ثقافة التدرج والتهيئة د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


ثقافة التدرج والتهيئة
د. رجب بن علي العويسي
rajab.2020@hotmail.com
‏22‏/12‏/2013‏ 01:35:48 م
طرحنا لهذا الموضوع يأتي في إطار قراءة لواقع حياة الناس وآليات عمل بعض المؤسسات، فكما هو معلوم أن التدرج والتهيئة لمرحلة من الاستعداد والتقبل والاقتناع، أمر ورد في التشريع ، فدعوة الاسلام وأحكامه اتسمت بالتدرج ، بيد أننا في حياتنا اليومية في حاجة ماسة إلى هذا القانون والنظام والسلوك، خوفا من ردة الفعل التي قد لا تكون في الحسبان أو ما قد يترتب عليها من أثر عكسي يغير مسار العمل، ويتيح الفرصة للمزيد من الصد والاعتراض وردة الفعل السلبية،  في حياتنا اليومية تصادفنا وقائع عديدة ومواقف متعددة نعتقد في قرارة أنفسنا بأننا نريد منها مفاجأة ويصيبنا الزهو والغرور في تبنينا لهذه الفكرة أو طرحنا لهذا الموضوع حتى على مستوى الأسرة، فقد نقرر القيام بعمل ما أو أن نقضي عطلتنا الاسبوعية في موقع ما، وبما أن القرار يأتي مفاجئا إذ ترى نبرات الاعتراض والسخط والرفض والتقاعس ظاهرة في تصرفات الأسرة ، وقس على ذلك في ممارسات ومشاهدات وأحداث يومية نعايشها جميعا،  ولننتقل إلى الشأن المؤسسي فقد تتخذ بعض المؤسسات قرارا بتطبيق مشروع ما أو برنامج معين أو تغيير في نمط الأداء أو غيرها من الأمور التي تحتاج إلى مستويات من التدرج والتهيئة والإعداد والتوعية والتثقيف ، إلا لأنها اعتمدت على القرار النافذ من طرف واحد،  والنتيجة انها لم تنل على قبول المستهدفين، وبدت علامات الاستغراب والاستنكار وردة الفعل من قبل المستهدفين أو من يعنيهم الأمر بأشكال مختلفة ، وبطرائق متعددة،  والسبب هو ما مدى تعاملنا  مع موضوع التدرج والتهيئة، وكيف نمارسه، وما آلياتنا ،  ومدى قناعتنا بذلك، أعتقد بأن الاشكاليات الناتجة تأتي في إطار مدى ومستوى الوعي المتحقق لدينا والاقتناع بهذا السلوك في ممارساتنا وقراراتنا ، وخوفنا من النقد والاعتراض الذي قد يسبق مرحلة القرار وبالتالي تعطيل ما اردنا الوصول إليه.
 لا شك بأن موضوع التدرج في كل شي هو طريق النجاح، طريق تحقق الهدف، والوصول إلى الغاية التي  نريد ، وكم من الممارسات التي نتجت بسبب ردات الفعل وكان سببها ضعف الأخذ بهذا المبدأ في سلوكنا الشخصي والمؤسسي، في أي عمل نسعى من خلاله إلى التعميم والنجاح في عملية التطبيق ، لا بد وأن تسبقه مرحلة من الترو والدراسة والتشخيص والتحليل ، والمتابعات وتلمس وجهات النظر  خاصة من قبل المستهدفين منه والمستفيدين من تحقيقه، وعندما تتكون لدينا قاعدة بيانات واضحة ومعلومات ثرية ودسمة حول الموضوع، ومعالجات متنوعة وواسعة من هنا وهناك، عندها لن  نجد مشكلة في التطبيق، بل قد لا نجد مشكلة في عملية تقبل الآخر المستهدف والشريك لنا في التنفيذ ،  لأنه شارك فيه، وقدم رأيه فيه، وساهم في صناعته وصياغته بفكره أو بوجدانه أو بأي من عمليات الدعم والمساندة الأخرى ، وعندها سوف نرمي الكرة في ملعب المستهدفين - كما يقال- ، ونجد أننا في الاتجاه الصحيح ، لا شك بأن هذا السلوك هو ما نفتقده في كثير من جوانب حياتنا، وهو ما نحتاجه،  نوهم أنفسنا بأن القرار كاف، وكوننا في موضع المسؤولية  والسلطة والقوامة واصحاب الكلمة في البيت والعمل والمؤسسة والشركة، فإن الأمر يجعلنا في قدرة كافية لإيصال قرارنا للمستهدفين أو لمن هم ضمن النطاق الذي نشرف عليه، والأمر ليس كذلك،
