هل يكفي أن نأكل فقط؟ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


هل يكفي أن نأكل فقط؟
د. رجب بن علي العويسي
‏17‏/06‏/2014‏ 10:02:46 ص
قرار مجلس الوزراء الموقر بشأن تحديد السلع الاستهلاكية التي يمكن أن تحددها الهيئة العامة لحماية المستهلك، يحمل تساؤلات عدة ويستدعي مراجعات مستفيضة،  تبدأ خلفيتها من الحراك الشبابي عام 2011م وما تبعها من أوامر وتوجيهات سامية لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه من تلبية مطالب الشباب التي تحقق غايات الوطن وأهدافه وترقى بطموحه وما أتى في هذا المسعى من إنشاء هيئة عامة لحماية المستهلك في ظل أجندة أخرى لا يتسع الحديث عنها في هذه اللطيفة، ومستوى الاستراتيجية في القرار الذي يفترض أن يعبر عن رؤية وطنية وسياسة عليا تنتهجها الدولة في إطار التمكين والاستفادة من وجهات النظر وتأكيد دور  المواطن المحوري في كل برامج التنمية والتطوير وتوجهاتها المستقبلية، ومن باب قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والسؤال  الجوهري الذي يطرح نفسه في ظل السلع التي تم تحديدها ، هو : هل يكفي أن نأكل فقط؟ هل ما يريده الإنسان العماني هو لقمة العيش البسيطة في أدنى حدودها، وهل طموح الشباب هو توفر هذه السلع فقط، ، إن إنسان اليوم يعيش في عالم متغير مضطرب  غير متوازن في كثير من معالجاته ، ولذلك كان لا بد من أي قرار أن ينظر لزوايا أي قضية من منظور شامل متكامل يراعي كل الجوانب الحالية والمستقبلية ويستفيد من معطيات الحاضر وإرهاصات الماضي وتجلياته على الحالة العمانية، غير أن كل المعالجات مهما قيل فيها من الحاجة إلى التنوع  والشمولية والتوازن والتكافؤ يجب أن تضع الإنسان العماني واحتياجاته وطموحاته في أولوية العمل وقاعدة البناء ، وشعور الإنسان العماني وثقته بما يمكن أن تؤديه الحكومة من جدية في الدور ومصداقية في العمل ورغبة في تقديم الأفضل بل وقدرتها على مفاجئته بأكثر من توقعاته هو الطريق نحو تعزيز الثقة والشراكة الوطنية وهو السبيل نحو بناء مجتمع التنمية والتطوير ، وهو أمر أكده المقام السامي لجلالته أعزه الله في عام 1970 عندما أشار في خطابة السامي على أهمية التكامل بين الحكومة والشعب من أجل مصلحة الوطن والمواطن. وفي ظل مناخات جديدة من العمل وفكر متعدد الجوانب في مجتمع عالمي شديد التغير تبقى قضية الانسان هي الأساس في تحديد أي توجه تسعى إليها المنظومات المؤسسية في كل مجالاتها، ويصبح جانب الحوار والتواصل المعزز بمرئيات مشتركة وقرارات مبنية على شراكة الشباب وقراءة لتصوراته ونظرة فاحصة لاحتياجاته هي الطريق السليم لتجاوز الاشكاليات وبناء مرحلة من العمل الوطني المشترك،
ليس الأكل هو ما يحتاجه الإنسان العماني ، فهو يحتاج إلى بناء ذاته وتطوير مهاراته ، يطمح لأن يكون له بيت وسيارة ومختبر وأدوات ينتج فيها تجاربه وابداعاته ويطور من خلالها انتاجيته في مصنعه ومتجره وبيته ومزرعته ودكانه ومدرسته وغيرها ويبني من خلالها مشروعه الحضاري في ظل دعوة الحكومة إلى مبادرات الشباب وإلى إيجاد إطار عمل يعزز دور الشباب والمجتمع من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ، وهي جميعها عبارة عن أدوات ووسائل يتطلب الحصول عليها وجود المال بل إن قدرة الإنسان العماني بما لديه من أموال وموارد وامكانية وتيسيرها له من أعظم وأفضل ما يمكن أن تقدمه الدول لشعوبها، وكما قيل لا تعطيني السمكة بل علمني كيف أصطادها، واصطيادها يحتاج إلى توفر أدوات الصيد ، وعندما لا تكون تلك الأدوات في متناول اليد  فإنه من الصعب الوصول إلى الفعل  ذاته إلا بانتقاء خاماته وأدواته ذات مواصفات الجودة العالية وهي ما لا يمكن استدراكه في ظل وضعية يتحكم فيها الأفراد، ويصبح الانتظار  السلبي هو الوسيلة المناسبة التي تتولد لدى الشباب مع أن " السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة".
يحتاج الإنسان العماني لأشياء كثيرة وأن يمتلك من الأدوات التي يصعب الحصول عليها إلا برعاية الدولة ومراقبة المؤسسات ، وإلا سيظل الحصول عليهها في أيدى فئة قليله غير شائعه ، وفي حينها سوف تستمر معنا دوامة الاحتكار  والجشع، التي وضعنا كل طاقاتنا القانونية والقضائية والتشريعية من أجل الحد منها ومعالجتها، منذ عامين وعماننا في كل أرجائها تتعايش مع وضع جديد يتمثل في جانب الغش والتدليس والاحتكار والتضليل ، وقد كانت حماية المستهلك عين الدولة والمواطن في كل تلك التجاوزات التي تمت ، حفاظا على أمن عمان وأبنائها، ووضع المواطن فيها ثقته لأنها تعبر عن رأيه وتضع صوته في قائمه أولوياتها فوجد فيها الحصن والحضن والاحتواء ،  وهي في ذلك تعبر عن حقيقة ما يفكر فيه المواطن من أربعين عاما وزيادة من إيجاد مؤسسة وطنية عليا ترعى مصالحة التجارية وتحافظ على معاملاته بعيدا عن الغش والجشع والاحتكار، فكانت حماية المستهلك، وأصبح الحديث من عام 2012 عن تطور آخر في المسألة يتم تدوله على المستوى الشعبي والرسمي والمتمثل في قانون حماية المستهلك، أبعد هذا الجهد الجهيد والقراءة المتعمقة الواعية والمنهجية الصادقة التي انتهجتها مؤسسات الدولة في سبيل وضع المواطن في صورة الفعل الممارس وقدرته على الحكم عليه بموضوعية ومن خلال مؤشرات عمل ، أن يضيع صوت الانسان في غياهب الجب ، وينظر لمسألة الاستهلاك في سلع معينه قد لا تشكل أهمية لدى الإنسان العماني ذاته في قادم الأيام، 

