منظومة التخطيط المؤسسي والتحول المطلوب؟ الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

منظومة التخطيط المؤسسي والتحول المطلوب؟
الدكتور/  رجب بن علي  بن عبيد العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
‏31‏/08‏/2013‏ 01:34:36 م

يشكل التخطيط أهم عوامل النجاح في أي مؤسسة تنشد الجودة والتنافسية ، باعتباره ركيزة لعمل مؤسسي منجز يعمل في إطار استراتيجية شاملة ورؤية مؤسسية واعدة قادرة على والتكيف مع واقعها والتفاعل مع متطلبات العاملين بها ومعطيات العمل المؤسسي،  وأظهرت المعطيات الحاصلة ونتائج الممارسة على الأداء المؤسسي  والإشكاليات التي يبرزها واقع العمل، الحاجة إلى إعادة النظر في منظومة التخطيط بجوانبها المختلفة  لتشمل نطاق عملها  وآلياتها وفلسفتها وأدواتها وموقعها وهيكليتها بالمؤسسة،  وأسلوب الخطاب وطبيعة تعاطيها مع المتغيرات الحاصلة في منظومة العمل المؤسسي، وفي البدائل التي تمتلكها ونوعية الموارد البشرية التي تحتاجها، ثم السياسيات التي تسيرها والمنطلقات وموجهات العمل التي تدعمها وتعتمد عليها ومستوى القرار الذي تمتلكه،  بهدف بلوغ التحول المنشود، والذي يمكن أن يتحقق من خلال النظر في الموجهات الآتية:
§       مستوى الوضوح في الرؤية والهدف والتوجهات التي تمتلكها  وحدات التخطيط  بالمؤسسات ، والتي يفترض أن تكون نتاج عمل مؤسسي تشارك فيه كل الوحدات المؤسسية ضمن إطار تنظيمي يضمن وحدة الهدف وتوجيه مسار العمل، وأن تضع وحدات التخطيط بالمؤسسة في مسؤوليتها  رسم صورة حقيقية مكبرة عن كل الحقائق والتفاعلات التي تحصل في منظومة العمل المؤسسي ، هذا بلا شك يتطلب النظر في حزمة الصلاحيات والآليات والبدائل والكفاءات والقناعات التي تتوفر لدى القائمين على هذه الوحدات بالمؤسسة من جهة وفي اختصاصاتها من جهة أخرى.
§       إن دور التخطيط في رسم رؤية واضحة للعمل المؤسسي ليس مختصا بالوحدة التخطيطية فقط بل يأتي في إطار منظومة مؤسسية عليا تضمن تكامل الجهود بين السياسات والخطط والبرامج وبين التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم وهو ما يتطلب وفرة البيانات والقدرة على التنسيق بين الوحدات المؤسسية ومن خلال ما يفترض أن تمتلكه هذه الوحدة التخطيطية من كفاءات ومهارات وخبرات وبدائل وسيناريوهات ،
§        إعادة النظر في الفهم السائد بأن الوحدة التخطيطية هي من تقرر مصير المؤسسة وتدير قضاياها وتتحكم في شؤونها فهو فهم خاطئ ينبغي أن يتحول  إلى رؤية أعمق وأبعد لتشكل الوحدة التخطيطية دور الضابط لكل العمليات الحاصلة في اطار ما يفترض أن يتوفر من بدائل وبالتالي يصبح دورها أقرب إلى التشخيص والتحليل والمراجعة والرصد وصياغة رؤية تعتمدها الوحدات الاخرى بالمؤسسة وتقرها تلك الوحدات ودور التخطيط في عملية تجميع وإعادة صياغة هذه الجهود وإبرازها في قالب واضح يتفق الجميع على شكله ونوعه،
§       أن يعمل التخطيط على تشخيص واقع المؤسسة من خلال مؤشرات أداء وأدوات مقننة تضعها المؤسسة ممثلة في كل وحداتها التنفيذية والتنظيمية والرقابية والتشريعية بحيث يعمل التخطيط على  تلمسها في الميدان، على أن تكون تلك الأدوات نابعة من واقع الانجاز الفعلي المؤسسي وتبرز كل الممارسات والتحديات التي تظهر قي المؤسسة .
§       إن العمل التخطيطي الناجح يمتلك ميزة التشخيص والاستشراف بناء على دراسات وقراءات وليس على انطباعات، ولذلك فإن الخطط والتوجهات التي ينبغي أن تقدمها الوحدة التخطيطية والتي في الأساس شكلت إنجاز فعلي للوحدات الاخرى  ينبغي أن يتعامل معها بلغة الارقام والحقائق وليس الانطباعات التي طالما تتغير ولا تصل لتحقيق المطلوب، وللأسف تعاني  السياسات التخطيطية من هذا الأمر لفقدان القدرة على التشخيص أو توظيف البيانات الحاصلة في الاداء أو الاستفادة من كل المرئيات المؤسسية التي تبرزها الوحدات المختلفة بالمؤسسية ليصبح القرار التخطيطي الناتج على غير المتوقع وتأتي النظرة التخطيطية بواقع آخر مغاير للواقع الفعلي.
