في التعليم هل تنقصنا تجارب الآخرين؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com





في التعليم ،،،،،،، هل تنقصنا تجارب الآخرين؟
            أم مستوى الوعي المتحقق لدى المستهدفين من هذه التجارب؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
7/10/ 2012م
(      http://alhwaraleegabe.blogspot.com        )
.........................................................................................................
    طرحُنا لهذا الموضوع في هذا الوقت بالذات لا يأتي في إطار زيارات ومتابعات تقوم بها وزارتنا الموقرة ومسؤوليها وموظفيها لعدد من الدول سعيا للاستفادة من تجاربهم في جوانب مختلفة من التعليم وبشكل خاص في آلية إدارة المركز الوطني للتقويم والامتحانات، فهذا ليس بجديد وهو أمر طبيعي أصلته سياسة الوزارة منذ أكثر من عقدين في إطار الاستفادة من التجارب الدولية في تطوير التعليم ، فكان أن انتجت هذه الزيارات واللقاءات والمتابعات والتي ترسخت حتى اصبحت نهجا اساسيا في أي عمل تتبناه الوزارة ، وما التعليم الأساسي والتعليم ما بعد الأساسي والخطة الدراسية للصفين الحادي عشر والثاني عشر، ونظام تطوير الأداء المدرسي، والإدارة الذاتية المدرسية، ونظام التقويم التربوي، والتصحيح الالكتروني وغيرها كثير إلا تجارب دولية ونتاج لهذه الزيارات والمتابعات، جاءت بهوية عمانية فكان الفكر عالمي والتطبيق وطني،
  غير أن ما أردت الاشارة إليه هو هل تنقصنا تجارب الآخرين أم ماذا؟ وخاصة في هذا الوقت الذي أصبحت في العملية لا تحكمها السلطة الواحدة بقدر ما هي شراكة فعلية للميدان التعليمي نصيب وافر في إقرارها والاعتراف بها، وعلى الرغم أن كل ما انتهجته الوزارة في السابق لم يأت من السماء بل كانت تجارب مطبقة على أرض الواقع إلا أنها كانت محط نقد واستفسار واستفهام واعتراض وإقرار ورفض  ليس من قبل المستهدفين منها، أو من قبل العاملين في التعليم فحسب، بل أيضا ممن لهم سلطة القرار والإقرار والاعتراض والمتابعة  أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى، واللقاءات التي تمت بين أعضاء المجلس والمسؤولين بالوزارة في كل الفترات السابقة لمجلس الشورى تشير إلى أن هذه التجارب التي انتهجتها الوزارة ظلت محل نقد مستمر واعتراض دائم من قبل اعضاء المجلس ،  فعلى سبيل المثال نظام التقويم السابق الذي انتهجته الوزارة في الفترة الماضية  هو نتاج تجارب دولية ومتابعات مستمرة بين الوزارة والقائمين على موضوع التقويم وبين مؤسسات دولية ، ولقاءات تعكس مستوى من الشراكة والتفاعل، وبالرغم من ذلك لم يكن نظام التقويم محل رضا سواء من المستهدفين منه أو المتابعين والمشرفين عليه أو من قبل الرأي العام، وغيرها من التجارب ،
وعليه فان الأمر بحاجة إلى معالجة أخري تتعاطى مع موضوع الزيارات والاستفادة من التجارب الدولية في اي مجال من مجالات التعليم برؤية جديدة، وآلية مبتكرة، واسلوب  يأخذ في الحسبان مجموعة من المقارنات والاحصاءات ووجهات النظر وطبيعة المستهدفين ، والانجازات المتحققة في الميدان التعليمي ومدى تفاعلها مع نواتج هذه التجارب ومتطلبات تطبيقها، فإن مما لا شك فيه أن استفادة الوزارة من التجارب الدولية أمر متحقق ومرغوب ومقبول ولا يمكن لأحد إنكاره أو جحوده أو التقوقع على نفسه برفضه، ولكن الأمر يحتاج كما أشرت إلى إدارة فاعلة لهذه التجارب تأخذ في الحسبان متغيرات عدة وجوانب متعددة ، ومراحل عمل متنوعة، ومعالجات دقيقة في أدق التفاصيل والاستفادة من الملاحظات والمرئيات التي طرحت في سنوات عدة حول التجارب التي نفذت والآليات التي تم الاعتماد عليها ومستويات التطبيق التي تمت بشأنها، هذه المعالجة تأتي في إطار استراتيجية عمل واضحة تتخذ من التوعية والتثقيف والتدريب والتفسير لكل المصطلحات والمفاهيم وتشارك اكتشاف العقبات والتحديات طريقها في بناء جسور من التواصل والتفاعل والتكامل بين هذه التجارب وبين الانسان العماني قلبا وقالبا فكرا وممارسة، بينها وبين