عندما تقدر الكفاءات ماذا نتوقع أن يحدث؟ من أجل تطوير مؤسسي لبناء الحس المسؤول د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


عندما تقدر الكفاءات ماذا نتوقع أن يحدث؟
من أجل تطوير مؤسسي لبناء الحس المسؤول
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
31/12/ 2012م
‏06‏/05‏/2013‏ 01:14:45 ص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقاس مقدار تقدم أي أمة ونجاح أي نهضة بما وضعته من تشريعات وأنظمة تخدم الإنسان  وتلبي حاجاته وتعزز من طموحاته،  إذ بوجود هذه تنهض الكفاءات وتنمو وتتطور ، وأي أمة تؤمن بأهمية الكفاءات الوطنية فتقدم لها وتعمل من أجل وتعزز من دورها وتمكنها من كل ما يمكن أن يترجم ما تمتلكه من مهارات وأفكار ورؤى واستراتيجيات إلى واقع عمل قائمة على التجريب والابتكار والاختراع ، إنما هي أمة تؤمن بالإنسان العامل المخلص المجتهد، لأنها ترى فيه قوتها ونهضتها وعظمتها، ويصبح طرحنا لموضوع الكفاءة الوطنية التي باتت تغرد خارج السرب في ظل مرحلة جديدة من التحول الوطني الذي يفترض ان تكون فيه الكفاءة الوطنية هي من يقود السرب ويضع له اطار عمل محدد أحد الموضوعات المهمة التي ينبغي أن تعالج في إطار وطني تستشرف مستقبلها وتكشف واقعها وتتعمق في ما تمتلكه من افكار وخبرات وتفاعلات وتجارب غير مستغلة ، لعدم وجود الموارد الكافية لها، أو لأنها خارج إطار الموازنة الممنوحة أو أنها لم تأت ضمن خطة عمل المؤسسة، أو غيرها من الحجج والأعذار التي باتت تشكل مادة مستساغة من البعض يجد فيها متعة الحديث ، حول من ينبغي التلذذ بتجاربهم والاستفادة من خبراتهم وتقديم العون والدعم لهم من اجل حياة أفضل تنقلهم إلى مرحلة من تكريس الوقت والجهد في مختبراتهم ومعاملهم بدلا من البحث عن لقمة العيش أو ريالات تمنحهم الوقت للعيش كغيرهم من الناس.
إن طرح موضوع الكفاءات ومستوى التقدير والتكريم الذي يقدم لها في عالم اليوم يصبح أحد المعطيات التي يفرضها واقع العمل الوطني في ظل عملية التحول  والمراجعة النوعية التي وجه إليها مولانا جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، في ظل  معطيات باتت تظهر هجرة الكفاءات الوطنية أو تحول دورها، فاليوم نحن بحاجة إلى نمط جديد من الاهتمام بالكفاءة ، نمط يقوم على الشعور الوطني الذي تتفاعل فيه جهود الجميع من اجل الكفاءة الوطنية، بحيث  تضع فيه مؤسسات الدولة التشريعات واللوائح التي تسهم في بناء الكفاءات الوطنية وتوفيرها من جهة، ومن جهة اخرى أن تتضح رؤية المؤسسات في كيفية الاستفادة  من الكفاءات الوطنية وتوظيفها في خدمة التنمية وقضاياها في كل مجالاتها المختلفة،  إن نظرة تكاملية شاملة مؤطرة تحمل مستقبلا يبشر بخير من اجل الإنسان ، وتحلم بمستقبل واعد ينتظر انسان هذا الوطن، في ظل شراكة وتفاعل ورؤية موحدة تجمع جميع مؤسسات الدولة ويشارك فيها المال والاقتصاد والفكر والدين