح والبناء، وقد ورد في الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم فــي الانعقاد السنوي لمجلس عمان في نوفمبر 2002 ما نصه: " كما إن سياستنا الخارجية معلومة للجميع فنحن دائماً إلى جانب الحق والعدالة والصداقة والسلام وندعو إلى التعايش السلمي بين الأمم والى التفاهم بين الحضارات وإلى استئصال أسباب الكراهية والضغينة التي تتولد في نفوس من يعانون من الظلم وعدم المساواة. ففي ذلك الخير كل الخير للبشرية جمعاء" "( وزارة الإعلام، 2005:  357 )
وفي خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم إلى المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيس المنظمة وفي الدورة الثالثة والثلاثين للمؤتمر العام في 4 أكتوبر 2005 والتي ألقاها نيابة عن جلالته معالي وزير التربية والتعليم ، أكد على العلاقة المتناهية بين التراث والإنتاج الفكري للعمانيين وإسهامهم في الحضارة الإنسانية بتعزيز أواصر الحوار والتواصل بين الشعوب، باعتبار أن الأخذ بالحوار هو الطريق السليم للدخول إلى المعاصرة والعيش في مجتمع المعرفة حيث ورد ما نصه: كما نولي تراثنا الثقافي بمختلف أشكاله ومضامينه المادية وغير المادية أهمية خاصة ونعني به عناية متميزة لماله من أهمية ودور ملموس في النهوض بالحياة الفكرية والفنية والإبداع والابتكار، ونبدي اعتزازنا بوجود مجموعة من المواقع الثقافية والطبيعية العمانية على لائحة التراث العالمي والتي تمثل دليلاً واضحاً على مساهمة العمانيين عبر العصور المختلفة في بناء الحضارات وتواصلها وتفاعلها مع الثقافات الأخرى""( وزارة الإعلام، 2005:  370 )

