التسامي فوق الخلاف ... الدكتور/ رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

التسامي فوق الخلاف :
" معا من أجل قلم يكتب بصدق ويحلل بعمق ويسمو بمنطق الكلمة من أجل التنمية والتطوير والرقي بالفكر الإنساني "
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏28‏/07‏/2013‏ 12:53:44 ص
لا أحد ينكر أن الاختلاف بين البشر أمر فطري قائم وهو مرغوب فيه ما دام يؤدي إلى خير، والطريق السليم لمعالجة القضايا الإنسانية المتنوعة في إطار اعتماده منهجية البحث العلمي والدراسة المتعمقة للموضوعات موضع الاختلاف وفي إطار رصد مستمر  لوجهات النظر، التي تحاول أن تلتقي في نقاط مشتركة لتشكل بدورها المنطلق الذي تجتمع حوله وترسم عليه مستقبلها، وعليه فإن ما يحصل من أراء ومناقشات وحوارات وكتابات ووجهات نظر في الصحف المحلية والمجلات وصفحات التواصل الاجتماعي وغيرها حول قضايا مختلفة في المجتمع اقتصادية أو اجتماعية، أو تربوية، أو إنسانية، أو سياسية، الخ لا ينبغي أن  تعالج في إطار تعميق الخلاف الذي يفتقر لتقديم الحل أو لا يتسع لإيجاد البديل، ولا يتعمق في سبيل نقد الواقع في إطار التشخيص وتقديم المقترح المناسب والذي يتناسب مع طبيعة الموضوع ، إن تناول أي موضوع في إطار تأجيج وتغليب لغة الخلاف ليكون المدخل كما يرى البعض لتغيير الأمور وإصلاح الحال إنما هو ضرب من ضروب المجازفة وهو تعصب في الرأي وضعف في المنهجية، ودعوة لمصادرة الفكر، وعقم في آلية العمل، فمثل هذه المقالات أو المنشورات أو وجهات النظر لا ترقى لأن تصل بالمجتمع إلى مستويات منشودة من الوعي والرقي والنضج في الحوار الاجتماعي إذ لا تتعدى كونها أساليب في تأجيج النزاع  وتعميق الفرقة والقضاء على فرص التجديد والإبداع والتطوير والمشاركة، في حين أن تناول هذه الموضوعات بالدراسة والتحليل ووجهات النظر المستندة على النقد الموضوعي القائم على الدليل وتقديم البديل ووضع المقترحات العملية في إطار تنفيذي محدد لمستويات التطبيق  سوف يكون سندا وعونا للمؤسسة أو المجتمع في دراسة مثل هذه البدائل والمقترحات وتشكيل فرق عمل لدراسة جوانب التطبيق وآلية العمل، ويعطي فرصة للحوار البناء والتواصل المستدام بين الكتاب والمثقفين وأصحاب الأقلام والفكر والكلمة في نقاط التقاء مشتركة مع كل الجهود المؤسسية التي تبذل على مختلف الصعد وفي كل المجالات،
إن مدرسة الصيام وهي تعلمنا هذه المنهجية الجديدة والمنطق السامي إنما هدفها السمو بالنفس الإنسانية والرقى بالفكر الإنساني إلى مرحلة  من النضج والوعي المتحقق والمسؤولية الوطنية التي تحتم على كل فرد المساهمة بكل ما أوتي من قدرات وملكات واستعدادات ليقدمها في خدمة وطنه وبناء مجتمعه، وعندها سيكون له التأثير والقدرة على الإقناع لتبني فكر التجديد والتغيير في إطار متوازن يراعي كل المتغيرات ويحسب حساب لكل المؤثرات دون محاولة إقصاء أو إلغاء أي منها، وإذا كانت مدرسة الصيام قد رسخت هذا الفكر في حياة الصائم اليومية فكانت نتيجة صومه  التقوى والقرب من الله والخشية من عقابه والرغبة في نيل ثوابه فإن سلوك المسلم بعد رمضان ينبغي أن يكون استمرارا للنهج الذي رسمه القرآن له في رمضان وعمل برقابة من ذاته وقناعة من نفسه على تطبيق هذا المنهج بكل أريحيه ورغبة ، كم نحن بحاجة إلى أن نتغير ونتحول من طيش الخلاف إلى منطق الحوار والتصافي في معالجة الأمور والتسامح في تقبل رأي بعضنا البعض واحترام رأي المسؤول وتحليل رأي المؤسسة، كم نحن بحاجة لأن نرقى في فكرنا من السب والشتم والتقول على الآخر، وذكر المساوئ وتأجيج الممارسات الفردية الغير مسؤولة والتشهير بها  على أنها فعل مؤسسي مع نسيان النماذج المضيئة والجهود التي تتم خلف الكواليس والتنكر لها والرؤية النيرة والممارسات الأفضل في المؤسسات، كم نحن بحاجة لأن نغير من أسلوب التجريح والتشهير والنقد المتحيز للذات إلى أسلوب التروي ومنهجية البحث العلمي والدراسة التحليلية وتغليب لغة الإحصائيات والوقوف على واقع العمل ، وإذا كان رمضان يعلمنا منذ البداية أسلوب التريث والتروي وعدم الانجراف وراء الشائعات ودراسة الأمور وتقييمها وتحليلها بعمق والاستفادة من مؤشرات النجاح وتغليبها ومحاولة دعمها وتعزيزها وتحويلها إلى أداة للتغيير ومعالجة الأمور وتقديم بدائل الحل ، فإن هذه المنهجية ينبغي أن تكون هي مسار عملنا على المستوى الشخصي أو المؤسسي بعد رمضان، وفي ذلك تأكيد على أهمية المراجعة الذاتية والمؤسسية المستمرة لممارساتنا وسلوكنا