إن الاعتراف بالآخر والقناعة بما يمكن أن يقدمه من مرئيات ومقترحات، وثقتنا بأنه سيقدم الأفضل والجديد والمفيد،  ويختار لنا ما لم يكن في الحسبان ، هو من صميم النجاح الفردي والمؤسسي، وهو ما سيمنحنا الفرصة في أن نثبت للآخر  سلامة التوجه الذي نسعى إليه، فالشراكة هي سبيل تحقيق الهدف والوصول إلى مرحلة من الحوار الذي يساهم الجميع فيه من أجل عمل منجز وانجاز نوعي متحقق، انجاز نفاخر به ونفتخر به، أو على الأقل نشعر جميعا بحاجتنا إليه وبأنه قدم لنا من نحتاج على نطاق ذواتنا وإحساسنا بذلك الشعور النفسي الذي حققناه معا في سبيل انجاز ما قررناه، ويشعرنا بدعم الآخرين لنا ومساندتهم لأفكارنا وتوجهاتنا وأطروحاتنا وقراراتنا،  ويكون اختلافنا قوة لعملنا وتحقيقا لطموحنا وإيجاد الفرص المناسبة لاتفاقنا ، بل الاستفادة من كل الفرص المتاحة لنا من اجل الاتفاق على تحقيق الهدف الذي نسعى إليه،  هذا الأمر بلا شك هو ما نحتاجه لبناء مستقبل مشاريعنا وبرامجنا وطموحاتنا وامالنا وأمنياتنا من أجل الإنسان والوطن في هذه الأرض الطيبه، وبالتالي نحن بحاجة لأن نهيئ أنفسنا أولا لتقبل النقد ، والنقد لا يعني أننا وصلنا لمرحلة من الفشل ، أو عدم المضي في تحقيق غاياتنا وأهدافنا، ولكن يمكن أن يكون النقد هو تصحيح لمسار عملنا، تصحيح لطريقة أداءنا وأسلوب تعاملنا، في طريقة وآلية تحقيق طموحاتنا، وفي قدرتنا على تبني آليات مبتكرة تجديدية تتفاعل مع الناس تتفاعل مع الرأي العام والمستهدفين، بل تتفاعل مع نبض الأسرة العمانية، والسلوك الاجتماعي السليم، بما يضمن  مضينا في تحقيق طموحاتنا في قادم الأيام كما إن وسائل التقنية وتطور وتنوع وسائل الاعلام وسهولة التواصل الاجتماعي لهي من بين الفرص المتاحة التي يمكن أن نوظفها في تحقيق توجهاتنا وبرامجنا التي نريد وعلى مختلف لمستويات.
إن قناعتنا بما يمكن أن تؤدي إليه سنه التدرج في سبيل نجاحنا وقدرتنا على الاقناع والتأثير الايجابي في ايصال الفكرة والغاية من اي مشروع نرغب في القيام به او أي توجه نسعى إليه على المستوى الشخصي والأسري والمؤسسي ، وامتلاكنا للأدوات والمهارات المناسبة، واستفادتنا من كل الفرص المواتيه، وقناعتنا بما يمكن أن يؤدي إليه الرأي الآخر والشراكة الحقه والاستعانة بكل الأفكار والمبادرات والتوجهات والرؤى المطروحة من قبل الأفراد والمجتمع، وبناء تواصل فعال وحوار مع كل المؤثرين والمتأثرين والفاعلين والمتفاعلين ، وعدم إقصاء أحد ممن نرى بأنهم وسيلة دعمنا لتحقيق انجازنا وانجاز هدفنا،  لهو السبيل لأن نكون عند موضع المسؤولية والثقة من مختلف المستويات والشركاء ، إننا بحاجة إلى أن نتبع سنة التدرج في كل شيء من اجل ايصال غاياتنا وطموحاتنا للآخر  ليكون الآخر هو السبيل لاحتضان الأفكار بل ونؤصل فيه فكرة الدفاع عنها والاقتناع بها وتاثيره في غيره بكل رضا وقناعة ومسؤولية، فلماذا نعامل الموضوع باستحياء ومتعامل معه بردات فعل سلبية ، أليس الأفضل أن نتقبل ردة الفعل ونحن ما زلنا في  مرحلة الدراسة والتشخيص لنبي عليها توجهاتنا ، أم علينا أن نغتر بأفكارنا ونضمن بأن قرارنا هو الصائب ثم لا نجد من يمكنه تطبيق ما نسعى إليه،  إنها دعوة للمراجعة والتقييم والانطلاق من ثقافة التدرج باعتبارها نقطة فاصلة في قدرتنا على تحقيق أهدافنا والمضي في بناء مشاريع وتوجهات المستقبل.

وإلى لقاء آخر

تعليقات