ثقافة الموظف ، هل تتناسب مع طبيعة المتغيرات الحاصلة في الوظيفة العامة؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com

ثقافة الموظف ،  
·       هل تتناسب مع طبيعة المتغيرات الحاصلة في الوظيفة العامة؟
·       وهل نحن بحاجة لإعادة صياغة المفاهيم المتعلقة بالآلية التي يتم فيها بناء ثقافة الموظف بالمؤسسات؟
·       هل من منهجيات عمل مؤسسية واضحة لبناء منظومة الثقافة المعرفية للموظف، وتوظيفها في خدمة الأداء المؤسسي، وما الذي ينقص مؤسساتنا في هذا الشأن؟
·       هل تتوفر مقاييس واضحة كمؤشرات للحكم على الثقافة الوظيفية المعرفية للموظف، وهل من استراتيجيات مؤسسية للاستفادة من الثقافة المعرفية للموظفين وتوجيهها في صالح العمل المؤسسي الوطني؟
·       لماذا تتعاطى بعض المؤسسات مع الكتاب والمثقفين وأصحاب الأقلام الواعية وتحليلاتهم الموضوعية في إطار عدم الثقة، وما المطلوب من أجل توجيه الأقلام  لتحقيق الصالح العام وضبط أي انحراف عن مسار العمل؟  

