عندما تسود ثقافة الاحترام، ما الذي يمكن أن يتحقق؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com



في تربية الذات (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندما تسود ثقافة الاحترام، ما الذي يمكن أن يتحقق؟

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11/8/ 2012م
5/11/2013 10:07:55 PM
حياة الناس تتخللها لقاءات وتواصل مع بعضهم البعض، وإزاء هذا التواصل تظهر تفاعلات واحتكاكات ايجابية أو سلبية في مجالات الحياة المتعددة، إن الجانب الفطري في هذه المسالة أنه يفترض ان يصاحب هذا التفاعل والتواصل نتائج ايجابية تتعزز في صورة احترام الفرد لاخية، احترامه لفكره وقناعاته وخصوصياته، هذا الاحترام إن تحقق بين الناس لاغناهم وزان حياتهم ، ودفعهم إلى العمل سويا لتحقيق مقصد واحد، الاحترام صفة عظيمة ، وخصلة كريمة ، لم تتحقق في الآمة إلا زادتها جمالا وهيبة وسموا ورفعه، وفي حياة الناس اليومية نحتاج لثقافة الاحترام ، هذا لاحترام الذي يعكس شعورا ايجابيا، ومشاعر جياشه، تعكس صفاء الذهن واخلاص النية وصدق المشاعر، والشعور بالمسؤولية، في حياتنا اليومية تتعدد صور الاحترام التي نحتاجها، بل تتعدد المواقف التي تتطلب احتراما متبادلا بين الجميع ، هذا الاحترام الذي ينطلق في الأساس بين الزوجين الرجل والمرأة في احترامهما لبعضهما، في تقدير احدهما لفكر الاخر واحترامه لمشاعره، في الارتباط النفسي والروحي الذي يجمعهما ويعزز في ذواتهما جانب الود والرحمة ، في كل شيء في الكلمة والضحكة والبسمه ، في الجد والهزل، والخطأ والعمد، فبوجود هذا الاحترام يأتي الثمر متسما به، محملا بايجابياته، إذ باحترام  الابوين لبعضهما يسود الاحترام الاسرة والاطفال، فالكبير منهم يوقر ويقدر ويعطف على الصغير، والصغير منهم يحترم الكبير ، وهكذا يستمر الاحترام بين الجنسين من الذكور والاناث، فليست القوامة الممنوحة للذكور تعني تضييعا لحقوق الجنس الآخر، وليس القوامه منعا للاخر في الحصول على حقه او الوصول اليه، أو محاولة إقصاء فكره وشخصيته واسلوبة ووجوده في الاسرة، بحجة أن الكلمة هي كلمة الرجل، وأن الآمر والناهي هو الرجل، وأن من يقرر هو الرجل فحسب، الاحترام هنا هو الذي يوجد توازنا في الحصول على الحق، تفاعلا في تحمل المسؤولية، شراكة في بناء الحياة، هو رباط يقوى بقوة الاحترام ويزداد أثره بزيادة مستوى الاحترام بين الجنسين، كم نحن بحاجة لأن نؤصل هذه القيمة في افكار أبنائنا ليحترموا أخواتهم، فليست المحافظة على البنت أو الشهامة من الرجل بمنعها من الحياة، أو بالتقليل من شأنها عند الوالدين أو احتقار رأيها عند الآخر،  فما أجمل أن يتحقق هذا الاحترام في بيئة المنزل أو في الأسرة باعتبارها النواة الاساسية لبناء مجتمع العمل والصلاح والحياة، كما ان دور المؤسسة الأخرى وهي المدرسة في هذا الجانب جد مهم، وقدرتها على خلق البيئة المناسبة والفكر المواتي للاحترام هو دليل وصولها إلى مرحلة من النضج وتحقيق الأهداف، إن عمليات التفاعل الحاصلة في بيئة المدرسة إن قامت على أساس الاحترام بين الجميع احترام الطالب للمعلم والمدير والموظف والعامل، وفي المقابل احترام هؤلاء للطالب في فكره ، وفي منطقه، وفي صغر سنه، واحساسهم بوجوده، والشعور بدوره، والقناعة بمسؤولياته، ومنحه الفرصة في أن يتعلم، بل ويختار ما يتعلمه، وتوفير طرائق التدريس المناسبة التي يتأقلم من خلالها مع بيئة التعلم، عندها يمكن القول بأن المدرسة استطاعت ان تصل إلى تحقيق الغاية من التعلم، فإن الاحساس بالفرد المتعلم والشعور بوجوده والحاجة الى تعلمه وعدم استغفال فكره وتعويده الصراحة والوضوح ومشاركته بل وإشراكه في صنع القرار هو في حد ذاته احترام للطالب وتعزيز لثقافة الاحترام في المجتمع، وهكذا تستمر المسألة وتتوسع في المجتمع لتصبح ثقافة سائدة وفكر مستساغ، هذا الاحترام إن وجد بين الناس سينعكس ايجابا على حياتهم في مجتمعهم، يظهر على شكل ممارسات أفضل