عندما يصحو الضمير ويقوى الحس المسؤول ، هل نحتاج لرقابة حماية المستهلك؟ الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

عندما يصحو الضمير ويقوى الحس المسؤول ، هل نحتاج لرقابة حماية المستهلك؟
الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏29‏/07‏/2013‏ 12:08:45 ص
         ونحن مقبلون على الثلث الأخير من شهر رمضان المبارك  وأيام العشر الأواخر منه، كما يزداد عدد المعتكفين في المساجد، والمكثرين من الصلاة والدعاء والقيام، يزداد في المقابل خروج الناس للتبضع والتسوق باستقبال ضيف كريم وعيد سعيد وفرحة غامرة على قلب كل إنسان مؤمن ، إنه عيد الفطر السعيد، وهكذا تبدأ الأيام الأخيرة من رمضان، بزيادة أعداد من يرتادون ويترددون على الأسواق للتبضع، والتسوق ، وشراء الملبس والمأكل، وشراء الجديد، وتلمس المستجد من البضاعه ، فبين زحمة الطرقات المؤدية إلى الأسواق، وبين زحمة المحلات والمراكز التجارية، وكل الناس تهفو لشراء الجديد ، وهنا نبدأ سرد قصتنا، مع التسوق، مع التجار، ومع الباعة، ومع أصحاب المحلات التجارية، قصتنا مع من أئتمنهم الناس على عيشهم بتكفل إيصال المؤونة والملبوس الجديد ذي الجودة لهم، والذين يثقون في أن ما يقدمونه لهم هو الأفضل والأجود والأحسن والأطيب، وهنا يمكن أن تثار التساؤلات التي تحكي قصة الواقع، إلى أي  مدى يشعر هذا التاجر أو صاحب المحل أو من يملكون تقديم خدمة التسوق للناس هذه المسألة وأثرها وتأثيرها على الواقع الاجتماعي؟ إلى أي مدى يراعون فيها حق الله وحدود شرعه؟، إلى أي مدى تسموقيم الإنسانية والتكافل والتعاون وتتفوق على موازين الربح والخسارة ؟، إلى أي مدى هم صادقين فيما يقدمونه بأنه الأفضل والأجود؟، إلى أي مدى يراعون عناصر الجودة في تقديم الخدمة بأكثر كفاءة وبسعر مناسب لا ضرر فيه ولا ضرار ؟
       إن الاجابة عن هذه التساؤلات تسرد لنا واقعا متناقضا، وسلوكا غير مقبول تعتريه أساليب الاحتيال والجشع والركض وراء المادة على حساب موازين الأخلاق لتجد من البعض أساليب غير مقنعة وطرق غير مبررة، وأنماط في العمل لا يمكن أن يعول عليه بناء مجتمع ، وتتعدد الممارسات وتتنوع في اشكالها ومسمياتها وطرقها ويتفنن البعض في إطلاق مسميات عدة عليها  جريا وراء الربح فمثلا نجد أن  بعض الأسعار خاصة الملابس والكماليات، يزداد سعرها، ويستغل البعض وللأسف الشديد جشعه في زيادة أسعاد بعض الكماليات والمستلزمات من ملابس وأحذية وغيرها، ووجود البون الشاسع بين قيمتها قبل هذه الفترة وبعد هذه الفترة، فما كانت قيمته 10 ريالات يصبح 30 أو أكثر مع انه نفس المنتج الذي كان معروضا قبل هذه الفترة ، وما كان سعره ريالا واحد يصبح ثلاثة ريالات، مع أن جميع هذه المنتجات موجودة ومتوفرة قبل هذه الفترة، ويستغل البعض وللأسف الشديد هذه الفترة لتكون فرصته لزيادة السعر ، وتعويض ما لم يتحقق له في فترة سابقة، وهكذا يستمر جشع البعض، وبروز سلوك الطمع على قيم السماحة والألفة وحسن التعامل والتيسير والتكافل والأخذ بيد الآخر، أين عن هؤلاء حديث سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم: " رحم الله امرءا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى..... الحديث" ، هذه السماحة واليسر والتخفيف عن الناس هي قيم يغرسها رمضان في نفس الفرد، فلماذا  تتغير قلوب البعض ويسيطر على هؤلاء ميزان الربح، وينظر هؤلاء إلى الأمر على أنه فرصة لكسب المزيد، عندها يصبح المستهلك ضحية جشع واستغلال وتضليل في السعر، وعدم فهم لتلكم اللعبة التي تجري على خفاء وتساس في غفلة،  وإذا كان رمضان شهر التغيير والمراجعة وإعادة النظر فلماذا لا يراجع هؤلاء سلوكهم وتصرفهم واسلوب عملهم، إن المراجعة وإعادة النظر وتقييم الممارسة إنما هو سلوك يومي يظهر على شكل التخفيف على الناس في البيع والشراء، وعدم الزيادة في الأسعار، والتسهيل على الناس في تحقيق فرحتهم وإضفاء جو البهجة والبشر والسرور على حياتهم، فالله الله في بني وطنكم وأهيلكم، كونوا لهم العون والسند، ولا تستغلوا فرص حاجتهم لتضييق الخناق عليهم، أو زيادة العسر والتكلفة عليهم، وما أجمل أن يختم الإنسان رمضان بقلب سمح وسلوك متزن، وخلق اصيل، ليكون الرقيب والحسيب على نفسه، وأن يكون نظام المراقبة والمتابعة نابع من إرادة ذات وصحوة