والتعليم والعلم والقانون والتشريع والتجربة والمشروع لحري بها أن تظهر في ظل  استشراف مستقبل التحول والمراجعة التي ينبغي ان تطال منظومة العمل المؤسسي كاملة في مزيد من الوصول إلى رؤية موحدة في البناء الانساني القادم وتقدير الانجاز الوطني والاعتراف بالكفاءة الوطنية،  وعملية المراجعة والتحول ينبغي أن تضع لنفسها فلسفة واضحة ورؤية محددة وآليات مقننه تتجاوز السلوك البشري الفردي والاجتهاد الشخصي واقتراح الواحد، إلى فعل وطني ورؤية وطنية وسلوك وطني يفوق أي تصور ويضع مصلحة الإنسان العماني فوق مل اعتبار منطلقا من الكفاءة في العمل والإخلاص في الاداء  باعتبارها هي اساس المنافسه وطريق التقدم ومعيار الأداء الناجح، وبالتالي  أن تأخذ عملية المراجعة في الحسبان جانبين مهمين الأول كيف يمكن أن نصنع القدوات ونصيغ القدرات ونوفر الكفاءات من خلال نظامنا التعليمي في جميع مراحله، وكيف يمكن أن تسهم أدوات التعليم وثقافة القائمين عليه ورؤية التعليم ورسالته وفلسفته في تعزيز الكفاءات الوطنية في ظل نظرة غير متفائلة من البعض وللأسف الشديد بعدم قدرة المواطن على تحقيق الرؤية التي يرغب هؤلاء في تحقيقها، ولذلك كانت الاستعانة بالكادر غير العماني هي السائد والشائع في مؤسسات التعليم العالي خاصة الحكومي منه والخاص ، إن تحقيق هذا الجانب يتطلب أن يؤدي التعليم دورا محوريا في حركة التحول القادمة ويعمل بكل جدية في بناء إطار واضح للكفاءة الوطنية وأن يضع في أهدافه تحقيق استراتيجية الموارد البشرية القادرة على تحقيق برامج التنمية والانخراط فيه بكل قدرة وثقة ومسؤولية،  أما الجانب الآخر فيتعلق  بمستوى ما يمكن أن يتحقق لهذه الكفاءات بعد مرحلة من الدراسة والعمل ، بمعنى إلى أي مدى تستطيع مؤسسات الدولة أن تقوم بدورها في ضمان  إيجاد بيئة مؤسسية قادرة على التفاعل مع ما تمتلكه هذه الكفاءات من مهارات وقيم ومبادئ وسلوكيات وخبرات وخيالات وتجارب، وإلى اي  مدى يمكن أن تتوفر لهذه الكفاءات البيئة الوطنية المواطنة التي ترى فيهم طريق التميز والجودة والرقي الوطني،  إن هذا الأمر بلا شك يفترض أن يتحول وبعد مرور 42 عاما من عمر النهضة المباركة إلى مرحلة تنقله من مجرد الاجتهاد الفردي المؤسسي إلى أن يصبح رؤية وطنية في كيفية تفاعلها مع الإنسان المواطن أو الكفاءات الوطنية، كيف تحتويها وتحتضنها وتحفزها وتعزز من مبادراتها وتقدر فكرها وتمكنها من التدخل في القرار المؤسسي وتحليل السياسات الوطنية في مجالات التنمية المختلفة، كيف يمكن لهذه  الكفاءات في المؤسسات أن تكون صوت المؤسسة والداعم الحقيقي لأي توجه تتخذه المؤسسات في إطار رسم رؤية المستقبل الذي ينتظره أبناء هذه الوطن في ظل توجيه مولانا جلالة السلطان بأن المرحلة الحالية والمستقبلية تتطلب من التعليم أن يؤدي دورا مهما في عملية البناء الوطني، تتجلى حقائقه في بروز الكفاءة الوطنية في كل ميادين العمل المؤسسي.