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
‏28‏/05‏/2013‏ 09:05:57 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطرح موضوع ثقافة الموظف تساؤلات كثيرة، ومداخل عدة، ففي  عالم تتجاذبه الكثير من التغيرات وتتداخل فيه الكثير من الثقافات والممارسات، وتتعدد فيه اللأفكار والقناعات، يصبح البحث عن إطار عمل موحد في بناء رؤية واضحة تسترشد بها مؤسسات المجتمع في التعامل مع هذا الموضوع اولوية لا تقبل التأخير،  فالثقافة العامة وهنا أقصد بها المعارف النظرية والمعرفية والعلمية والقناعات والأفكار – تعتبر  أحد أبرز العناصر التي تشكل الشخصية المهنية الاحترافية للموظف وتطبع واقعه المهني من خلال تعدد المواقف والتجارب اليومية التي تتكون لديه بتفاعله مع عناصر المنظومة المؤسسية المختلفة من جهة ومع الواقع الاجتماعي وعلى جميع الأصعدة، في ظل قناعة بأن موظف اليوم ليس موظف  الأمس، ومتطلبات الوظيفة العامة اليوم باتت تختلف عما كانت عليه قبل ظهور التقنية والمعرفة المعلوماتية وتشعب وتنوع دور المؤسسات، إذ أن هذه التجديدات لا شك أصبحت تتطلب تفكير استراتيجي  واعي مسؤول ورؤية مستنيرة، لا تقتصر فيها المسؤولية على فرد واحد بالمؤسسة بل تتعدد فيها مسؤوليات الجميع، ويمثل الموظف فيها مؤسسته في كل توجهاتها ومبادراتها،  وهو ما يضع الموظف بشكل أو بآخر أمام مسؤوليات جديدة أولها أن يؤمن  بالحاجة إلى إعادة صياغة دوره المعاصر ومسؤولياته المهنية المستقبلية والتي تتطلب منه جهدا مضاعفا وعملا فاعلا ووعيا وإرادة تصنع منه شخصا قادرا على التفاعل والمواجهة في الوقت ذاته.
إن ما تمت الاشارة إليه يجعلنا  أمام حقيقة تستوجب منا عملا فعليا محققا في التعامل مع موضوع ثقافة الموظف، وأن يكون لدينا كمؤسسات رصد فعلي لثقافة العاملين بمؤسساتنا، ونطاق عملها، وحدودها  ومجالاتها، ومصدر الحصول عليها، ولا يعني ذلك بأي حال من الاحوال أن نكون رقباء على الموظف ، نلقنه المعلومة التي نريد، ونعطيه الجرعة التي نرغب ومتى نرغب، نتحكم فيه كيف نشاء، لالالالا وإنما من أجل جعل هذه الثقافة والمعرفة المهنية المتحققة لدى الموظف طريقه نحو التجديد والجدية وتحقيق الطموح وبناء قدرته على توظيف ما لديه من معارف وثقافة مهنية في خدمة الإنجاز وسد النقص الحاصل في أي مجال من مجالات العمل المؤسسي،  وبالتالي نضمن وجود مستوى من المتابعة لنتاج هذه الثقافة المعرفيه على الفرد والمؤسسة، هذه المراجعات تضعنا ايضا امام تساؤلات اخرى منها: إلى أي مدى يمكن أن تساهم الثقافة المعرفية والمعلوماتية المتوفرة لدى موظفينا في ترسيخ روح العمل الاحترافي في المؤسسة؟، وفي المقابل إلى أي مدى يمكن أن يكون نقص هذه الثقافة أحد الاسباب المؤدية إلى ضعف مستوى الرضا الوظيفي للموظف؟- في ظل قلة المعرفة بمتطلبات الوظيفة ، أو بالإطار العام للعمل المؤسسي ، وبالتالي ما يؤثر في مستوى تقييمه للممارسة اليومية التي تتم داخل المنظومة المؤسسية التي يعمل بها، ثم ما نوع الثقافة التي نحتاجها في الموظف،  هل هي ثقافة مهنية معرفية بحته تتعلق بمتطلبات الوظيفة العامة والانظمة واللوائح والحقوق والواجبات والمسؤوليات، وأسس التفاعل التي تتم داخل المؤسسة مع المسؤولين أو الزملاء أو التعامل الخارجي مع المراجعين والمستهدفين من عمل المؤسسة، ومستوى التنوع في مجالات هذه الثقافة المعرفية لتتناول مجالات أخرى تتعلق بشخصية الموظف مثل: العلاقات الانسانية والاحترام والحوار؟ ثم لنتساءل من جهة أخرى إلى الدور المؤسسي نفسه، فهل البرامج التدريبية  المقدمة للموظف كافية في تغيير سلوكياته ومنهجيته في العمل والتعامل، وهل هناك فعلا برامج في بناء الذات وتعزيز الممارسات الشخصية لدى الموظف ومدى كفايتها في بناء موظف قادر على التفاعل مع معطيات الوظيفة العامة؟ 
لا شك بأن هذا الموضوع يطرح نفسه اليوم بشكل أكثر قوة في ظل تنوع الممارسات وتعدد التوجهات الحاصلة في العمل المؤسسي، والحاجة إلى ثقافة مهنية تتفاعل وتتواكب معها ثقافة شخصية قيمية أخلاقية ، تغرس في الفرد السلوك السليم والحس المهني القويم، والحس المهني المسؤول الذي تقدر الانجاز والمبادرات ، وتعطي الفرد الفرص لمزيد من الابتكارية والتجديد في العمل، وبالتالي فإن عملية ضبط مدخلات هذه الثقافة التي لها علاقة بالعمل المؤسسي أو بمعنى آخر ضبط ممارساتها وتوجيه هذه الممارسة لصالح العمل المؤسسي إن كان الفرد داخل المؤسسة، بحيث تشكل هذه الثقافة مصدر قوة للعمل المؤسسي، ومعيار تنافسية في انجاز افضل ومبادرة مفيدة، وممارسة أفضل،
وعليه فإن واقع العمل المؤسسي الحالي في هذا الجانب يشير إلى الحاجة المؤسسية إلى منهجيات عمل واضحة تتعامل مع ثقافة الموظف من منظور استراتيجي مؤسسي تراعي كل المتغيرات والمدخلات وطبيعة الوظيفة ومتطلبات تنفيذها، وأن تعمل هذه المنهجيات على تأطير ذلك من حيث تعزيز مصادرها وتنويع مداخلها وضبط مسارها بما يخدم العمل المؤسسي ويعزز دور الفرد في المجتمع، ويؤصل لثقافة الوعي والسلوك بشكل يجعل من الثقافة قادرة على الوصول للحقائق وربط القول بالفعل وبشكل ينعكس ايجابا على أداء الفرد وأداء المؤسسية بشكل عام، وبالتالي باتت عملية التنويع في  نوعية البرامج التدريبية والتأهيلية وتأصيل ثقافة التعلم الذاتي المستدام وخلق استراتيجيات متعددة للتدريب والتطوير المؤسسي وربط ما يتعلمه الفرد بما يحصل له من  مواقف وخبرات وتجارب ،من بين الأمور المهمة التي ينبغي مراعاتها في أي رؤية تطويرية بالمؤسسات، وهو ما يعني أهمية أن تكون ثقافة الموظف قادرة على التفاعل مع كل المعطيات والإجابة عن كل التساؤلات التي يتعرض لها الفرد في حياته اليومية، وأن تضع الموظف أمام مسؤوليته في التعامل مع فقه المؤسسة والمعرفة بكل التوجهات التطويرية التي تسعى لتحقيقها.   
وعليه فإن اعترافنا بأن هناك العديد من التحديات التي تواجه موظف اليوم ، يجعلنا على قناعة بأن الارتقاء بكفاءة الموظف وثقافته يتطلب بذل المزيد من الجهود والمبادرات النوعية التي تتصف بالتقنين والوضوح والحاجة الى إعادة صياغة المفاهيم المتعلقة بالآلية التي يتم فيها بناء ثقافة الموظف على مختلف المستويات، بشكل يركز على الاحترافية المهنية منطلقا من المعرفة الوظيفية بمتطلبات الوظيفة وفهم التفاعلات التي تدور في فلكها والقدرة على ادارة المعارف والأفكار والخبرات بطريقة تضمن الوصول ‘لى تحقيق الأهداف، وبالتالي تمكينه من  استقصاء المعلومات ذات العلاقة بوظيفته ومؤسسته  من خلال المعرفة المستندة على الأدلة في تطوير الممارسة المهنية، في ظل التزام ذاتي التوجه بمواصلة التعلم مدى الحياة. فهل أدركنا حقيقة ما يريده الموظف وما نريده منه ومسؤوليتنا نحو بناء ثقافته؟

وإلى لقاء آخر

تعليقات