وتعاملات أدق في كل شي، فالالتزام بقواعد السير ، والالتزام بالقوانين والأنظمة واللوائح التي تنظم حياة الانسان وتفاعلاته اليوميه مع البيئة والنظام الحياتي والتقنية وغيرها ويتعدى ذلك الى احترامه للدولة والنظام والحكومه والمؤسسة وغيرها انما هو جزء من هذه القضية ، فبالاحترام يسود الوفاق، وبالاحترام تتاصل ثقافة التعاون والتكافل والعمل معا من أجل تحقيق الغايات والوصول إلى الأهداف، كما ان احترام الفرد لكل التشريعات التي تنظم حياته اليومية الدينية والدنيوية والفكرية والسلوكيه والمظهرية والباطنة ، إنما سيكون له أثره الايجابي في حياته وشخصيته التي تظهر بمستوى من القوة والتقدير والاحترام والثناء عليها من قبل الآخرين، وإذا كان هذا الاحترام جزء من حياة الناس ويفترض أن تربى الناشئة عليه، وأن تغرس في سلوكيات الابناء هذه المسألة، فإن أهم جوانب الاحترام هي احترام فكر الانسان الآخر وخصوصياته في الحياة، ذلك أن محاولة فرض بعض الأفكار أو تنميق بعض المصطلحات من اجل جعلها في قالب واحد امام الناس هو من الامور التي لا تقبل باي حال من الاحوال،  وهو دليل المصادرة الفكرية الغير مرغوبه، هذا الجانب ينبغي أن يكون واضحا وماثلا أمام أعين الجميع، فلا الزوج أن يكره زوجته على تبني فكر معين دون غيره، وليس على الزوجه أن تقنع زوجها بأفكار قد تتفق مع ارادتها، وهكذا أيضا ينطبق الأمر في تعامل الزوجين مع الأبناء، أو المعلم مع الطالب أو المدير مع ولي الأمر ، وينتقل الأمر إلى مستويات الحياة الأخرى، ولذلك فإن فرض راي معين أو فكر محدد على فئة دون أخرى أو على الشباب والأطفال إنما هو دليل عدم احترام، إن المطلوب في هذا الجانب هو جعل باب الخيارات في الحياة أمامهم مفتوحة، وأن يكون تقديم البدائل في كل عمل واضحا وظاهرا وملموسا، وليس الزاميا ببديل دون غيره أو تحديد بدبل واحد في هذا الموضوع دون غيره، هذه الأمور مما يلاحظ في حياة الناس اليومية وهي تؤكد ضعف ثقافة الاحترام للرأي والفكر ، إن الاحترام المقصود هو احترام شامل واسع في إطار  رحب ونطاق خصب تكثر في الخيارات وتتعدد فيه بدائل الحل ، وتتواجد فيه العديد من السيناريوهات الحياتية، ففرض الرأي أمرا مشاعا في بعض الأسر وتقييد حرية الرأي والتعبير والاختيار حتى في ابسط الأشياء اليومية أمر مستساغا ومعمول به لدى بعض الناس، كما أن غلبه فكر الرجل على كل شي وتقييد الحريات الفكرية للمرأة والبنت أمر قد يحظى باهتمام من قبل البعض ، ولا يدري هؤلاء كم من الأخطاء يرتكبونها ، وكم من السلوكيات والممارسات السلبية يؤصلونها بين الأبناء ، والأخوة ، وكم من الكراهية المترتبة على هذه الممارسات التي نلمسها في حياة الناس اليومية والتي تظهر في قادم الايام وتنتشر بين الاخوة والعياذ به في الاسرة الواحدة انتشار النار في الهشيم قبل وفاة احد والديهم أو كلاهما، أو في تقسيم الميراث أو غيرها من الأمور، إن موضوع الاحترام ليس موضوعا وقتيا ينتهي بانتهاء فترة معينة، بل هو سلوك تقوم عليه نجاح الاسرة والمجتمع وبلوغها مكانتها التي ترغب، وبالتالي يأتي دور الجميع في الوقوف يدا واحدة نحو بناء ثقافة الاحترام وتأصيل منهجياتها في حياتنا اليومية مع ابنائنا وبناتنا واخواننا وجيراننا وأسرنا، علينا أن نرسخ في الشباب هذه القيمة، لنجعل من الاحترام عنوان الشخصية المتزنة وسلوك الانسان السوي، وكم نحن بحاجة لان نجعل من الاحترام شعار لنا في حياتنا ، في قيادتنا لمركبتنا، في تعاملنا مع البيئة، في محافظتنا عليها، في تعاملنا مع القوانين، في تفاعلنا مع مؤسسات الدولة، في احترامنا وتعاملنا مع المسؤولين والقيادات بالدولة، وفي ارتباطنا بكل منجزات هذا الوطن، في تقديرنا للعلماء، وفي احترامنا للصانع والعامل والحرفي ، وبعدها لننظر ما الذي سيتحقق لنا من قنعاتنا وتأصيلنا لثقافة الاحترام مع ذواتنا ومجتمعنا، وليكون الحكم بيدكم أنتم أيها الأحبة، فلننظر ماذا أنتم فاعلون ......؟؟؟ 
وإلى لقاء آخر

تعليقات