إن الأمة جميعها أفرادا ومؤسسات اليوم بحاجة لأن تنهل من معين مدرسة الصيام ما تستزيد به في حياتها وممارساتها ومنهجيتها وتواصلها مع أمم الأرض الأخرى وأداء رسالتها الربانية الواردة في قول الله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..."، ولا يتحقق للأمة هذا الفضل والتكريم والميزة إلا إذا نبذت الخلاف جانبا، واستعادت مجدها وعظمتها وسمت بنفسها عن كل ما يؤدي إلى الفرقة والنزاع والشقاق ، واستطاعت أن تلم صفها وتعتصم بحبل الله المتين ونوره المبين في ترسيخ لمنطق الحوار والتواصل والبحث عن نقاط مشتركة وتلمسها وتأكيدها وتعزيزها  بما يؤدي إلى وحدة الصف وصدق الكلمة وسمو الهدف ووضوح الرؤية والوقوف معا أمام كل المتغيرات والتحديات التي تواجهها الأمة . وإذا كان الشباب هو العنصر المهم في مواجهة كل المتغيرات والتحديات، فإن عليه أن يكون على مستوى من الوعي والإرادة في قدرته على التفاعل مع كل ما يثار من نقاط وخلافات وإشاعات، والتي تظهر بين فترة وأخرى في شكل إثارة لقضايا شكلية ليست بذات أولوية، والهدف منها إثارة اهتمام الشباب بها وتعميق الخلاف بين شباب الأمة بشأنها لتصبح هي مدار الحديث اليومي ، ما تتناقله أفواه الشباب أو وسائل الإعلام أو صفحات الشباب في شبكات التواصل الاجتماعي ، فإن الأمر يستدعي تعزيز البناء الشباب الفكري  ووعيه بكل القضايا، وبالموقف السليم من كل الأحداث والمتغيرات ، وبناء قدرته على النقد والتحليل والدراسة والبحث في كل ما يثار من قضايا تمس الدين والوطن والمجتمع  والقيادة والمؤسسات والحكومة والتنمية وغيرها، ليجعل من نفسه الناقد البصير لذاته، والقادر على إدارة فكره وبناء هويته الفكرية وقدرته على الرد على كل ما يثار من قضايا او موضوعات دون أن ينساق لكل ما ذكر على انه مسلمات عليه الإيمان والاعتراف بها وترديدها وتصديقها او تناقلها بدون وعي  وفهم لمغازيها وأهدافها ولعل بعضها ينطوي على فكر السلبية والتحريض والعدوانية وإنكار الجميل أو الإساءة لرموز وطنية أو تعدي على حقوق وطنية، وبالتالي فإن المسؤولية تتطلب منه أن يدرك كيف يتصرف ويتعامل مع كل التحديات ويتفاعل مع كل ما يثار بمنطق التحليل والدراسة القائمة على الاختلاف في الرأي وتعدد وجهات النظر وتنوع الأفكار المطروحة والاستناد على الدليل والشواهد العملية باعتبارها الحجة والبرهان وكلمة الفصل في  الحكم على كل ما يقال أو يثار، وبالتالي كان الاختلاف الايجابي المعزز للحوار هو طريق البناء والتجديد والتطوير وإعادة النظر والتقييم الموضوعي ، وهو سبيل تقدم المجتمع ونهضة الأمة لأنه يعطي مساحات أوسع وأرحب لسماع الآخر والاعتراف به، واحترام وجهة نظره وتقديم الدليل على وجهة نظره، بعكس ما قد ينتج من الخلاف من سد جميع الأبواب المؤدية إلى المراجعة وإعادة النظر والتطوير والتنمية والتقييم .
 نعم قد نختلف مع بعضنا ولكن ندرك بأن هناك نقاط مشتركة بيننا يمكن أن ننطلق معا من خلالها ونبني منها آمالنا وأحلامنا ونجدد حياتنا في ضوئها، بشرط أن لا نجعل من هذا الاختلاف يصل إلى طريق مسدود، الذي يؤجج الخلاف ويعمق الفجوة، فهل نحن على استعداد لنجعل بيننا مساحات ود نبني عليها آمالنا وأحلامنا لنتفق في ضوئها ولنتناقش في أروقة مؤسساتنا حولها ولنعمل في ظل حوار وتواصل ونقد لذواتنا من أجل الوصول إلى حيث نأمل ، وليكون ما تكتبه أقلامنا منطلق للوصول إلى أحلامنا الجميلة في ظل اتفاق واستمرار حوار ؟؟؟

وإلى لقاء آخر

تعليقات