إن الحوار يولد الالتقاء والتواصل الفكري وهذا بدوره يعزز من مستوى الثقة فلا صراع ولا نزاع ولا تدّخل بل تفاعل وتكامل وتعاون من أجل تحقيق الصالح العام المشترك، وقد ورد في نص لقاء جلالته  الخاص مع رئيس تحرير مجلة "المجلة" سنة 1982م في عددها السادس عشر بعد المائة ما نصه: " .. أنا ناديت مرارا بحسن الجوار ومد اليد لمن يريد أن يصادق شرط وجود الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين. وعند توافر هذين العنصرين تأتي الثقة، ووقتها لا تكون هناك مشكلة ""( جريدة عمان، عدد 116).
إن الفهم والوعي والاستعداد لتقبل الآخر تعتبر مبادئ ومرتكزات أساسية للحوار الايجابي البناء، وقد أظهر النطق السامي لجلالته -حفظه الله ورعاه- التأكيد عليها في كل عملية حوارية يراد منها فتح صفحات جديدة لمزيد من التكاتف والترابط الإنساني،  وفي حوار جلالته حفظه الله ورعاه مع رئيس تحرير مجلة "ميدل إيست اللندنية" 3/ نوفمبر/ 1995- قال جلالته حفظه الله ورعاه: "  إن عالم اليوم آخذ في الصغر، وأنا مؤمن بقوة بأن كل دول العالم ينبغي أن تتبع هذه المبادئ في سلوكها وأن تسعى إلى فهم بعضها البعض وتتعاون فيما بينها وتعمل مع بعضها البعض  من أجل صالح وفائدة البشرية كلها"( جريدة عمان، عدد 5271).
لقد آمنت السلطنة بالحوار على أنه الحل الأنسب والأفضل لحل كل القضايا والإشكاليات بين الشعوب، وأنه في الوقت نفسه السبيل إلى بناء شراكة فعالة وتكامل يحقق الصالح العام للبشرية بل واتخذت بشأن تحقيقه العديد من المبادرات وأطر العمل التي عكست حرصها واهتمامها بالحوار منهج عمل وإستراتيجية مؤسسات وبرنامج حكومة وتوجه قيادة، وشجعت على أن يسهم التعليم بدور فاعل في الحوار وتعزيز مستوى ثقافة الحوار الاجتماعي، وفي خطاب جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه أمام المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم " اليونسكو" بمناسبة اجتماع الدورة الخامسة والثلاثين عام 2010م× ورد ما نصه: " إن رسالتنا في سلطنة عمان هي الحوار باعتباره انه أفضل وسيلة للتعايش بين الأمم، وإدراكا بأهمية غرس قيم الحوار في نفوس الشباب فقد قامت اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم بعدة مبادرات في هذا الشأن وذلك لزيادة وعيهم بأهمية التفاعل بين الثقافات وزيادة إدراكهم لما في التنوع الثقافي وتعدد الخبرات البشرية من فوائد جمة للإنسانية جمعاء وإعدادهم لمواجهة التحديات المشتركة بين البشر متطلعين إلى مساندة اليونسكو لهذه المبادرات التي نضعها في تناول جميع الدول الأعضاء وخصوصاً في السنة الدولية لتقارب الثقافات التي تتبناها منظمتنا العام القادم 2010".
وعبر الحوار أيضا تتحقق حرية التعبير وحرية الفكر، لذا يوجه جلالته - حفظه الله ورعاه-إلى أن مصادرة الفكر محرمة وغير مقبولة في دعوة صريحة لتقبل الرأي والرأي الآخر والنقد الموضوعي البناء، حيث قال جلالته حفظه الله ورعاه في زيارته التاريخية الأولى ولقائه بطلبة جامعة السلطان قابوس عام 2000م:"  مصادرة الفكر والتدبر والاجتهاد هذه من أكبر الكبائر، ونحن لن نسمح لأحد أن يصادر الفكر أبدا من أي  فئة كانت "( وزارة الإعلام، 2005:  332 )
وعلى هذا فإن دعوة جلالته للحوار وإيمانه بمبادئه وتطبيقه لمنهجه في قيادة الأمة ، وفي ظل ما أشرنا إلى بعضه سابقا يتأكد من خلال مجموعة المبادئ السامية الآتية:
§        عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
§        الدعوة للتقارب بين الحضارات وحوار الثقافات.
§        البناء على نقاط مشتركة بين الشعوب كسبيل للتواصل وبناء الذات والتقارب الإنساني.
§        الاستفادة من الانتاج الإنساني والفكر البشري لكل الشعوب والحضارات.
§        التأكيد على الخصوصيات الثقافية والهويات الحضارية للشعوب والأمم.
§        التأكيد على حقوق جميع الفئات ايا كانت وأين وجدت في تقرير المصير.
§        تأكيد مبدأ الوحدة والتآلف والتعاون بين جميع افراد الأمة في إطار أخوة المؤمنين.
§        حرية ممارسة الشعائر التعبدية في ظل مراعاة الخصوصية .
§        تعزيز مبدأ الحوار باعتباره الحل المثل والمناسب لكل النزاعات والإشكاليات العالقة بين الدول.
§        بناء نماذج ايجابية للتواصل الانساني.
§        تأكيد أهمية تفعيل دور المنظمات الدولية والإنسانية في نشر حصون التفاهم والحوار بين الأمم .
§        الاستفادة من التطورات الحاصلة في مجالات الحياة المختلفة في تعزيز جوانب التواصل بين الأمم والاستفادة مما انتجته البشرية.
§        حرية التعبير عن الرأي في إطار القانون والصالح العام.
               إن هذه المعاني السامية والمبادئ الخلاقة كانت ولا تزال حاضرة في فكر جلالة السلطان المعظم يترجمها على ارض الواقع ذلكم التواصل الذي حققته زيارات ولقاءات مولانا المعظم مع قادة دول العالم أجمعها ، وتلكم الزيارات التي يقوم بها جلالته اعزه الله في سبيل بناء أمجاد الإنسانية والنهوض بغايات الأمة وأهداف العالم والرقي بها من أجل تحقيق الخير والنفع لبني البشر جميعهم. وبالتالي ينبغي أن يكون نهج جلالته حفظه الله ورعاه نبراسا  يضيء الطريق للسالكين ومنهجا للعارفين بغيه تحقيق ما تصبوا إليه الإنسانية من عزة وتقدم وأمن وأمان  في ظل مرحلة تعصف بأمة العرب والتي تحتاج بلا شك الى تغليب لغة الحوار والتواصل والفهم واستيعاب ما لدى الآخر والاعتراف به حقنا للدماء واستمرا للبناء والتطور والتنمية التي تخدم الإنسانية وتحقق لها وجودها،
       إن العالم اليوم مطالب بأن يضع هذا النهج الذي انتهجه جلالة السلطان المعظم محل اهتمام وتقدير وترجمة له في واقع العمل وأن تستفيد الأمة العمانية ونشئها من النهج الميمون الذي اختطه جلالته في أن يكون كل عماني رسول سلام ووئام وحوار وتواصل مع جميع شعوب الأرض  وفيما بينهم على اختلاف مذاهبهم وفئاتهم وهو ما أثبته الإنسان العماني في كل فترات التاريخ، واليوم يضرب العمانيون أكبر مثلا في تحقيق مفهوم الحوار وأخلاقياته في حياتهم وتعاملهم مع كل المتغيرات الحاصلة في الداخل والخارج
حفظ الله مولانا جلالة السلطان المعظم .... وإلى لقاء آخر
( إدارة الحوار في التعليم النظرية والتطبيق ، د. رجب بن علي العويسيي، دار الفلاح، 2012م)



× - ألقى كلمة السلطنة في المؤتمر معالي يحيى بن سعود السليمي وزير التربية والتعليم السابق .

تعليقات