ضمير، وحس مسؤول، متى يكون كل تاجر أو بائع على وعي وحس بمسؤوليته الوطنية والانسانية والاخلاقية، مسؤوليته في التيسير على الناس ، ومساعدتهم في قضاء حوائجهم، والتخفيف عليهم في الاسعار ، وعدم استغلال فترة حاجتهم إليهم في الإساءة إلى انفسهم وإليكم، وتضيع ثقتهم فيكم، وتقليل الدعاء لكم، ليتحول إلى الدعاء عليكم، كم في المجتمع من اسر تحتاج إلى الوقوف معها ومساندتها وتطييب خاطرها، وما أجمل أن يكون هذا التطييب نابع من إرادة من يقومون على هذا الشأن أو من يتولون أمور التجارة والبيع والشراء وتوريد البضائع إلى أبناء هذا الوطن،  عندما يصحو الضمير وتقوى المسؤولية ، ويصبحان هما الأساس في تسيير عمل التجارة وهما الطريق إلى بلوغ الهدف وتحقيق الربح ، فنحن لا حاجة لنا بالاتصال بهيئة حماية المستهلك، وليس لها أن تجند جنودها في هذه الأيام لمزيد من المتابعة لما يتم في الأسواق من عمليات البيع والشراء، ولسنا في حاجة إلى تصريحات المسؤولين في الهيئة وتحذيراتهم وتوجيهاتهم  بشأن محاسبة كل من يقدم على زيادة الأسعار على الناس في أمور الكماليات التي اعتادوا على شرائها، بيد أنها في هذه الأيام، لها رونق آخر ، لها ميزة جميله، لها عبق جميل، لها وقعها ولذتها على النفس، فالناس مقبلة على العيد ، وتريد أن تخرج من رمضان بثوب جديدة وحياة جديدة وفكر جديد وملبس جديدة يستمر معا في حياتها اليومية، فدعوة لكم ايها التجار أن تكون عند حسن الظن والمسؤولية، وأن يكون وطنكم هو همكم ، وأن يكون من على هذه الأرض المباركة هم سبيلكم لتحقيق تجارة رابحة، وطريقكم لبناء مستقبل مزدهر لكم، وهم من يكون سندكم وعونكم على نجاح ما اردتم الوصول إليه، غير أن عليكم أن تتنازلوا ولو بسيطا عن كل ما تتعلق به ذواتكم من جشع وطمع ورغبة في تحقيق المزيد من الربح بدون جهد وفي اقرب وقت واقصر فترة، وهو طريق على غير منهج الفطرة السوية والمنهج الحسن واالسلوك الصائب الذي يؤكد على أن تحقيق الجودة والاتقان والوصول إلى الأفضل لا يكون إلا بالعمل الجاد المخلص وأن يكون الفرد على مستوى من الوعي والمسؤولية بدوره نحو الآخرين وأن يسعى لتحقيق رضا العملاء والمستهدفين، وأن يقدموا لهم الخدمات بأسرع وقت وبأكثر جودة وبسعر مناسب، وبأسلوب تعلوه السماحة والتيسير وتطييب الخاطر،
        وهنا يأتي دور المراقبة والمتابعة الشخصية من قبل أصحاب المحلات التجارية لمن أوكلوا لهم عمليات البيع والشراء في متاجرهم أو محلاتهم من العمالة الوافدة أو غيرها أن يقدموا لهم النصح والتوجيه ، بشأن الرفق بالناس، والتخفيف عليهم، إذ الحاصل كما يلاحظ أن فترة المواسم تزيد فيها النسبة المطلوبة من العامل للكفيل أو صاحب المحل على غيرها من الأوقات، فإذا كان قد أجر هذا المحل ب 100 ريال ، ففي رمضان يكون بثلاثمائة ريال، أو إذا كان هذا العامل الموكل له البيع في هذا المحل، يدفع لموكله 40 ريالا شهريا فإن عليه أن يدفع في هذه المواسم 80 أو مائة ريال، وهكذا تتعدد الممارسات والمراوغات ويتفنن هؤلاء التجار في أساليبهم من أجل الحصول على ما يريدون من مال، إنها دعوة لكل من كان له قلب أن يدرك  مسؤوليته ويعي دوره نحو أبناء وطنه، وأن يقف عند حدود هذه المسؤولية، عسى أن يعي هؤلاء هذه المعاني النبيلة والقيم الرفيعه وعندها لا نحتاج لوجود الخط الساخن لهيئة حماية المستهلك الذي ازداد سخونه في هذه الأيام بكثرة المتصلين والمبلغين والمخبرين عن التجاوزات الحاصلة في الأسواق، فالمسألة هي مسالة ضمير شخصي وحس بالمسؤولية، وشعور فردي وجماعي بالاخرين، وقناعة بأن خدمة العملاء أو الزبون لا تعني الاستغلال بقدر ما تعني المساعدة والتسهيل على الناس، هذه المبادئ التي ينبغي أن يفقهها ويعيها من يقومون على هذا الجانب في المجتمع ،  ولا شك بأن مرودها جد إيجابي وفائدتها جد عظيمه على التاجر والقائم على البيع والشراء أو الزبون أو المستهلكين، وكل الحالات التي يشار إليها من قبل الناس في الإذاعة والتلفزيون والصحافة حول ممارسات التجار وسلوكياتهم وجشعهم، ما كان لها أن تظهر وتنتشر وتبرز على السطح، وتصبح أمام أعين عامة الناس معروفة واضحة لا تحتاج إلى تعمق في معرفة تفاصيلها، لو جعل كل فرد من هذه المبادئ منهاج حياة له وطريق بلوغه لتحقيق أهدافه التجارية او الاستثمارية.

وإلى لقاء آخر

تعليقات