وعليه فإن هذه المسألة أي مسألة توطين  الكفاءات وتقديرها في المجتمع والمؤسسة يتطلب ثقافة جديدة وفكر جديد وإرادة قوية تعالج الموضوع في إطار وطني وتدرسه من منظور يستشرف مستقبل الوطن بأبنائه المخلصين الذين تحتضنهم مؤسسات الوطن، ويصبح لهم الحق في خدمة وطنهم في أي موقع من مواقع المسؤولية والواجب، وبالتالي فإن النظرة الضيقة لدى البعض وللأسف الشديد حول الكفاءات الوطنية وأن كل التقديرات بشأنها إنما تستند إلى تكهنات لا تعطي مؤشرات واضحة مدعومة بالحقائق والممارسة الفعلية والبيانات الدقيقة مما ترتب عليه ضعف مستوى الحكم عليها وعدم وضوح أدوات التعامل معها، والإشكاليات المترتبة في الفجوة الحاصلة بين المؤسسات في كيفية التعامل معها، وعدم وجود رؤية مؤسسة وطنية تحتوي هذه الكفاءات ، ووجود الثقافة السلبية من البعض حولها ، إن استمرارية وجود هذه الثقافة وجعلها إطارا تستند عليه المؤسسات في عملها  لا شك سوف يسهم في زيادة العجز في الرصيد الوطني المجيد في وقت لاحق إن لم تدارك الأمر بسلوك وطني في هذه المسألة، ولذلك ففي تقديري إننا كمؤسسات ما زلنا  غير مدركين لطبيعة التعامل مع الكفاءة الوطنية، ولا تتوفر لدينا مؤشرات العمل وأدوات القياس التي تساعد على الكشف عن تنامي المهارة الوطنية ونضوجها من عدمه وعملية التحول الحاصلة لها وردات الفعل المترتبة على السلوك الفردي الممارس من قبل بعض القائمين على المؤسسات التي يفترض انها تستقطب الكفاءة  الوطنية ، وعدم استيعاب طبيعة هذه القدرات والكفاءات والنظر اليها في إطار ضيق لا يتجاوز حدود البيروقراطية المؤسسية والدرجة المالية وعدم وجود المكاتب أو توفرها في المؤسسة، أو لصعوبة وجود البديل ، دون اعتبار لما تتمتع به هذه الكفاءات الوطنية من كفاءة عالية ومستوى تأهيلي جيد، وبالتالي أصبحت تدرس الأمور في منظور أقرب إلى الجانب الشخصي والرغبة الذاتية التي تتجاوز حدود القانون والنظام في بعض الأحيان، فقد يزهد في الكفاءة الوطنية وممن لهم الرغبة والإرادة في تقديم الغالي والنفيس من أجل وطنهم أو توظيف خبراتهم من أجل التنمية والتطوير،  ويكون لغيرهم ممن لم تتحقق فيه صفات الكفاءة النصيب  الوافر والحظ ، إن هذه النظرة الضيقة من البعض التي تنظر لموضوع الكفاءة من منظورات شخصية والتي ساعدت قناعاتهم التي بنوها في العمل المؤسسي في اتخاذها منهج عمل وسلوك معتاد لا يمكن الحياد عنه،  هذا الحال وللأسف الشديد هو الذي جعل الكثير من الكفاءات تغرد خارج السرب وتتفاعل في عالم آخر غير واقعها  الغريب بعض الشيء ، إنه عالمها يقوم على الصدق والإخلاص والوفاء والعمل من اجل الوطن والتنمية والتي لا يؤمن بها البعض ممن وكلت إليهم مسؤولية خدمة الناس والعمل الوطني،
وبالتالي فإن  حديثنا عن موضوع الكفاءات يأتي في ظل اتساع حجم الفرص المتاحة للإنسان العماني المتمكن والإنسان العماني الطامح الذي بقليل من التدريب والرعاية والاهتمام يستطيع أن يقدم لوطنه الكثير، ولا أدل على ذلك من أن زيادة حجم مؤسسات التعليم العالي الخاصة والعامة، وزيادة عدد الجامعات الحكومية القادمة، وزيادة عدد المؤسسات المعنية بالبحث والتحليل والدراسات والجانب النوعي في الفكر الانساني والتحليل والمؤشرات ،  يتطلب بلا شك نظرة جديدة تعطى للكفاءة الوطنية الفرص الواسعة بحيث تدخل في بيئتها التدريسية والإدارية والتقييمية الكفاءة الوطنية الطموحة التي سوف تسهم في القريب في رسم رؤية هوية التعليم من اجل عمان، هذا بالإضافة إلى أن التنوع في التخصصات الفنية في القطاع الحكومي والخاص وزيادة مستوى وجود الصناعات النوعية التي تحتاج للخبرة والكفاءة  يستدعي أن تعمل مؤسسات  الدولة جميعها في إطار رؤية وطنية في كيفية التفاعل مع الكفاءات الوطنية وكيفية دعم ومساندة الكفاءة الوطنية وتوطينها في المؤسسات بما يضمن  حصولها على مستويات من الدعم والمساندة في توظيف خبراتها وقدراتها من أجل الوطن والإنسان .
