المعلم والمسؤولية الوطنية نحوه؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

المعلم والمسؤولية الوطنية نحوه؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏01‏/10‏/2013‏ 10:53:32 ص
من جديد تطفو على السطح قضية المعلم العماني، قبل سنتين برزت وكانت ممهدة لمرحلة جديدة قد كانت هي المأمولة وقد لا تكون كذلك، وها هي اليوم تظهر من جديد، ولكنها في هذه المرة على العلن والحديث عنها منذ أكثر من شهر مع بداية العام الدراسي، والناس منقسمة على أمرها  إلى أمرين، هل مع المعلمين في مطالباتهم، وهل مطالب المعلمين تتحقق من خلال امتناعهم عن أداء مسؤولياتهم الوظيفية، ألم يقسم المعلم مع ذاته أنه سيؤدي رسالة التعليم نحو بناء الوطن والإنسان، أليس هناك من طرق أجدر وأنفع وأضمن في تحقيق هذه المطالب، وبين من ينظر لهذه العملية كحق مكتسب  في ظل  أنظمة وقوانين وأعراف وطنية تؤكد حرية التعبير وشرعية المطالبة بالحق، وقناعة منهم بأن طرق الوصول إلى الحق بالطريقة المأمولة منهم قد تم، وبات غير مجد كون أن الجهات المعنية بالأمر لم تحاول أن توجد  تحول جديد في سياساتها التعليمية وخططها وبرامجها الموجهة للمعلم،  وبين أمر آخر يتفق الجميع على اولويته يتعلق بمفهوم المصلحة الوطنية العليا، والتأثير السلبي الذي يمكن أن يترتب  على مثل هذه الممارسات على جودة التعليم وعلى رسالته، وما يمكن أن ينغرس في سلوكيات الأبناء وثقافتهم من مضرة  تنعكس على أدائهم لأدوارهم القادمة على المدى البعيد،  وأن الخصوصية الوطنية والهوية العمانية والإرادة السامية للإنسان العماني  التي تعتبر صمام الأمن والأمان في المجتمع، خط أحمر  لا يمكن تجاوزها بتوجهات أو ممارسات فردية قد لا تعكس إرادة وطنية عليا مترسخة في وجدان الإنسان العماني،  وأن تأثيرها بلا شك له تبعاته في ترسيخ الفكر السلبي والقناعات التي تؤصل لثقافة لا يقبلها المجتمع العماني ،  هذه الجوانب هي التي يجب أخذها في الحسبان ، عند التعاطي مع قضية المعلم العماني، أو بمعنى آخر في عملية امتناع المعلمين على أداء رسالتهم في الموقف التعليمي،
إن مسألة رؤية التعليم في إطار منظور الوطن ، وليس المؤسسة، والتحول بقضيته إلى كونها قضية وطنية ومسألة تمس الحالة العمانية برمتها، وليس فقط مسؤولية وزارة التربية والتعليم ، وتداول المسألة في إطار أعلى من وزارة التربية والتعليم، أعتقد بأنه سيشكل نمط جديد من التحول ويعزز من ثقة المعلم بما تقدمه له المؤسسة التعليمية من جهود من جهة ومن  جهة أخرى تتكشف لديه تلك الضبابية وسوء الفهم الذي لا زال يعتري البعض ويضع منه شماعة في سبيل امتناعه على أداء هذه الرسالة بحجة أن الأولويات والاهتمامات الوطنية الظاهرة لدى العيان إنما تتجه لمجالات أخرى غير التعليم، أو بمعنى أدق تتعدى جانب المعلم الذي قد لا يحصل على ما  يحصل عليه الآخرون، وبالتالي بات أمر وجود إرادة وطنية جامعة عليا خارج المؤسسة الواحدة أمرا ملحا، فالتعاطف مع المعلم والتفاعل مع ارادته، ومحاولة الوصول إلى فهم ما يريده ، في هذه المرحلة أمرا لا مناص منه، ولذلك كان التوجيه السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم  حفظه الله ورعاه عام 2011 بتقييم شامل للمسيرة التعليمية ، وخطاب جلالته أعزه الله في عام 2012 بمراجعة شاملة لسياسات التعليم وخططه وبرامجه، تأتي في إطار تعزيز الحراك