نحو تأصيل ثقافة إصلاح الذات والنقد البناء من أجل الإنسان والتنمية؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما قرأ
" بين تأخرنا في القراءة الواعية وتقدمنا في قراءة الشائعات ، دلالات ومؤشرات  ترصد حقيقة البناء الذاتي  للإنسان وقدرته على تحديد اولوياته "  ما المطلوب فعله؟
·        نحو تأصيل ثقافة إصلاح الذات والنقد البناء من أجل الإنسان والتنمية؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
22/12/ 2012م
‏01‏/05‏/2013‏ 10:46:58 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   منذ أن كنا صغارا كنا نسمع من آبائنا دعوتهم الصريحة لنا بأن نحدثهم عما نقرأه  ، لأن ما نقرأه في يومها كان يثلج الصدر وينمي الضمير ويقوي الثقة في النفس ويوصلنا لحقيقة أن الناس بخير وأن الحياة في استمرار تقدمها للأفضل، لأنهم يثقون بأننا لا نتحدث إلا بخير ولا نقول إلا الصدق ولا نبحث عن الزلات ونتغاضى دائما عن الشائعات إلا بعد التأكد من صدق الاخبار،  واليوم نحن نعيش مرحلة أخرى انقلبت فيها موازين الحياة رأسا على عقب فأصبح الخير والفضيلة والبحث عن الصدق قل من يقرأه أو يبحث في محتواه أو يحاول أن يستكشف حقائقه، ولذلك قل من يستهويهم، بيد أن مكامن الشر والكراهية وقول الزور والباطل والافتراء والتقول بدون حق ومحاولة رمي التهم على الناس بالباطل من الأمور المحبوبة والتي يرتادها الكثير بل تجد لها الكثير من المتابعين والمعجبين،  قبل أيام سمعنا عن القيل والقال ، والهرج والمرج واللغط والتجني على أحدى مؤسسات الدولة وموظفيها ومسؤوليها، من اناس سولت لهم نفوسهم المساس بوحدة المجتمع وقوة الصف ، من أناس أرادوا الفتنة والاتهام بالباطل ، وما هي إلا دقائق حتى انتشر حديثهم انتشار النار في الهشيم، فيا عجبا للأمر كيف أصبحنا أمة لا تعي ما تقول، ولا تدرك ما تفعل، تهرف بما لا تعرف، كيف اصبحنا ننقاد لكل ناعق، ونستمع لكل من تكلم بسوء على وطننا وسلطاننا وإنساننا ، حتى يصبح ذلك حديث البيت والشارع وحديث الأسرة ، وإذا بهم يتهامسون بدون شعور ودون احترام حتى لفلذات الأكباد التي يجب ان تصحح لها السيرة ، وأن تصلح من اجلها السريرة.
ومن زمان أيضا كنا  نعتقد بأن السماع هو السبيل الوحيد للفتنه والكذب واختلاق الباطل ورمي الناس ، ولكننا وجدنا أن القراءة أصبحت هي المسبب الرئيسي في وقت جاء في مستوانا في القراءة في ذيل القائمة في نتائجنا الدولية في القراءة، وهنا نتساءل أي قراءة هذه التي لم نستطع أن ننافس فيها الآخرين، وأي قراءة هذه التي استطعنا أن ننافس فيها شعوب الأرض قاطبة،  إنها  قراءة النكت والتفاهات والضحكات فما زلنا اشد الناس حرصا عليها وأكثر الناس تلقيا لها، بل أكثرهم احترافا  لها وسرعه في اتقانها وتلقيها وقناعة بأهمية نشرها وانتشارها لتصبح مادة يومية مستساغة لذوي النفوس الضعيفة والقلوب  القاسية المنكرة للحق والحقيقة،  أي امة هذه يمكن أن تبني مستقبلها في ظل سخرية اللسان وانزلاقه إلى الهاوية والعياذ بالله، متى كانت اعراض الناس لعبة ، ومتى كان التجني والافتراء نوع من البطولة التي يعتقد البعض انها سوف تقلل من الاجرام وتكافح الفساد وتقضي على الافساد،
إن أمة بهذه السليقة في التعبير السيئ عن ذاتها وقناعتها بأن حرية التعبير تتجاوز حدود الحشمة والوقار والتقدير والاحترام لن تكون أمة قادرة على بناء مجدها والارتقاء بوعيها والاهتمام بابنائها، ولن يكون لها الهيبة والعظمة والقوة التي تسهم في تسخير قدرات ابنائها وشغل اوقات فراغهم وتوجيههم نحو العمل المنجز، تجد الفرد  يتأفف من زحمة العمل، وزيادة وقت الدوام، بيد أنه لا يتأفف من رمي الناس بالباطل واثارة الفتنة وتاجيج الفساد والافساد،  أي حقيقة يريد أن يصل اليعها أولئك الناس وأي مجد يرغب هؤلاء في الوصول إليه وأي وطن يرغب هؤلاء في رؤيته بشكل آخر، إنهم في حقيقة الأمر ليس لهم هم سوى القيل والقال ، وانكار الحقائقـ، وقول الباطل ، ونكران الجميل الذي قدمه هذا الوطن وأبنائه المخلصين من أجل هؤلاء وغيرهم حتى يعيشوا في النعمه ويتمتعوا بالأمن والأمان والسعادة والاستقرار.
