التنمية وخلق فرص للأجيال القادمة؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


التنمية وخلق فرص للأجيال القادمة؟
كيف نحقق مفهوم استدامة التنمية على المستوى الشخصي؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏17‏/04‏/2013‏ 12:38:14 ص
إن الحديث اليوم عن مصطلح التنمية ينقلنا إلى ذلك العمل الإنساني الذي يتفاعل مع متطلبات الحياة ومجريات الواقع ويستشرف المستقبل في ظل منهجية جديدة ترتبط بالمعطيات وتستجيب للتطلعات وتبرز فيها مجموعة من الأسس التي ترسخ لبناء الانسان صانع التنمية وهدفها، وتضع في حسبانها ما يمكن أن تقدمه للأجيال القادمة والمساحة التي يمكن أن تمنحها للأجيال القادمة في ظل تنمية مستدامة تضع الانسان في مقدمة أولوياتها،  بيد أن مسؤولية الانسان نفسه عن التنمية تتجاوز الجانب الشكلي إلى بناء قدراته وتعزيز مستوى وعية بمسؤوليته نحو استدامة التنمية وقدرته على توظيف البدائل المتعددة واستثمار الفرص التي اتاحتها له مؤسسات الدولة وتشريعاتها في سبيل المحافظة عليها وحسن توجيهها من أجل تحقيق تنمية متقدمة ومتطورة في المجتمع تحمل في ركائزها مستقبل الاجيال القادمة، هذا الأمر  يضع الإنسان نفسه أما أمرين يتأكد الأول في فهمه ووعيه بالتنمية ومتطلباتها واستعداده للتعامل مع احتياجاتها، ومستوى توفر المهارات المجيدة لديه، بل سعيه المستمر لتطوير نفسه وبناء ذاته وحرصه  على أن يكون له موقع ملموس وعمل مشهود في التنمية ذاتها من خلال دوره وإسهامه المباشر سواء من خلال الوظيفة العامة التي يمارسها أو في أي موقع من مواقع العمل والمسؤولية التي يكون فيها بدءا من الاسرة وتستمر معه في كل اماكن  تواجده، وأن تكون له بصمات واضحة في العمل الجاد والإخلاص والمبادرة وتقديم الأفضل وتجويد العمل ، والعمل وفق النظام والتشريع الذي يسانده لضبط ادائه وتوجيه مسار حياته وفق اسس محددة وترسيخ قيم الانتاجية لديه في العمل والحياة، وبالتالي يلقي عليه مفهوم استدامة التنمية مسؤولية شخصية قبل أن تكون مجتمعية أمام نفسه وأمام الله والمجتمع والدولة في أن يكون عامل مبادرة ومنهج عطاء  في تقديم كل ما من شأنه الارتقاء بوطنه في العالمين والسمو بقيمه بين الأمم ، أما المرتكز الآخر فيرتبط بمدى القناعة التي يحملها والشعور الذي يتولد لديه بأنه ليس له أن يستأثر بكل شيء ، بمعنى أن التنمية التي هو يشرف عليها اليوم وينعم في ظلها ليس عليه أن يضعها في إطار ضيق يقصرها على عالمه هو دون غيره، أو بمعنى آخر دون اعتبار للأجيال القادمة، ودون نظر في مفهوم الاستدامة التي لا تضع التنمية في إطار ضيق محدد بفترة معينة بل هي تتجاوز ذلك  ليكون للأجيال القادمة فيها نصيب وأن تحمل التنمية مستقبل الأجيال المتعاقبة ومصيرها، وبالتالي فإن جانب الأنانية والذاتية  التي تتولد لدى البعض وقناعته بأنه يجب أن يأخذ كل شيء وأن يعطى كل شيء وأن لا يترك  للأجيال القادمة الفرصة في الاستفادة من الفرص المتاحة ، إنما يحمل في طياته ضعف الوعي المتحقق بمفهوم