الوطني  نحو المعلم والتعليم، وأن يكون للمعلم مكانته وموقعه في سلم العمل الوطني ، وتأكيد من جلالته على ان  الحال ينبغي أن يكون أفضل مما هو عليه، وأن قدرات الإنسان العماني وخبراته ومهاراته تفوق ما  يقوم بأدائه حاليا، ولذلك فاستخراج هذه القدرات وبناء هذه المهارات والاستفادة منها إنما يأتي من خلال مراجعة شاملة مقنعه واعية مدركة لأبعاد التعليم ودوره في منظومة  العمل الوطني، وهي مدركة  لدور المعلم كمرب للأجيال وموجه وناصح لأبناء المستقبل،  وهذا أمر أكدته التوجيهات السامية لمولانا المعظم بإنشاء مجلس التعليم الذي يفترض أن يضع من بين أولوياته قضية المعلم بكل جوانبها ومجالاتها ومؤشراتها وتفاعلاتها وحدودها وضوابطها، وليصبح التركيز على المعلم من أولويات أي أجندة أو توجهات لمجلس التعليم،  وقد كتبنا منذ أكثر من سنة بعد أيام من إنشاء مجلس التعليم أطروحتنا في دور هذا المجلس،
 هذا الأمر بلا شك لم يقتصر فقط على المؤسسة التعليمية، فلجان التربية والتعليم في مجلس عمان ، يفترض أن تضع بين أجندتها قضية المعلم في أولوية الاهتمام، هذا التفاعل المؤسسي  بين كل المؤسسات يجب أن يفهم منه  على أن قضية المعلم لم تعد تناقش في أروقة وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التعليمية بل لا بد من جهة وطنية عليا تناقشه في اطار وطني والسياسة العليا للدولة، ليس هذا فحسب ، ونحن ندرك أن قضية المعلم ليست وليدة الصدفة أو حديثة اليوم بل أن مناقشة هذا الجانب بدأت من تسعينيات القرن العشرين، وكانت قضية المعلم حاضرة في لجان التربية  بكل دورات مجلس الشورى منذ تأسيسه،  الأمر في تقديري يجب أن يتعاطى معه بشكل عملي وإجراءات واضحة لا تنتظر التأخير ، إجراءات تبني واقعا جديدا للمعلم بحيث تتفاعل مع كل المعطيات الحاصلة في منظومة العمل الوطني من جهة أو مع كل التداعيات التي تلقي بظلالها قضية المعلم على أمن الشعوب وسياسات الدول،  ونحن في عمان بحاجة إلى شراكة حقيقة تأخذ بيد التعليم والمعلم، وتسمو به، ولا تترك الأمر لمؤسسة واحدة تجتهد في إطار رؤيتها أو تتعامل في إطار نظرة أحاديه، نحتاج إلى أن تتنازل بعض المؤسسات من برجها العاجي  لتشارك الوطن قضيته وحلمه وأمله، ولتقف معه ليس لأن المعلم بريد ذلك، بل لأن بناء الإنسان العماني يحتاج إلى تكاتف الجميع ومشاركة الجميع وفهم الجميع ووعيهم وإدراكهم بالنتائج التي يمكن أن تتحقق لو أخذنا بيد المعلم،  وهنا أؤكد ما اشرت اليه في مقالات سابقة أن الخصوصية الوطنية يجب أن تظهر في أي نوجه يراد به تطوير التعليم، نعم نستفيد من الاخرين ولكن يجب أن ندرك على أن علينا فهم واقعهم ، وندرك خصوصيتنا وهويتنا التي تحمكها مبادئ وقيم وظروف وتحديات وطبيعة ومناخ وغير ذلك، نعم أن هناك معايير دولية ولكن أعتقد بأن هذه المعايير فيها من المرونة  بين الدول والمؤسسات بما يعكس استدامتها أو امكانية تعميها،  ولهذا يجب أن تنطلق توجهاتنا  نحو التعليم من منطلقات واضحة ورؤى حكيمة في إطار رؤية وطنية عليا ماذا نريد من التعليم، وماذا نريد للطالب العماني ومنه، وكيف يمكن أن نصنع من خلال معلم الأجيال منجزات جديدة للوطن نحافظ فيها على ما مضى من جهود قامت على أيدي المعلمين المخلصين من أبناء هذا الوطن وشاركهم فيه إخوانهم  من الدول الشقيقة والصديقة، بيد أن الإرادة السامية لمولانا وسيدنا حفظه الله ورعاه في ظل متابعة لكل التفاعلات التي أنتجها التعليم أعطت الجميع الفرصة لعمل وطني موحد، ونتاج مثمر يانع هو ما بنت النهضة العمانيةعليه نجاحها وتقدمها،   
