المراكز الصيفية ، كيف نصل إلى المأمول منها؟ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

المراكز الصيفية ، كيف نصل إلى المأمول منها؟
د. رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
وقت الصيف يحمل العديد من المفاجآت ويستدعي المزيد من العمق في الرؤية والاستعداد للتعامل مع معطياته والتفاعل مع متطلباته، وهو مع كل مفاجأته الحالمة يضع الناشئة في أولويات العمل  باعتبارهم  الهدف والغاية والطريقة لجعل مفاجآت الصيف أكثر قربا من تحقيق غايات الوطن وبلوغ طموحات شبابه، و تحظى المراكز الصيفية بالمزيد من الاهتمام والمتابعة، خاصة بعد التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه بدعم المراكز الصيفية، فصقل مواهب النشء واحتضان أفكاره وبناء قدراته وتعزيز مهاراته وإيجاد مؤسسات ترعاه وتحوي مبادراته وتلبي مطالبه واحتياجاته، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال جهد مجتمعي يشكل البرنامج الصيفي إحدى الفرص لتحقيقه، ولسنا هنا للتعريف بأهمية المراكز بقدر ما هي قراءة معمقة ترصد نواتج الانجاز المفترض أن تحققها المراكز الصيفية في ظل هذا الاهتمام المؤسسي ، وقراءتنا هذه تنطلق من مرتكزين أساسيين هما:
§     مستوى الشراكة ووحدة الانجاز المؤسسي في رسم صورة المنجز المطلوب ، فتظهر المتابعات والقراءات العامة أن معظم مؤسسات الدولة تضع لنفسها صيفها الخاص بها تسميه بما أرادت من أسماء و تعبر عنه بكلمات و عبارات تحمل في صياغتها الدعاية و الترويج، حتى اصبحنا نعايش أكثر من صيف في صيف واحد ، فكل مؤسسة لها صيفها الخاص بها، وكل مؤسسة تريد أن تبرز في صيفها ما لا يوجد عند غيرها، والتساؤلات التي يمكن أن تثار ما علاقة هذا الكم من الجهد بما ينجز على أرض الواقع، وما نصيب النشء من كل هذه الجهود إن قسنا ذلك بالنتائج المتحصلة؟ وما مستوى التنسيق الذي يتم ، و تكامل الأدوار المتحقق ؟ وهل سنشهد تفاعل الجهود من اجل عمل وطني مشترك؟ متى سيكون صيف مؤسساتنا هو صيف عمان فقط؟ بدون أن تتدخل في ذلك ايدلوجية المؤسسات؟ فتتبعثر الجهود وتضيع المبادرات الحاصلة بدون تقييم؟ وتهدر الأموال الطائلة التي أنفقت على المراكز الصيفية أو صيف المؤسسات بدون أن يكون له تأثيره في واقع النشء، فيصبح المسجد والمدرسة والنادي ومركز الضمان الاجتماعي وقاعة الصفوف الجامعية والكليات والمعاهد كلها تحوي طلاب عمان في صيف عمان، فلا تستأثر المؤسسة التعليمية بمدارسها، ولا المؤسسة الرياضية بنواديها، ولا المؤسسة الدينية الدينية بمساجدها ؟ ،
§        مدى وجود إطار عمل في التعامل مع المراكز الصيفية باعتباره مشروع و طني يستدعي توفر صيغة واضحة لعمله ومنهجيات مقننه لأدائه، و هنا يأتي دور  مجلس  عمان في رسم معالم هذه الرؤية، فإن وجود إدارة واحدة عليا لإدارة البرنامج الصيفي يشرف عليها مجلس عمان  هو الحل المناسب في تقديري الشخصي لبناء صيف يحقق الأهداف ويلبي طموح النشء، وتوظف فيه كل المبادرات والمشاركات والدعم المقدم من القطاع الخاص ومن مؤسسات الدولة المختلفة، من خلال استراتيجية  وطنية شاملة للمراكز الصيفية تتعامل مع كل المجالات الحياتية بشكل متوازن ، الدينية والخلقية والعلمية والأمنية  والقيمية والفكرية والثقافية والرياضية، بحيث تعتبر هذه الاستراتيجية بمثابة اطار لعمل وطني مشترك تقاس نتائجه وفق أدوات وآليات وشروط محددة تناسب والمتغيرات المجتمعية والطموحات الفردية، على أن تضع هذه الاستراتيجية خطوط عريضة وترسم صورة واقعية مكبرة للعمل الوطني القادم في هذا الجانب، وبالتالي أن يكون تحديد أولويات ومجالات عمل هذه المراكز وفق الحالة المجتمعية كأن يسلط الضوء في كل دوره على جانب وطني مهم يتم فيه غرس السلوك السليم والقيم الهادفة والمعلومات والأفكار البناءة في نفوس المناشئه حول هذا الموضوع أو ذاك من نواحي فكرية ودينية وثقافية وعلمية ومجتمعية وغيرها، ثم تقاس مستويات وعي المستهدفين من هذه المراكز حول هذا الموضوع،.