العاملين في التعليم والمستهدفين منه، محورها ترابط وانسجام وشعور بقيمة التجربة وارتباطها بوعي المستهدفين ومستوياتهم المعرفية ومهاراتهم وقدراتهم واستعداداتهم ومستوى دافعيتهم ، إنه ارتباط فكري وروحي وحسي ووجداني قبل أن تكون هذه التجارب مجرد تعليمات وأوامر توجه من الأعلى إلى الأسفل أو مجرد قرارات وتوجيهات وتعليمات بالتطبيق والتنفيذ الفوري لها، وهو ما يعني الحاجة إلى مستويات من الرضا والقبول والقناعة والاقتناع والثقة في هذه التجارب ، ما يتطلب تغيير في نمط الخطاب وأسلوب التوجيه وطريقة العمل ونمط التفاعل ، لتكون هذه التجارب ليست مجرد كلمات تقال في محفل أو فعالية أو قرارات أو نتائج اجتماع بل هي مرحلة من التشخيص العملي والدراسة الواعية والفهم المتحقق للتجربة بكل حيثياتها وفلسفاتها ونطاق عملها وطبيعة المستهدفين بها، تتبعها مراحل عدة من الحوار والتواصل والتفاعل وحلقات النقاش والندوات بين العاملين في التعليم والمجتمع والشركاء، بما يقلل من الفجوة الفكرية في التعامل معها، إنها بحاجة إلى إدارة لترسيخ ثقافة الوعي بمفاهيمها وبرامجها وآليات عملها وطريقة تطبيقها،  ليؤدي الاعلام التعليمي دورا محوريا في القضية وتؤدي عملية التواصل والحوار والتفاعل الحاصلة بين الوزارة ومؤسسات الدولة عامة والمؤسسات التعليمية خاصة اثرا فاعلا في عملية بث الحقيقة الفعلية التي تقف خلف تطبيق هذه التجربة من وجهة نظر المؤسسة التعليمية والغاية منها، والنتائج المتوقعه، وعمليات الدعم والمساندة المادية والخبراتية المقدمة، ومستوى الاستعانة بالكفاءات الوطنية، وحجم مشاركة مؤسسات البحث والمؤسسات الاكاديمية في إيصال هذه التجربة لغاياتها وإيصالها بشكل سليم للمستهدفين منها،  وبالتالي فإن وضوح مسار التوعية والتثقيف وانتهاجها نهجا مستداما في العمل يعتمد ادوات عملية عدة ليس مجرد اعلانات ودعايات بل تحليلات ودراسات ومقارنات ، ومؤشرات نجاح وجوانب إخفاق لهذه التجربة أو تلك في وطنها الأم وموقعها الأصلي،  بما يؤصل ثقافة وينبني فكرة وينظم معلومة ويرسخ لمنهج لدى المستهدفين،  وهو أمر يأتي في إطار المراجعة والرصد التي تقومم بها الوزارة لتشمل جانب الاستفادة من التجارب وربط التجارب الدولية بالحاجات المجتمعية ، فإن عدم تكرار الوزارة لأي نهج لم يحظى باعتراف مجتمع التعليم وتفاعله معه، يتطلب بلا شك مراجعة عملية جادة تتسم بالتحليل والعمق .
من هنا فإن وجود إستراتيجية واضحة لإدارة قضايا التعليم وتجاربه مرتبطة بواقع المعلمين وملامسة لمتطلباتهم وقادرة على المزج بين متطلبات التجربة وما يمتلكونه من افكار وخبرات حول التجربة وحيثياتها، يتطلب بلا شك نظرة جديدة في طبيعة النمط الفكري والمهني السائد لدى المستهدفين، فإن لم يكن يفوق ثقافة ومعارف المعلم أو المستهدف من هذه التجربه  فعلى الأقل أن يكون في مستوى من الفهم والتمازج الفكري والتقارب المعلوماتي وهو ما يعني الحاجة إلى أن تتبع هذه التجارب مستويات من التدريب والتأهيل النوعي بشكل يتيح للمستهدفين القدرة على فهم متطلبات التنفيذ وآليات العمل. عليه فنحن بحاجة إلى تأصيل لكل هذه الأفكار والمنطلقات قبل اتخاذ أي خطوة نحو التطبيق أو الاعتراف بقدرة هذه التجربة على تغيير المسار أو تصحيح اتجاه العمل، والاعتراف بأنها ليست العصا السحرية التي يمكن من خلالها الوصول إلى تحقيق كل طموحاتنا وتوجهاتنا في التعليم،  إن ما ينقصنا بشكل خاص هو جانب إدارة برامج التوعية ، ومدى القدرة على إيصال ما نريد إلى المستهدفين، وإلى أي مدى يمتلك القائمين على إدارة هذه التجارب القدرة على إيصال ما تريد الادارة العليا  الوصول إليه من هذه التجارب، أو نوعيه المعارف والخبرات والقناعات التي ينبغي إيصالها لدى المستهدفين والشركاء، هذا بلا شك يستدعي مستوى من الشراكة والتفاعلية والتكاملية بين السياسات والممارسات وبين الوزارة والميدان التعليمي ، وبالتالي فإن المعالجات المطلوبة في هذا الموضوع تستدعي وقفة ومراجعه متأنية وخطوات تأخذ مسارات متنوعة فيها الأخذ والرد والاستفسار والاجابة عن التساؤلات والبحث عن الاجابة من مصدر التجربة وواقع عملها، ولتكون إدارتنا لهذه التجارب إدارة واعية حريصة على التطبيق السليم وهو ما لا يتأتي إلا بسماع وجهة نظر الآخر وتقبل نقده والاعتراف بحاجتنا لدعمه ولرأيه، وفي مثل هكذا توجه فإننا بحاجة إلى مشاركات عريضة وإلى اعتراف واعتراض أولي قبل الاعتراض النهائي وساعتها لا مجال للانتظار أو التبرير،  فإن تطبيق التعليم الأساسي مثلا كان بمشاركات وطنية ودولية وإقليمية واسعة، وساهمت في هذه المشاركة جهات أخرى كمجلسي الدولة والشورى،  والقطاع الخاص فلماذا إذا هذه التساؤلات والنقد من أعضاء مجلس الشورى، ولماذا لم يكن القطاع الخاص على رضى تام بالمخرجات التي انتجها النظام التعليمي؟ أعتقد نحن بحاجة إلى مراجعة دقيقة وفاعلة لكل المتغيرات وأن نأخذ في الحسبان كل المؤثرات والشركاء الفاعلين ، فإن إشراك الجهات المختصة وأولياء الأمور ومؤسسات المجتمع في عملية التوعية والتثقيف المستدام لهذه التجارب سبيل لتبنيها والقناعة بها،  ولا شك فإن مجلس التعليم سيكون قوة داعمة في تعزيز هذه التفاعلية التي نرجوها في كل ما تتبناه الوزارة من برامج ومشاريع أو ما تسعى لتطبيقه من تجارب،  ويأتي الحوار الاجتماعي في مثل هذه التوجهات ليشكل رصيد دعم وقوة للوزارة في تبنيها لمثل هذه التجارب أو استفادتها منها في تطوير الأداء التعليمي للمؤسسة التعليمية.
 إن إن من بين الأمور المهمة التي ينبغي أخذها في الحسبان في سبيل تعزيز مستوى الوعي بهذه التجارب ما يأتي:
·        مدى قرب هذه التجارب من حياة المستهدفين وطبيعة عملهم ومستوى الثقافة التي يمتلكونها أو المعرفة المتحققة لديهم حول هذه التجارب.
·        مدى الحاجة إلى نماذج عمل ملموسة تظهر التأثير الايجابي او السلبي المتحقق من هذه التجارب في بلدانها الأم، والآليات والإجراءات التي تم اتخاذها بهذا الشأن
·        مدى النجاح او الاخفاق الذي طال هذه التجارب في بلدانها.
·        مستوى الخصوصية والهوية الوطنية المتحققة في هذه البرامج وقدرتها على عكس الواقع التعليمي بالسلطنة والبيئة التعليمية الكمية والنوعية.
·        برامج التوعية والتثقيف والتعريف المقدمة بشان هذه البرامج وتوفر الكوادر البشرية القادرة على إيصال الصورة الفعلية الحقيقة لهذه البرامج.
·        ينبغي النظر في كون هذه التجارب معرضة للدقة والصواب والخطأ والانحراف وبالتالي فإن تزكيتها ينبغي أن لا تكون إلا في إطار عملها ومن خلال تجريبها العملي وليس من أول مراحل العمل، بمعنى ترك االفرصة للممارسين والتجربة لتحكم على نجاح التجربة من عدمها.
·        النظر في الإطار الفلسفي الذي قامت عليه تلك التجربة والمتغيرات الاجتماعية والبيئية والقيمية والبيئة التعليمية والطبيعية والتشريعية والقانونية والتنظيمية التي نمت فيها هذه التجربة، ومدى وجود مثال لهذه المتغيرات في البيئة التعليمية بالسلطنة.
·        التدرج المدروس والذي يصاحبه تقييم ومتابعة ودراسة وتشخيص في تطبيق التجربة بهدف إعطاء صورة حول نتائجها ونواتج عملها ومستوى الوعي بها ونطاق قبولها من المستهدفين منها في الميدان التعليمي.
·        من المهم إيجاد آلية في الوقوف على هذه التجارب من خلال بعض الزيارات التي تتم لعينات مختلفة في المواقع المطبقة للبرنامج من قبل المستهدفين ومنحهم الفرص للإطلاع عن كثب على واقع التجربة، بشرط أن تكون هذه الزيارات والمتابعات دورية وتتناول في كل مرحلة جوانب معينة على أن لا يصحبها انبهار مباشر إلا بناء على التجريب الفعلي لها.
·        إيجاد آليات واضحة وأدوات عمل مقننة للتقييم والمتابعة والرصد وبناء مؤشرات دورية عن مستوى الأداء المتحقق من التجربة.
·        مدى توفر الإدارة الواعية لقيادة التجربة ومتابعة ورصد متطلباتها وتحدياتها وتشخيص واقعها  بما يضمن  مستوى الاستدامة في  عملية التفاعل مع التجربة من قبل الإدارة العليا ومستوى الدعم المقدم لها ضمن خطة العمل المؤسسي.

وإلى لقاء آخر

تعليقات