هذا الأمر بلا شك يترتب على وجوده الكثير من الجهود فجانب تعزيز المبادرة الوطنية وترسيخ وجود الكفاءات بالمؤسسات التعليمية، وتمكين المخلصين من المعلمين من أبناء هذا الوطن لاستمرارية دورهم يتطلب جهدا مشترك وعملا دؤوبا يترجمه الواقع، لا يترك فيها أمر تقريره لفرد أو مؤسسة واحدة بل على الجميع أن يدرك الحاجة إلى تكاتف وطني للأخذ بيد هذه الفئة التي يدرك الجميع اسهاماتها في بناء صرح الأمة، يجب أن لا ننظر لقضية المعلم من منظور شخصي أو وظيفي أو فئوي بل يجب أن يكون ادراكنا أن نجاح التعليم هو نجاح الأمة وأخذنا بيد من يقدمون التعليم كسلوك في الموقف التعليمي ، سوف يضمن لنا ما أردنا، نعم لا ينبغي ترك الأمر على مصراعيه فلا بد من أن تحكم العملية القواعد والأسس والشروط والضوابط والقوانين، التي نستطيع من خلالها أن نميز أيضا بين  أهداف وغايات وطموحات  هؤلاء القائمين على العملية التعليمية، الأمر ليس مجرد معلم فهناك وظائف أخرى في المؤسسة التعليمية تشترك في المسألة،  إننا يجب أن ندرك مسؤوليتنا الوطنية  نحو التعليم والقائمين عليه،  وكما نحاول أن نوجد الامتيازات وغيرها  علينا أيضا أن نضع القوانين والأنظمة  التي تستطيع أن تفرز لنا الحقائق وتوصلنا إلى الهدف،
  ومع أنني على قناعة بأن هناك جهود تبذل إلا أنها كما أشرت ينبغي أن تتحول من المؤسسية إلى الوطنية ومن التصريحات  إلى الفعل المترجم وحقائق عمل،  ومع ما أشرنا إليه يجب على كل معلم غيور على هذه الرسالة العليا أن يضع في قناعاته أنه يتعامل مع رسالة أمة ، عليه أن يبلغها بكل ما أوتي من جهد، وأن يقوم بها خير قيام، وأن يبقى صابرا محتسبا يتجاوز كل العقبات والصغائر ليؤدي رسالة الوطن العليا في تعليم ابنائة، الذي لا ينبغي أن يتأخر عنه في لحظة واحدة، ولا أن تغلق صفحات العلم ثانية واحدة بحجة المطالبة بالوصول إلى الحق، فالمسؤولية الاخلاقية والوطنية والقيمية  تحتم عليه أن يضعها في أولوياته ، وأن وصوله إلى الحق ينبغي أن يتم في إطار واضح أقرته الذات الصافية والنفس الرضية والضمير الحي قبل أن تقره الأنظمة واللوائح والتشريعات والضوابط، وفي الوقت نفسه كما ذكرت ينبغي التعاطي مع هذا الضمير الحي  في إطار إحياء رغبته في تحقيق وجوده وبناء ذاته، وأن تصل مسألة الشراكة والتكاملية وتقاسم الأدوار إلى الفعل الوطني المعزز لمنظومة البناء الوطني والتي يأتي بناء الإنسان من خلال التعليم كأولوية  لا تقبل النقاش، وما دام الإنسان هو الأولوية فإن التعليم الذي هو أساس البناء الإنساني الواعي والفاهم والمدرك لحدوده وحقوقه هو أولوية الأولويات،   عليه نحن اليوم بحاجة إلى الأخذ بتوجهات جديدة في التعليم، ومراجعة مقنعه وتقييم لما تم من إنجاز في السنوات الأخيره ، وتقدير للحالة العمانية  بناء على معطيات دقيقة تدرك دور المعلم في سلم العمل الوطني ومهمة التعليم في تحقيق الأمن الوطني المستدام ، فهل ستظل قضية المعلم تراود مكانها بين فترة وأخرى في ظل مطالبات قد يكون التعامل معها  اليوم  في ظل الارادة والإمكانات والظروف يسيرا  بحيث توجه هذه الفرص نحو تعزيز البناء والتجديد الذي ينطلق من المدرسة ويديره المعلم،، هذا ما نتوقعه ؟

وإلى لقاء آخر   

تعليقات