استدامة التنمية التي يجب أن تتجاوز الذاتية والفردية والأنانية والاستئثار والعمل من أجل الذات فقط إلى مرحلة تتسم فيها بالتكاملية والاتساع والامتداد وتوجيه عمل الذات من اجل الاخر والإيثار الذي سيكون هو سبيل تقديم الخير وطريق النجاح للآخر، وهنا ينبغي أن يتعزز مستوى الوعي الاجتماعي لدى أبناء الوطن ، هذا الوعي الذي يفترض أن ينبع من خلال ارادة الذات وصحوة الضمير والقناعة  والرضا  والشكر على النعمه والتي تضع لمفهوم استدامة التنمية في ذات كل فرد على هذه الارض المباركة مسارا واضحا يتجاوز حدود الزمان والمكان والفئات والأشخاص لتصبح مرحلة من البناء الانساني تتجاوز حدود اليوم الى الغد لتصبح التنمية طريق عمل للجميع لا ينغلق  ومنهج حياة لا ينقطع ومسار من العمل الجاد الذي لا ينتهي بمجرد الحصول على العائد المادي او بمجرد تحقق الحصول على الرغبة الكامنة لدى الفرد  بل هو عمل  يستمد طاقته من ايمان الفرد وإخلاصه وصدق ضميره وشعوره بمسؤوليته لتصل الى الأجيال القادمة وهي في ابهى حلتها وقوة عظمتها،  وكل جيل يأخذ منها بطرف " زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون"
إن ما يدور في ذهن كثير من الناس من أن التنمية عليها أن تعطيه كل شيء وتمنحه ما يريد وأن توفر له كل ما يحتاج، وتصل به إلى مرحة من الغنى والبذخ والرفاهية أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل قصور النظرة في مفهوم استدامة التنمية وقصرها على اشباع الحاجات الذاتية والمادية فقط، أو اقتصارها على أن تكون لنا وليس لغيرنا فيها نصيب، أو أن كل تنمية هي لذاتها وفي زمنها ثم لا نسأل انفسنا كيف يمكن أن نوصلها للأجيال القادمة في قوة وصلابة وركيزة صلبه من البناء والعطاء الذي يفوق نظرتنا القاصرة ،  التي ترى بأن التنمية هي تلك التي توفر لي الغذاء المناسب والسكن الراقي والسيارة الفخمة والأموال الوفيرة التي تمنحني الفرصة في أن أسافر إلى أي مكان شئت ،  فيقصر قفي نظره لمفهوم التنمية على تلك الجوانب المادية البحته التي لا تبني للتنمية تاريخا ولا للتقدم والتطوير وجودا ولا للفكر والثقافة والفن والرياضة بل الحياة أي قائمة، فهو مجتمع قد يشبع بما لديه من رؤؤس أموال ولكنه فقير في نواحي أخرى، إن النظرة التكاملية في التنمية والتي تتسع لتشمل كل شيء له علاقة بالإنسان وبنائه وهواياته هي التي يمكن أن تستمر وتصمد في مواجهة التحديات وتتفاعل مع الإنسان بل وتتفاعل مع متطلبات  الإنسان المتجددة وحاجاته المتنوعة، إنني أعجب كثيرا من أولئكم الذين ينظرون الى جانب الاهتمام بالفكر والثقافة والعلم والمعرفة والفن والموسيقى والرياضة نظرة استخفاف، وبأنها بعيدة كل البعد عن تحقيق اولويات التنمية ويعتقدون بأن التنمية الصحيحة هي ما يوفر لي مالا في الجيب فقط أو يشبع البطن فقط، أو يبنى القصور والدور فقط،  إن التنمية المتكاملة التي يمكن أن تستمر هي التي تتجاوز في مفهومها هذا هذا الجانب وتنظر للإنسان نظرة متكاملة من كل جوانبه وحاجاته النفسية والروحية