§       إن مسألة التكاملية المطلوبة بين التخطيط والعمليات المؤسسية الاخرى تبرز الحاجة إلى وجود منظومة تقييم الأداء المؤسسي التي تضم في هيكليتها كل العمليات الادارية والفنية المؤسسية الاخرى ، وتمكينها من سد الفجوة الحاصلة بين التخطيط والعمليات المؤسسية الاخرى على أن يكون تركيز المنظومة على الفعل الممارس ذاته ودراسة  المتغيرات المتوقع المساهمة في ايجادها وبالتالي ضبط مسارات العمل الحاصلة  بين هذه الادوات والإجراءات الناتجة عن فعل التخطيط،
§       من المهم أن يشكل مبدأ الأولويات أهم مدخل في التخطيط المؤسسي الاستراتيجي الناجح، وأن يكون مدار عمل له بمعنى أن تضع الوحدة التخطيطية بالمؤسسة مجموعة من الأولويات الناتجة من رصدها للواقع وتحليلها للأداء ووصولها إلى مؤشرات محددة حول ما يعترض المؤسسة التعليمية على مدى العشرين سنة القادمة، وبالتالي التفكير في سيناريوهات وبدائل جديدة  تراعي جوانب الوعي الاجتماعي والقيمي وترسخ لسياسات الانضباط في العمل والحس المهني ، وتبني سياسات متوازنة وواقعية في التعامل مع الحوافز  والموارد البشرية والمبادرة الوظيفية، 
§       تستدعي الفجوة الحاصلة في النظرة التخطيطية للفضاء المؤسسي وكيفية التعامل معه، وعملية الحلول السريعة والمؤقتة التي لم تخرج بعد إلى الواقع الاجتماعي وترصد مرئيات الشارع ، تستدعي معالجات أوسع ومقاربات أدق  وشراكات أعمق وخطوات جريئة وقرارات مؤسسية  حكيمة ،
§       إذا كانت المؤسسات اليوم في بحث مستمر عن تجارب عالمية في معالجة مشكلاتها التقويمية والتنفيذية والرقابية، فإن التخطيط باعتباره جزء رئيسي من منظومة الأداء بحاجة اليوم إلى أن يستفيد من التوجهات والمبادرات الدولية ذات العلاقة ليس من خلال نقلها إلى واقع منظومة التخطيط بل بدراستها والتعمق في مستوى ما يمكن أن تحققه من مردود على الأداء المؤسسي، وبالتالي لا ينبغي أن تكون نظرة المؤسسات في التعامل مع التخطيط من خلال تبني بعض المفاهيم المتداولة مثل الايزو والتخطيط الاستراتيجي ولكن من خلال معالجة كلية لهيكلية التخطيط وفلسفته ونطاق عمله وموقعه في منظومة الأداء وهيكلية المؤسسة ذاتها.
وعليه فإن بلوغ مرحلة التحول المنشود في منظومة التخطيط بالمؤسسات في  المرحلة القادمة تفرض على المؤسسات مراجعة دقيقة وواقعية لمنظومة التخطيط وقياس مدى إرتباطها بالوحدات الأخرى بالمؤسسة، ومدى استفادتها من المنتج المؤسسي وتوظيفها للبيانات المؤسسية في صياغة رؤية مؤسسية ، أو في قدرتها على فهم ما تحتاجه منظومة العمل المؤسسي بالمؤسسات في جوانبها الادائية والتنظيمية والرقابية والبشرية والتطويرية ، فإن الموارد البشرية بالمؤسسات اليوم تتوقع أن ترى في تحول المسألة التخطيطية وتغير مجالات عملها ونطاق أدائها وأساليبها وآلياتها وأدواتها وثقافة العاملين بها والمنتسبين إليها، مخرجا لها في تخطي الاشكاليات والخروج من الأزمات الحالية الحاصلة في منظومة التخطيط ، والطموح المجتمعي أن يكون وجود المجلس الأعلى للتخطيط بمثابة تحول في مفهوم التخطيط ذاته قبل اختصاصات الوحدة التخطيطية بالمؤسسة، وأن تستفيد المؤسسات من الأطر والتوجهات المبتكرة التي يمكن أن يبرزها المجلس الأعلى للتخطيط في المرحلة القادمة ، إننا بحاجة لأن يكون للتخطيط فعلا مؤثرا في العمل المؤسسي التربوي -إن كنا نتحدت عن التعليم الذي يستهدف المعلم والطالب وولي الأمر  والمسؤول، في حين أن هؤلاء جميعا يعايشون واقعا تخطيطيا مستهلكا تأتي الممارسة التخطيطية كأحد المتسببين فيه ، فهل سنظل تحت رحمة التخطيط  التشغيلي الوقتي الحالي وتصرفه أم سنعيد النظر في أدائه ونطاق عمله من أجل الصالح المؤسسي لبلوغ مرحلة التحول المنشودة؟

وإلى لقاء آخر

تعليقات