ثقافة الاختلاف من أجل التكامل د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

ثقافة الاختلاف من أجل التكامل
د. رجب بن علي العويسي
26- 4- 2014

الاختلاف طبيعة حياتية وسنة كونية وهي ترتبط بكل الموجودات في هذا الكون. مهما تعددت اشكالها واحجامها وطبيعتها. هذا الاختﻻف الذي يراد به تحقيق التكامل وتعزيز جوانب الانسجام لتحقيق الغاية الكبرى والوصول الى الهدف الاسمى من وجود الشيء وخلقه. ليشمل طبيعة الفرد واختﻻف المدارك البشرية بين بني البشر جميعهم ويتعدى ذلك لكل مجاﻻت الحياة البشرية في الاسرة والمؤسسة وبين الدول والشعوب . غير ان هذا الاختﻻف لا ينبغي ان ينحصر لذاته ويفهم فيه في غير معانية ولا ينبغي توجيهه في غير ما يؤدي الى استقرار الانسان وصلاح شانه . وفي الوقت نفسه ينبغي ان يخرج من دائرة الصراع والانانية والشعور بالفوقية والافضلية فيما يمتلك الفرد من صفات او تحقق له من هبات . بل هو مرحلة للتكامل بدلا من الصراع والتوافق والانسجام منعا من التجاذبات التي تفضي الى غير الاستقرار وتضييع حقوق الانسان. وهو اختلاف يدخل في اطار تعاون البشر على الحياة ومن اجل بناء الاهداف السامية وتحقيق الانجازات المشهودة التي يشعر في كنغها الجميع بمزيد من الطمانينة والاستقرار ويعمل فيها الجميع من اجل التقدم والازدهار . ولعل ما طرحه الاسلام من مفهوم التعارف بين الخلق رغم الاختلاف الحاصل بين البشر انما هو تاكيد على ضرورة توجيه هذا الاختﻻف وحسن استثماره وضبط مقاصده وغاياته والتحول به الى نطاق العمل من اجل الاخر والمسؤولية نحو الاخر والشعور بقيمة الاخر الند والشريك والاخ والزوج والحاكم والمحكوم والموظف والمسؤول الخ . والطبيعة البشرية التوعية من ذكورية وانوثية وما فيها من اختﻻف حاصل انما هو اختلاف تكامل لا اختلاف صراع وتعاون لا انانية وانسجام لا فوقية وهو امر يبتعد كثيرا عن الخلاف الذي يؤدي الى مزيد من الفجوة . ان فهم الانسان لمفهوم الاختﻻف وطبيعته يستدعي منه وعي بمسؤوليته نحوه. فالاختلاف في الجنس البشري بين الزوجين كونهما ذكر وانثى انما هو دعوتهما للقيام بمسؤوليتهما الحياتيه نحو انجاب الابناء وبناء الاسر واعمار الحياة فهو بالتالي اختلاف من اجل التكامل البشري. والاختلاف الحاصل في القدرات والاستعدادات والمهارات انما يستهدف ايجاد مرحلة من اللقاء المشارك وارضية اوسع ليضع فيها الانسان ابتكاراته وامكانياته من اجل الاخر . يستفيد منها ويوظفها . من اجل الوصول بهذا الاختلاف الى تحقيق التعاون والاخذ بيد الاخر والشراكة لانجاز
الاهداف وتقاسم المسؤوليات من اجل الكون والحياة ونهضة الانسان واشعاره بان وجوده يتجاوز حدود ذاته الى الاخر ولذلك ينبغي ان يدرك مسؤوليته في هذا الاطار والحكمه من وجوده ضمن هذا الهدف.
ان هذه المعاني النبيله التي يمكن فهمها من موضوع ا لاختلاف تستدعي من مؤسسات التعليم والتثقيف والتربية الوالدية والمؤسسية وغيرها دورا اكبر في ايصال هذا المفهوم للناشئة من خلال تبني اساليب نوعية متجددة في طريقة غرسها في سلوك الاجيال واشعارهم بان وجودهم هو من اجل الاخرين وبالتالي سلوك هذا الجانب سوف يبعد عن البعض ما يظهر منه من سلوك الظنية بما لديه والانانية والفوقية والغرور والثقة الزائدة في القدرات والاستعدادات او في طبيعة الجنسية واللونية والشكلية للانسان بل حتى في شعوره بحاجته للاخر المختلف عنه مهما بلغ من صفات وتفوق على غيره في المهارات. هذه التربية من شانها ان تعزز في النشء المسؤولية الانسانية والاخﻻقية المترتبة على هذا الاختلاف. ان ترجمة مفهوم الاختﻻف على مستوى المؤسسات في اطار تحقيق التكامل هو ما تحتاجه الاوطان ويجب ان تربى عليه الناشئة ويصبح مفهوم الاختلاف المعزز للشراكات والقائم على اسهام الجميع بدوره وقيامه بمسؤولياته كل في مجال اختصاصه وتخصصه سوف يؤدي الى تحقيق الغايات العليا بالمجتمع ويمنح الفرص من اجل التمكين وبلوغ الاهداف ويضع العمل ايا كان امام مرحلة تقييم لما يقدمه من اجل التكامل الانساني وتحقيق التعاون والوصول بالمجتمع الى مرحلة القوة والازهار والتطور والتقدم. وبالتالي ان يكون هذا الاختﻻف رصيد الفرد في تعامله مع الاخر وتجاوزه عن زلاته او فهمه لسلوكه وما يمكن ان يقدمه من جهد او يبذله من دعم في سبيل الاخر. ان عالمنا المعاصر وما يجري فيه من احداث ومتغيرات ينقصه فهم مسؤوليته نحو الاختلاف من اجل التكامل فاستغله في غير المفصد ونهج به في غير المامول فما تكريس لجانب الصراعات والطائفية والفتن والحروف وانتهاك حقوق الانسان وما يحصل من تجاوزات في حق المراة والاطفال والاقليات انما هو انحراف بمفهوم الاختلاف نحو مقاصد ونوازع بشرية قائمة على الانانية والفوقية والسيطرة وهو في حقيقته تاجيج لمنطق الخلاف الذي لا يبني للامة والانسانية اي مجد ولا يقدم لها اي حلول لتجاوز محنها واشكالياتها .ان ما يثيره البعض من مخاوف الاختﻻف وما يصدر من دعوات تؤجج لقضايا المذهبية والمناطقية والفئوية وسلوك عدم التفاؤل عند تحليلهم للامور ودراستهم للاوضاع وما يتردد على السنتهم في لقاءاتهم الصحفية وكتاباتهم انما يعبر عن الحاجة لفهم ادق لمفهوم الاختلاف والتعمق في سبر اغواره وقراءة لمنطلقاته ورجوع الى المسار القراني في تقدير قيمة الاختﻻف والبناء من خلاله لمرحلة جديدة في العمل الانساني الراقي.
فهل سنجعل من اختلافنا طريقنا نحو بناء ارضيات مشتركة وحوارات مستدامه وشراكة حقيقة وتعاون من اجل الصالح العام وانسجام من اجل توحيد الرؤى وصدق بلوغ المقصد؟

تعليقات