إن الوصول إلى الحقيقة لا يتحقق إلا بالدليل والبرهان ، والشواهد التي تفصح عن الحق وتظهر قوته، ليس بشعارات براقة ولا بلافتات مظلله، ولا بملكيات أنعم الله على حامليها بالخير العميم والفضل الكبير في حياتهم، وقدموا لوطنهم ما يريده منهم فاستحقوا ما تحصلوا عليه ثوابا لهم، وحقا لهم،  وإذا كنا في وقت اتسعت فيه رقعة المعرفة وامتدت فيه فإنه وقت قويت فيه ايضا قوة القانون وسيادته، فالحق يؤخذ  ضمن جهات ومؤسسات وفرتها الدولة واتاحتها للجميع بدون استثناء ولها الحق في الفصل في كل القضايا، وبالتالي كان لتنوعها وتعددها فرصه لكل فرد عند احساسه بضياع حقه ان يلتجأ لتلك المؤسسات من محاكم وقضاء وادعاء عام وأجهزة الأمن الأخرى في الحصول على حقه على ملء من الجميع وبمعرفة وليس من خلال تستر بأثواب تحمل في ذاتها الخبث والكره لأمة سعت الى بناء وحدتها وتصحيح مسار عملها من خلال تكاتف ابنائها وسمو اخلاقهم وترفعهم عن التفاهات  التي لا يجني منها المجتمع الا الفساد والافساد .
ان الدعوة الى المراجعة والإصلاح الذي دعانا إليه ابن عمان البار مولانا جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه ، تستدعي منا عملا مشتركا يقوم على التعاون والتكاتف والحوار والموضوعية في الطرح والمواجهة بالدليل والبرهان والشواهد ،    وتبني منهجية واضحة في الاصلاح تقوم على النقد البناء المتسم بالموضوعية والعدالة والمحاسبية والشعور بالمسؤولية وهي في حقيقة الامور قيم تسمو بالإنسان وترقى به في العالمين وهي اساس البناء والتنمية والتطوير والتقدم ، وبمعنى آخر فإن الوصول إلى تبني هذه المنهجيات والعمل في هذه الأطر يستدعي وعيا أنقى ونفسا ارقى وفكرا اسمى وقراءة للواقع واستشراف للمستقبل يرسمها ابناء هذا الوطن لوطنهم في اطار من الاخاء والرغبة في الوصول الى الحقيقة من خلال منهجيات محددة واطر عمل قانونية مرسومة ورؤية إنسانية يشعر فيها الفرد  بقيمة الاخر ورغبته في تحقيق مصلحة الآخرين،  إن التقدم لا يصنع إلا بالوعي والإحساس بالمسؤولية وبالصدق مع النفس والإفصاح عن الحقيقة وصناعة القدوات وتبني المثل الاعلى في الحلم والاناه والحكمة، فلا مجال للتقول بالباطل، ولا مجال للسب والشتم ، ولا مجال للتنقيص من قيمة الآخر، ولا مجال في ظلم الآخر، وعليه فإن الأمر يستدعي منا معالجة للنفس حول ما نريد هل نريد الاصلاح وبناء وطننا أم نريد السخرية والاستهزاء بالمنجز والإنكار لحقيقة الفعل الذي يلمسه كل فرد على هذه الأرض المباركة،   إن المطلوب في ظل ما اتاحته الدولة من طرق متنوعة واليات متعدده في الكشف عن اي سلوك سلبي ممارس يتجاوز القانون ويضيع حق الناس ان يلجأوا للجهات المختصة في قوة دليل وحكمة رأي  وصدق في الحديث مكاشفة مجاهرة بدون التواء أو تهرب من الحق او تنازل عنه، هذا بلا شك يضع الجميع امام مسؤوليته في المحافظة على حق الوطن والمواطن، ويضع الجميع أمام مسؤوليتهم  في القيام بواجباتهم التي تتطلبها وظائفهم وأعمالهم في مواقع العمل والمسؤولية.
ولذلك يأتي النقد الموضوعي البناء الذي  يشخص الحقيقة ويحدد اطارها ويكشف ملابساتها ثم يقدم البدائل والسيناريوهات الواقعية  لمساندة مؤسسات الدولة ومسؤوليها في بلوغ الهدف والوصول إلى الممارسة الأفضل والأداء الأجود هو في حقيقة الأمر دليل وعي الأمة، ورقي أبنائها، وسمو قيمها، وقدرتها على مواجهة التحديات التي تواجهها، بل قدرتها على التعامل مع الأدب المكشوف والغث من القول في إطار من التمحيص والتشخيص والبحث عن الدليل والإتيان بالشواهد، فليس كل ما قيل هنا وهناك الحق، وليس كل ما ذكرته وسائل التواصل ا لاجتماعي والواتس آب هو الحقيقة، فقد تحمل فيها الكثير من الشائعات والأفكار التي تعمل على الهاء الناس عن اولوياتهم في الحياة وتضييع اوقاتهم في سب الناس والحديث عن إعراضهم،  ثم ما ان تطلب من احدهم ان يقدم لك البديل الذي يراه مناسبا لمعالجة المشكلة يعجز ويتردد  ويضرب اخماس واسداس كما يقال بدون أن يعرف ، بيد أن لا يعي كل ما يدور وما يطرح حول هذا الموضوع أو ذاك ، فهو قد قرأ بأن المؤسسة الفلانية بها كذا أو أن المسؤول الفلاني يمتلك كذا يردد ذلك  ويتجرأ أن ينقله لغيره ممن يشاركهم في المجموعات أو في صفحات التواصل الاجتماعي فيصبح حديث المكتب والشارع والمنزل حول هذه الموضوعات التي قد تبتعد عن الحقيقة ولا تصل الناس الى الأهداف السامية،  في  انه عندما يقرأ عن  احد الممارسات الافضل والنماذج المضيئة في الحياة والعمل والمؤسسات تجده يزهد في ابلاغه للآخرين وإرساله اليهم، إلى متى تظل امتنا بهذا المستوى في توظيف التقنية ليس من اجل الاصلاح والتطوير بل لمآرب أخرى وتوجهات تبتعد كل البعد عن سلوك نهج الاصلاح والمراجعة، الى متى سنظل بهذا المستوى من الوعي المتدني والفكر السلبي ، والسلوك الساخر ، إلى متى سنظل بهذا المستوى من حب النكت والاستهتار والتربص بالاخر والسخرية والاستهزاء والتقول بدون حق،  متى سندرك حقيقة مسؤوليتنا في الحياة نحو وطننا وسلطاننا وامتنا وبني وطننا، متى سنكون عونا لهم على تلمس الحق والوصول الى الصدق والأخذ بأيديهم نحو الأفضل، ومساندة مؤسساتنا من أجل غد مشرق ومراجعة للسياسات والخطط والبرامج بحث نكون نحن السباقين لهذه المراجعة، والتي نبدأها بإصلاح ذواتنا وتحسين احوالنا وتصحيح مسارنا وتوجيه امالنا وطموحاتنا،
في تقديري بأن المراجعة والإصلاح والتطوير الذي ننشده من مؤسسات الدولة ومسؤوليها يتطلب منا أن نكون نحن اولا اداة اصلاح ومنهج عمل مخلص نغير من قناعاتنا السلبية ونبني طموحاتنا في اطار ما نملك وما نمتلك،  نهذب من سلوكنا ونجلد ذواتنا ونقيم عملنا ونصدق مع ربنا ثم ننطلق الى عالم مؤسساتنا ننتقد بوعي ونذكر بصمت ونكتب بصدق ونقرر من خلال رؤية ونصلح من خلال الية عمل ، عندها نستطيع ان نكون يدا واحدة من اجل البنا ء ويدا واحده ضد كل من تسول له نفسه  الفساد والإفساد والظلم وتجاوز القانون ، إن المطلوب منا جميعا ان نقف يدا واحدة امام الشائعات المغرضة والأكاذيب والقصص المزيفة ويبقى دورنا في الاخذ بأيدي بعضنا البعض وسد الفجوة امام اي شوائب مغرضة من ان تطال  قناعاتنا وايماننا بوطننا وثقتنا في ابنائه ، فهل نحن على استعداد لبدء صفحة جديدة في تلمس ذلك؟ 
وإلى لقاء آخر

تعليقات