القناعات وتأثيرها على مسارات التغيير النوعي د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

القناعات وتأثيرها على مسارات التغيير النوعي
د. رجب بن علي العويسي
‏31‏/12‏/2013‏ 09:03:23 ص
يقال بأن قناعات الفرد هي من يحدد مسار حياته وطريقة عيشه، بيد أن هذه القناعات تختلف من فرد لآخر ، وقد تتفق أو تتعارض مع الكثير من التوجهات على  مستوى الآخر الفرد أو المؤسسة، وفي وقت تتفاعل فيه هذه القناعات مع التناقضات أو التوجهات تظهر بوادر لأفراد لم يجدوا لهم موقعا محددا في منظومة التفكير ، يؤمنون بالكثير من المنطلقات الفكرية السلبية فكل شيء عندهم غير مقبول، وكل جديد لديهم يكتنفه الغموض، والتحسين يعني النقد ، والتطوير يعني مزيد من التفكير ، بيد أن الخلاصة النهائية أنهم لا يريدون شيء، فمزاجهم غير متقبل لهذا أو ذاك، هذا الآمر بلا شك تعايشه المؤسسات كما تعايشه البيوت ، وفي وقت باتت فيه المعرفة مشوبة ببعض العشوائية وافتقرت فيه للدقه والمصداقية  يستدعي التعامل معها بمنهجية علمية وبرؤية متجددة وفكر مستنير يجمع بين الأصالة والثوابت والمعاصرة والتقنيات الحديثة، وأن تكون نظرته في القضايا المعاصرة نظرة المتأمل والباحث والمحلل في ضوء رؤية شمولية متسعة متوازنة بعيدة عن التخوف والسلبية والنظرة الضيقة الأحادية الجانب في تفسير الأمور بما ينطبع على اتجاهاتهم المستقبلية وتنغرس في سلوكيات حياتهم وابنائهم  على المدى البعيد.
وقد يرى البعض بإمكانية إيجاد العذر لأصحاب هذه المنطلقات الفكرية فيما يفكرون فيه وفيما يدور في خلجات أفكارهم، فهم تدربوا على وسائل تقليدية اقتصرت نظرتها على تخريج فرد ملقن تقليدي في طريقة تعامله مع مستجدات الحياة ومتغيراتها، بالإضافة إلى أساليب التدريس المعتمدة على التلقين والاجترار السلبي، ناهيك عن عدم وجود فلسفة واضحة للإنسان الذي نريد، كيف يفكر، وكيف يعالج الأمور؟ وكيف يتصرف في المواقف؟ وكيف يحاور، وكيف يتحدث؟ وكيف يحلل، فلم تكن تلك الوسائل والأساليب تضع في الحسبان أيا من هذه الأمور؛ وعزز هذا كله قصور النظرة في التعاطي مع مجريات الحياة ومتطلباتها. مع ما نتج عن ذلك من جمود في الفكر، وضعف في التفكير وتركيز على ثقافة الذاكرة بدلا الإبداع والابتكار، حتى أضحت مساحات الحوار ضيقة وتعدد الآراء مرفوض ومنابر التوجيه والتوعية والتثقيف  غير مقبوله.
 إن طريقة تفكير البعض وآلية تعاملهم مع مقتضيات التجديد الحياتي والتنوع الثقافي ومفهوم العالمية والمدنية يحتاج إلى وقفة متأنية بعيدة عن المنطلقات الأيديولوجية التي يفكر بها البعض والقائمة على التنكر للحقيقة والبعد عن الهدف الأسمى، والتي تتطلب في المقابل وعي الفرد بذاته وبالدور الذي يمارسه وقناعاته الفكرية والمنطلقات التي ساهمت في تعزيزها ومدى استعداده على تغيير الصورة النمطية القاتمة التي وضعها للآخرين حول ذاته وحدود نظرته ؛ على أن ذلك يستدعي منه أن يكون لديه بصيص من الوعي والايجابية ويتساءل أين يريد أن يضع نفسه في خضم هذه المتغيرات، وأين يريد أن يكون موقعه في الخريطة العالمية ، التي هي بأمس الحاجة إلى المشاركة فيها بفاعلية، وأن يكون له ثقله ووجوده وموقعه الريادي بما يسهم في تعزيز دوره ليس في محيطه المحلي بل الإقليمي والدولي على حد سواء.
في ضوء ما سبق تأتي الحاجة إلى تبني آليات مبتكره في طريقة التعامل مع هذه النوعية من الأفكار والسلوكيات وما تحتاجه من انتهاج سياسات وأساليب متجددة للرعاية والتوجيه والتثقيف ونوعية الخطاب الأبوي والأسري والديني والمؤسسي في التأثير على هؤلاء الأفراد بما يسهم في تعويدهم النقد الهادف وتوضيح الرؤية لهم  في التعاطي مع أي منجز بشري وتعزيز ثقافتهم الايجابية النوعية التي ترتكز على المشاركة والحوار لكل الحقائق المعرفية القائمة على التفاعل مع المعطيات والتعامل مع التجديدات بروح عصرية فاعلة وتشريبهم الثقافة العالمية وتعويدهم على دراسة  الكثير من القضايا التي أصبح البحث فيها كمائدة الطعام والتي هي في الأساس نابعة من توجهات المجتمع وقراءات الواقع ومشاهداته، مما  يعني ضرورة توحيد الجهود المؤسسية والمجتمعية، بما يسهم في تعزيز الرؤى وتوجيه القدرات وتعزيز الإمكانات من خلال استدامة البرامج الوقائية والتثقيفية والتوعوية والعلاجية التي تسعى إلى إخراج هذه القناعات إلى عالمها الافتراضي الكوني لبناء الشخصية الايجابية المؤثرة في عالم المتغيرات.

وإلى لقاء آخر

تعليقات