والجمالية ، وتغرس في ذاته  حقيقة مهمة تستدعي في الوقت ذاته قدرة هذا الإنسان على الحفاظ على المنجز الحضاري للوطن، وتراث الأجداد وقيم  المخلصين من ابناء هذا الوطن في إطار تمازج بين الأصالة والمعاصرة ورؤية تتفاعل بين القديم والحديث من أجل نهضة إنسان تتجاوز حدودها الضيقة التي ينظر بها البعض إلى هذا المفهوم، وعليه فإن مما ينبغي ان يعيه  الجميع أن خدمة الوطن والمواطنة والواجب  الوطني والمسؤولية لا تعني أن لي الحق في الاستحواذ على كل شيء ، فإن وعي الناس بدورهم ومسؤولياتهم وتوضيح الصورة الحقيقية لهم في ذلك ووضعهم في موقف المسؤولية الوطنية والمواطنة المسؤولية يتطلب منهم أن يستشعروا بأن كل الجهود التي يقومون بها أو يقوم بها غيرهم ليس بالضرورة ان نجد مخرجاتها اليوم ولا نلمس نواتجها الساعة، ولكنها تحتاج لفترة من الزمن أو لبعض الوقت أو بمعنى آخر أن  ما تقوم به الدولة من برامج ومشاريع وما نسمعه كل يوم من أموال تصرف على العديد من المناقصات ليس بالضرورة أن نجد نواتجها متحققة لنا نحن، فهي من المشاريع المستقبلية التي سوف تكون عونا للأجيال القادمة في  مسك زمام المسؤولية نحو هذه المشاريع، ولذلك فإن تساؤلات البعض أين تذهب هذه المشاريع ولماذا لا نلحظها بوضوح، إنما تأتي في إطار تلكم النظرة الضيقة للتنمية وكأن الهدف منها هذا الجيل فقط، دون حساب للأجيال القادمة ودون نظر في ما يمكن أن يترتب على وجود كل هذه المنجزات التي رسم الطريق لمستقبل مشرق يبنيه أبناء اليوم من أجل الغد، ويصنعه المخلصون من ابناء هذه الأمة لتقطف ثماره الأجيال القادمة في اعترف بما صنعه آباءهم وما قدموه لهم من جهد في سبيل ايصال التنمية والتطوير واستدامته ،  إن مما لا شك فيه أن رؤية التنمية في إطارها المستدام إنما هي بمثابة تحول يتفاعل مع الإنسان في مراحل متعددة وأجيال متعاقبة، وبالتالي فإن صدقنا وإخلاص نيتنا فيما نريده من التنمية اليوم وقدرتنا على بذل الغالي والنفيس من اجل استدامتها ، وقدرتنا على توظيف الفرص المتاحة لنا في  سبيل استدامتها هو الطريق السليم الذي يضعنا أمام مسؤوليتنا نحو التنمية وثقتنا بأننا ما قمنا به من دور وما قدمناه من تضحيات هو الذي سيذكر الأجيال القادمة بنا وهو المنهج الذي ستعمل الاجيال القادمة على تبنيه مع اضافة التجديد عليه كما عمل ابناء هذا الوطن الغالي فكانت جهود الآباء والأجداد منهج عمل لهم اضافوا عليها ما استجدته متطلبات الحياة في تفاعل بين الأصالة والمعاصرة ، وهي هي التنمية اليوم تتحدث عن نفسها، إننا إذا أمام مسؤولية تحتم علينا جميعا الصدق في ما نقوم به من دور، والثقة بأن ما نقدمه سوف يحظى بالقبول والرضا من الأجيال القادمة ، إن علينا أن نعمل في إطار رؤية ونخطط في ظل هدف ونستشرف من خلال واقع نلمسه في اجيالنا القادمة بعد عشرات السنين ، فهل نحن على استعداد لنكون عند حسن ظن الأجيال القادمة بنا ، هذا ما ينبغي أن يكون " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم "
وإلى لقاء آخر

تعليقات