اخلاقيات العمل بين صحوة الضمير وضبط القانون د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

اخلاقيات العمل بين صحوة الضمير وضبط القانون
د. رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
12/01/2014 01:32:33 م
( إن الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل إن تكون نفوذا أو سلطة ، وعليكم جميعا أن تكونوا قدوة ومثلا يحتذى سواء في الولاء لوطنكم أو المواظبة على عملكم وإحترام مواعيدة ، أو في سلوككم الوظيفي داخل العمل أو خارجه أو في حسن الأداء وكفايته)
" خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه"

الوظيفة تكليف وواجب مقدس، والعمل المهني مسؤولية ، هذه مبادئ اساسية تؤطر لأي وظيفة عامة أو مهنة سامية وتضع صاحبها أمام واقع عملي عليه أن يتعامل معه بكل جدية ويتفاعل مع معطياته بكل اريحيه وقناعة، ويضع لنفسه القواعد الخاصة به التي بها يظهر أمام الآخرين أو يستطيع في ضوئها أن يتميز وأن يؤدي واجباته ومسؤولياته بكل احترافيه وتفان، الوظيفة والعمل والمهنة كلها مترادفات لشيء واحد وهو الانجاز الذي يفترض أن يكون السلوك هو الحكم في نوعيه تحققه وطريقه بلوغه الهدف، ولذلك كان السلوك هو مدار الحديث، في كل انجاز بشري هناك محددات للوظيفة ونطاق عملها واختصاصاتها وهو أمر قد يسهل معرفة مستوى تحققه وإصدار حكم للمنجز منه، من خلال استمارات وسلم تقديري معين وتقييم أداء وظيفي، ولكن هناك أمرا جوهريا يتعلق بهذا الانجاز وهو مدى مسايرته وارتباطه بسلوك قيمي واخلاقيات ومثل عليا تكون بمثابة الموجه للفعل المنجز ، والطريق لبلوغ الاحترافية والنوعية فيه، وهي بذلك مجموعة المبادئ والمثل والسلوكيات والقناعات التي تتوفر لدى الفرد اثناء انجازه ما يسند إليه من مهام في إطار أخلاقيات المهنة أو الوظيفة أو الفعل المنجز ذاته، هذا الأمر أي أخلاقيات العمل بات محل اهتمام ومتابعة وتركيز من قبل مؤسسات العمل ، ومنحته المؤسسات التي تنشد الجودة والتنافسيه وتقديم الخدمات المتميزه أهمية كبيرة، فكل الموارد والإمكانيات والأعداد البشرية والخطط والاستراتيجيات وتوفر التسهيلات والنشرات والدعوات في ظل غياب رقابة الذات وصحو الضمير ونمو الوازع وسمو النفس ، لن يحقق المرتجى منها، بل قد تضيع كل الجهود العملاقة والموارد المالية الضخمة في تصرفات وسلوكيات وممارسات تتنافى مع الخلق وتضيع أمام رقي القيم، لذلك باتت المؤسسات تعي هذا الجانب وتدرك أهميته وتعمل على احيائه في نفوس العاملين وظهرت مؤسسات التنمية البشرية والتدريب والتنمية الاخلاقية التي تؤصل لدى العاملين في المؤسسات اخلاقيات العمل وقيم المهنة وثقافة الوعي وحسن التصرف والحكمه في المعالجة والأسلوب الأمثل في التعامل مع المواقف، وأصبح رضا العاملين من أهم الجوانب التي تدرك المؤسسات أهميتها، سواء ما يتعلق منها بالسلوك الظاهري للفرد والذي يركز على جانب التواصل والعلاقات الإنسانية وأسلوب التخاطب والتفاعل مع الرؤساء أو الزملاء أو المستهدفين، أو من خلال السلوك المرتبط بممارسة الفعل المنجز ذاته من حيث الاخلاص والأمانة والنزاهة والشفافية والصدق والموضوعيه