وبالتالي تكوين رؤية واضحة للمراكز الصيفية بناء على الأولويات والمتابعات التي تمت لواقع التربية اليومية والممارسات، وبما تخرج به نتائج الاستقصاء والمتابعة واللقاءات والتقارير الشرطية والأمنية والفكرية والثقافية التي تعطي مؤشرات عامة حول واقع الشباب والسلوك العام
إن تحقيق هذا التكامل والشراكة في المراكز الصيفية  يستدعي النظر في توفر مجموعة من الآليات التي يمكن تبنيها من خلال الآتي:
§     تعزيز مبدأ التنوع في المسارات وتعددها وتمكين المستهدفين منها في الاستفادة من المتاح من بيئات تعلم وورش عمل وملاعب رياضية وغيرها بما يسهم في تقوية جانب الميول المهنية والشخصية بما يحقق الاشباع للملتحقين بهذه البرامج .
§     مستوى تناسب البرامج المقترحة مع الفئات والأعمار  المستهدفة، وأن يكون اختيار تلك البرامج وفق أطر محددة وضوابط مؤطرة واستراتيجيات تعليم وتعلم متنوعه تعطي جانب التوعية والتثقيف والوعي والترفيه نصيبا اكبر ، وتعتمد على التعلم الذاتي وممارسة السلوك وفق الاختيار الانسب مع وضوح آليات التوجيه والمتابعة والرصد والتقييم.
§     تأصيل جانب الثقافة الوقائية في عمل المراكز الصيفية  بحيث تشكل فرص دعم لتغيير السلوك وتعزيز الارادة الذاتية للفرد في الحياة والعمل ومواجهة الضغوطات اليومية والتعامل مع الاحداث والأفكار التي يتعرض لها الفرد الناشئ كمواجهة الشائعات، والاسلوب الحكيم في التعامل مع الاخبار التي تبث في وسائل التواصل الاجتماعي وما يتم تناقله فيها، وهنا من المهم تعريض المستهدفين إلى مواقف مماثلة وتأكيد انخراطهم في المجتمع وتعزيز دورهم في أن يكونوا القدوة في تبني الافكار البناءة والسلوكيات الايجابية .
§     مستوى الوعي الاجتماعي والأسري بالمراكز الصيفية واهدافها وآليات عملها واستراتيجياتها ومستوى فهم أولياء الأمور والأسر بالحاجة إلى هذه المراكز والتوجيه الأبوي في ذلك.
§     دور المراكز الصيفية  في تحقيق البناء الفكري للفرد، وأن ترسخ في ذهن النشء مفاهيم واضحة بعيدة عن السلبية أو القناعات الأخرى التي تؤصل لدى النشء حالات من التعنت الفكري والتعصب للرأي والتسرع في الحكم على الأمور لمجرد الاشاعات، وبالتالي إيجاد برامج تؤصل للفكر الايجابي السليم وقيم الحوار من أجل بناء الوطن وتحقيق تقدمه،
§        توظيف التقنية وشبكات التواصل الاجتماعي والانترنت في بناء إطار معرفي سليم يؤصل لدى الناشئة ثقافة النقد البناء والحرية المسؤولة.
أخيرا فإن موضوع المراكز الصيفية يضع في حيثياته الكثير من أجندة العمل الوطنية في سبيل الوصول إلى نتائج وثمرات يشعر بها الوطن والمواطن، فمع القناعة بأن المراكز الصيفية ليست العصا السحرية في معالجة مشكلات التربية والسلوك والتنشئة أو التحديات التي تواجه الشباب ، إلا أنها وسيلة للتقليل من حجم الاشكاليات المتوقع حدوثها في أوقات الفراغ وفرصة للترويح والاستجمام واحتضان الفئات الشابة في هذه الفترة التي تحتاج بشكل مستمر إلى مزيد من التذكير والتوعية والتثقيف ووضعها في مواقف تجريبية تظهر مستوى الوعي المتحقق لديها بجوانب حياتية ومجتمعية مختلفة، ومع كل ذلك يبقى نجاح الجهد المبذول في مستوى التكامل والانسجام والتوافق الحاصل بين مؤسسات المجتمع في رسم صيغة وطنية تحمل أولوية الوطن وتعبر عن إرادة مجتمعية حالمه في رصد نواتج التحول النوعي  المأمولة في المراكز الصيفية،

 وإلى لقاء آخر

تعليقات