ثقافة احترام المسؤوليات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

ثقافة احترام المسؤوليات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. رجب بن علي العويسي
2- 5- 2014م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تضع متطلبات الحياة اليومية ومقتضيات وجود الإنسان بها ، تضع الفرد أمام مسؤوليات عده، فالغاية من خلق البشر عمارة الكون وعبادة الله وحده ، وبالتالي أن يكون مسار عمل الانسان وفق مقتضيات التكليف، وفي واقع الحياة البشرية كل فرد له مسؤوليات عليه القيام بها حق القيام، وأن يمنحها من الصبر والوقت والقناعة بها ما يعزز من قوتها في ذاته وهيبتها في وجوده وأهميتها في قرارة نفسه، فالوالدين عليهما مسؤولية تربية الأبناء وما يتبع ذلك من أدوار أخرى، والوظيفة العامة تضع الموظف والمسؤول أمام مهام ومسؤوليات عدة عليه بالتالي أن يضعها في قائمة الاهتمام والمتابعة من العمل بمتطلباتها والوفاء بتعهداته نحوها ، فهي بمثابة عقد بين الفرد والمؤسسة والدولة ، وبالتالي فإن من مقتضيات هذا العقد تحمل الفرد للشروط والضوابط التي وافق عليها من البدء ، وأن يكون على مستوى من الحرص والوعي والمسؤولية بشأن اكتمال ادائها والإخلاص فيها .
إن ما يشير إليه واقع الحياة اليومية من تجاوزات للمسؤولية وخرق لبنودها وتضييع لحقوقها وامتهان لكرامتها تستدعي تبني نهجا جديدة وسلوكا يلزم الفرد تحمل مسؤولياته نحو حصول هذا التجاوز ، والبحث عن نماذج عمل جديدة تضع الفرد في مواقف مستمرة من العطاء والإنتاجية وفهم متطلبات الدور ومقتضيات الممارسة الحقة، ، فإن القانون على سبيل المثال وضع من أجل الإنسان حمايته وصون نفسه ومنحه الثقة في قدراته وإعطائه الحق في الاستفادة من خيرات الأرض والفرص المتاحة له في الحياة، وهي إحدى المسؤوليات والواجبات التي تتطلب منه أن يعي مفهومها وطبيعتها وآلية التعامل معها ، إنها بمعنى آخر تتطلب منه ثقافة مستدامة في احترام القانون والاقتناع بسيادته بما يضمن سعادته في الدنيا والأخرى، وهذا الأمر ينطبق على الفرد في كل مواقفه ومسؤولياته، كسائق المركبة والمدير في المؤسسة والموظف والوالدين والكاتب والمؤلف وغيرهم على اختلاف مستوياتهم العمرية ونوعهم البشري ، إن احترام المسؤوليات يقتضي قبل كل شي وجود شعور متبادل وحس ذاتي من الفرد بقدرته على التعاطي مع متطلبات المسؤولية، وأن هذه المسؤولية أيا كان نوعها ومهما صغر حجمها فهي في مسؤولياتها أقوى وأدق وأضخم ، فلا ينبغي الاستهانة بها ولا النيل من كرامتها ولا تضييع حقوقها ولا العبث بمقدراتها، بل تستدعي مزيد من التخطيط والمتابعة والتعلم المنتظم المستدام، والاستفادة من كل الحقائق التي خلدها السلف أو أوجدها الفكر البشري العالمي حول تلك المسؤولية، ويقتضي احترام المسؤولية القناعة الذاتية من الفرد بأنها جاءت لتستهدف الانسان وأنه مسؤول نحو ايصالها للأخر، فهي ليست لذاته بقدر ما إنها تكليف له لإيصالها للغير في إطار جديد واضح يرسم للأخر ابتسامته من اجل الحياة السعيدة والعيش الهنئ، وبالتالي أن يدرك أيضا أن مضرة عدم التطبيق السليم أو العمل الصحيح بمقتضياتها يتحمل هو مسؤولية ذلك، فإنه بذلك يتعدى ضرر التقصير فيها إلى المجتمع الذي ائتمنه على هذا الدور وتحمل هذه المسؤولية ، فيكون وفيا ملتزما بكل ما تحتويه وتحويه . ويظهر من واقع المعايشة اليومية أن احترام المسؤوليات بات في ذيل القائمة في كثير من الاحيان، وإن كان التعميم في ذلك غير وارد، فإن المسالة تستدعي مرحلة جديدة من التحول في مستوى التغيير الذاتي للفرد والقناعة والاقتناع بالدور والشعور بالمسؤولية نحو تلمس الممارسة الايجابية السليمة ، ويصبح جانب التوعية والنصح والتوجيه والقراءة والتجريب في مواقف حياتية مختلفة أحد الموجهات العامة التي يمكن أن يستظل الفرد بظلها ويستنير بنورها الذي يأخذه إلى عالم الإنسانية المتوازن والواعي ، ذلكم العالم الذي يضع الفرد أمام نموذج عملي في التقييم والنجاح في اجتياز الاختبار ، والذي لا شك بأنه سيترتب عليه نجاح الإنسان في الحياة، وثوابه الجزيل في الدارين، إن ثقافة احترام المسؤوليات التزام ذاتي يجب أن يضعه الفرد أمام مراجعة واختبار وتقييم ذاتي لما وصل إليه في تحمل هذه المسؤوليته ، ويدرك من خلالها أن مسؤوليته لا تقتصر على اداء المهام المرتبطة بمقتضيات تلك المسؤولية في ظل ما تمليه إليه ذاته بل من خلال مراجعه لكل المؤثرات الأخرى التي يمكن ان تكون فرص داعمة له نحو الوصول إلى تحقيق جودة الهدف وبلوغ المسؤوليات مبلغلها من التحقق، بل عليه أن يقرأ مستوى تأثر الآخرين بها وتأثيره الايجابي عليهم، وبالتالي يصبح وعي الفرد بذلك منطلقه نحو قدرته على ضبط سلوكه في التعامل مع تلك المسؤوليات.
إن الطبيعة الفطرية في وجود الفرد الحياتي،والمدنية التي تلازمه في اتصاله بالبشر وتعارفه معهم واختلاطه بهم وتفاعله مع احتياجاتهم وأفكارهم لا يعفيه من أي مسؤولية، بل عليه أن يكون على مستوى من الجاهزية والاستعداد الخلقي والنفسي والذاتي والبدني والفكري في أن يضع تلك المسؤوليات موضع الاهتمام والمتابعة وأن يعي مسؤوليته نحوها، وبالتالي أن يتحول قصور الفهم لدى بعض المسؤوليات الحياتية والمفاهيم المتداولة بشأنها على أنها ضرب من الترف أو ينظر إليها على أنها من صغائر الأمور وتوافه الأشياء التي لا تستدعي منه عملا متقنا، إلى مرحلة جديدة من الثقة والشعور القوي بالمسؤولية في كل جوانبها المختلفة، وأن ما يحصل في حية الناس من نظرة استخفاف بصغائر المسؤوليات سوف يترتب عليه على مر الوقت تجاوزا للمسؤولية ذاتها وامتهانا لكرامتها، وهو أمر ينبغي الفقه به والوعي بنواتجه وعدم التساهل فيه، ولعل هذه التجاوز الحاصل في المسؤولياته وما يظهر من جوانب الغش وسلوك الاحتيال وضعف الأمانة وتضييع حقوق الناس واستغلا الوظيفة والمسؤولية من اجل النفوذ مرده إلى ضعف الرقابة الذاتية والتساهل الحاصل في الالتزام بالمسؤولية ،
عليه فإن الحديث عن دور الذات والإرادة الفردية في ثقافة احترام المسؤوليات لا يعفي مؤسسات التربية والتثقيف والتوجيه من دورها المحوري ، بل عليها دورا كبيرا يجب أن تتحمله في بناء شخصيات الناشئة بوضعها في مواقف عملية ونماذج تطبيقية في تحمل المسؤولية والأدوار القيادية المختلفة في كل جوانب الحياة ، وتغرس في ذات الفرد مسؤولية تكامل الأدوار والعمل وفق المهام وابتكار الجديد من الادوات والآليات في التعامل مع الظروف والأحوال والمواقف والمسؤوليات، فمسؤوليتنا نحو القانون والتعليم والاقتصاد والتربية الأبوية والنظام وغيرها ، تستدعي منا أن نمتلك ثقافة الاحترام والتقدير لها والشعور بأدوارنا الفردية والمجتمعية نحوها .

تعليقات