والالتزام واستغلال وقت العمل، أو من خلال المبادئ المرتبطة بالسلوك المهني ذاته والشعور بأهمية المبادرة أو الانتماء والتطوير الذاتي أو التجديد في العمل وتسهيل الاجرءات والشعور بالمسؤولية المترتبة على الانجاز وانتقاء الأسلوب الأفضل والطريق الأمثل الذي يتناسب وضوابط العمل المؤسسي، وبالتالي كان من الأهمية وجود هذا التكامل بين جانب الضبط والربط فالضبط وما يمثله من تشريع ولوائح وأنظمة وأطر عمل ومنهجيات ومعايير أداء على الموظف العامل الالتزام بها واحترامها والوقوف عندا وقراءتها وفهمها والوعي بها وبمتطلباتها ومقتضيات تطبيقها ، والربط وما يمثله من استقامة في السلوك وثقة في أداء الأمانه والإخلاص في أداء الواجب، فعملية التكامل بينهما هي الطريق السليم لبلوغ أي أمة شأنها ووصول أي مجتمع إلى تحقيق غاياته، ومع ذلك فإن واقع الممارسة الإنسانية يشير إلى ضرورة تغليب جانب الضمير إذ أن قوة الضمير ونمو الوازع الأخلاقي والقيمي هي ما يحتاجه أي قانون أو تشريع بل هو ما يحتاجه أي عمل بشري ، وهو يمثل القلب الذي إن صلح صلحت بقية الأعضاء وإن فسد فسدت بقيه الأعضاء، وهكذا أيضا الضمير ، إذ باستقامته يطبق القانون وينفذ ويترجم في واقع العمل في اطاره الصحيح ، كما وتتلقاه النفس عن قناعة وشعور بأهميته وأثره الإيجابي في تعزيز السلوك المتزن وخلق البيئة المناسبة لبلوغه، وعندما يفتقد أي عمل إنساني مهما كان نوعه لجانب الضمير ويغيب عنه قيمه الفقه به والشعور بأهميته فإن تأثيرة سيظهر في طريقة تعامل الفرد مع أي عمل مهما كان نوعه وأولويته ومهما كانت الحاجة إليه في المجتمع.
إن العمل من أجل الوطن وتحقيق غاياته والسمو به في مجالات الاقتصاد والطب والهندسة والمهنة والوظيفة والتعليم وغيرها يتطلب بلا شك تكامل هذين الجانبين كموجات أساسية ومنطلقات رئيسية، فالمسؤولية في ظل الضمير الحي تضع جانب المصلحة الإنسانية العليا فوق كل اعتبار ، وتنظر لعدم تفاعل البعض مع حصول الآخر على حقه مثلا على أنه سلوك فردي وممارسة لا يمكن في ضوئها سلوك طريق مشابه لذلك، طريق قد لا يحقق للأمة القوة ولا يوصل للإنسانية حقوقها الأخرى، نحن إذا أمام واقع جديد تظهر فيه حكمة الضمير في التغلب على كل نوازع النفس ومتطلبات الحياة ، إننا بحاجة إلى الضمير الذي ينصف الحق ويسعى لبلوغ الافضل والاسمى ويرجى منه تحقيق بناء الوطن والإنسان،مهما اتفق معه القانون او اختلف.
نحن إذا بحاجة أولا إلى ثقافة الضمير الحي المحب والصادق المخلص من أجل الوطن والانسان، ذلكم الضمير الأمين على كل شيء وفي كل شيء ، ذلكم الضمير الذي يدرك حق الله وحق العباد وحق الوطن وحق الإنسانية، ذلكم الضمير المسؤول الذي تتعدى حدود أحاسيسه ومشاعره واهتماماته ما يراه الناس أو ما يقولونه أو ما قد يسخرون منه ويستهزئون بأهدافه ، لأنه يملك سمعا أقوى ورؤية أبعد قد لا يدركها أولئك الذين ينظرون للمسألة في إطارها الضيق وفي ممارساتها الشكلية ، لأنه يعمل في إطار الحرص والوعي على أن ما يصدر منه من قول أو فعل مرتبط بحقيقة مبدأ " لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"،

وإلى لقاء آخر

تعليقات