إن ما سبق الاشارة إليها يستدعي بلا شك مراجعة شاملة لفلسفة العمل الوطني من أجل الكفاءة، مراجعة  تتسع لتشمل اللوائح والأنظمة والقوانين على مستو ى المؤسسات والدولة حول الكفاءة الوطنية وآلية تعزيزها ووضع الأدوات والآليات الكفيلة بحمايتها والمحافظة عليها واحتضانها واستمرارية دعمها لتشكل هي بدورها الرصيد النوعي للأمة الذي سيدير عملية التحول ويتعامل مع دفة التطوير بكل وعي ومسؤولية وبكل حرفية ومهنية ،
إن أملنا في أن تسهم المراجعة الشاملة في عملية التحول النوعي التي يستشرفها الوطن في ظل رؤية وطنية متفاعلة تبدأ من التعليم بتفاعله مع التنمية والإنسان ، وتستمر مع القانون والتشريع بقدرته على تعزيز الكفاءة الوطنية وخلق بيئة العمل المؤسسي المعززة للانتاجيه والتنافس الشريف، والتي تجعل من الإنسان العماني هو موضوع التحدي القادم وفي الوقت نفسه موضوع العمل والأولوية في الإنجاز،  وعليه فإن المطلوب في تقديري أن تتحول مسألة الكادر الوطني من اروقة مؤسسة بعينها إلى  سلوك وطني تقوده احد مؤسسات الدولة المعززة بالارادة السامية والقوة الهيكلية المؤسسية والصلاحيات الممنوحة والكادر النوعي الذي ينظر في مستقبل الوطن من خلال كفاءاته الوطنية  وعندها يصبح للمسألة مسار واضح  ورؤية وطنية تتفاعل مع معطيات الحاضر والمستقبل، تؤكد خلالها جانب المحاسبية والشفافية الادارية والموضوعية والإخلاص في العمل المؤسسي وهي أمور تستدعي أن ينظر للكفاءة الوطنية من خلال منظور واسع يتجاوز جانب المادة والمال إلى مرحلة البناء النفسي والفكري لهذا الانسان وشعوره بأنه في مجتمع يقدر الفكر الاستراتيجي ويعزز من الرؤية الاستراتيجية ويؤصل لثقافة  الابتكار والإيداع ،  ويرى في التشريع والقانون طريقه نحو التقدم والرقي بفكره وزيادة مستوى حصيلته المعرفيه ، عندها يصبح هو رسول فكر وبيت خبرة وسبيل تحقيق النجاح وطموح وطني يجد فيه الوطن في يوم ما النواتج النوعية التي يطمح اليها، ويجني الوطن ثمار نهضته،  فهل ستقود المراجعة المرتقبة لذلك؟ هذا غاية القصد...
وإلى لقاء آخر

تعليقات