إن الحديث عن السلع الاستهلاكية لا ينبغي أن يكون في إطار ضيق ولا أن يحدد في منتجات بعينها ، فما يأكله أبناءنا اليوم يختلف تماما عما نأكله نحن الكبار، وبيوتنا اليوم يجب أن تحتوي بدائل عديدة من أصناف المنتجات ، إذ لا يمكن إلزام الشاب بأكل شيئ معين في حين أن  شهيته ووجهته لأشياء أخرى، ولذلك يصبح من الصعوبة بمكان أن تظل المنتجات المشار إليها حاضرة في كل وقت  وقد يتلاشى بعضها بعد حين، وحتى وإن كانت الاحصائيات الوطنية تشير إلى أن هذه السلع الاستهلاكية التي يتم استهلاكها حاليا فننظر للجيل الجديد بعد أن يقضي من عمره خمسة عشر عاما أعتقد بأن نوعية المنتجات التي تحتاجها الأسرة العمانية ستتغير وستضاف إليها وجبات أخرى ومنتجات جديدة غير موجودة في القائمة الحالية التي أقرها مجلس الوزراء الموقر، ومع القناعة بأن هذا القرار جاء بناء على معطيات محلية وعالمية تتعلق بالاقتصاد والاستثمار والتجارة  تقدم بها التجار وأصحاب المال إلا أن الأمر ينبغي أن ينظر إليه في إطار معالجة مشتركة بحيث تتفاعل فيه موازين القوى مع بعضها القوة الشرائية التي يمثلها المواطن وقوة البيع التي يمثلها اصحاب الأموال ورجال الأعمال والتجار ، وهو أمر يضع من جانب المرونة والتيسير أهمية في سبيل خلق روح من الثقة والشعور بالمسؤولية وتعزيز مستوى الرضا الذي ينبغي أن يكون في إطار من العدالة ، واحتواء وضع المواطن ، ليعلم الجميع أن اي أمر عندما يفتقد إلى الضبطية ويصبح عرضة للاجتهاد يفقد قدرته على احتواء الموقف خاصة عندما نتحدث عن استهلاك، فتصبح المسألة بدون وضوح لحدود المسؤولية وهنا تأتي مشكلة أخرى حول من يتحمل مسؤولية تلك المواد والمنتجات الأخرى إن وجد فيها انحراف أو تلاعب في عدم التزامها بالمعايير النوعية التي قد لا تكون ظاهره لدى المؤسسة المعنية بالمعايير والمقاييس التجارية والمواصفات القياسية ، وهو ما أثبته عمل هيئة حماية المستهلك، وما المانع من اتفاق الموردين على سعر معين قبل وصوله إلى مخازنه بالسلطنة  بحيث يفرض على المستهلك بأنه هو السعر المتداول عالميا؟، وما الذي يمكن أن تقدمه الحكومة في سبيل محاولة إزالة الفجوة المترتبة على هذا التباين والتجاوز المتوقع، لذلك كانت  الحاجة ماسة إلى وجود مؤسسة ضبطيه تتسم بالمرونة في قراراتها في معالجة تلكم المنتجات مع تواصلها المباشر مع بلد المنتج نفسه وهو أمر يضع مثل هذه القرارات التي نتخذها محل مراجعات منتظرة ، وهي المأمول أن يتم في الوقت القريب ، من خلال مجلس عمان والمجالس البلدية والمثقفين والشباب والمستهليكين ، من خلال مراجعة وطنية على شكل ندوات تقام في الولايات والمحافظات لكل خطوات العمل التي تمت وجوانب القوة فيها والإشكاليات وردة فعل الشارع والوسط الاجتماعي ، وتصبح الحوارات الجماعية من خلال الندوات التي اشرنا إليها  حول الموضوع بمشاركة أعضاء غرفة وتجارة وصناعة عمان ممثلي المحافظات وأعضاء مجلس الشورى والمجالس البلدية والتجار ورجال الأعمال والمستهليكن والموردين هي المرشحة لإزالة الضبابية حول الموضوع وإرجاع معيار الثقة إلى محله ، وهو أمر سوف يعزز من تكاملية الدور بين الحكومة والمواطنين في ظل قضية باتت تصنف اليوم من قضايا الأمن والتنمية المصيرية وأصبح الحاجة إلى قرار استراتيجي وطني يرقى بها إلى محل الاعتماد والثقة من أهم أجندة العمل الوطنية المرتقبة.

تعليقات