التعليم استثمار مستدام هل حقا استطعنا اكتشاف أسراره والدخول في أعماقه؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.comالتعليم  استثمار بشري 
التعليم  استثمار بشري وتنموي مستدام،   هل حقا استطعنا اكتشاف أسراره والدخول في أعماقه؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
‏20‏/05‏/2013‏ 12:13:55 ص

·        * هل يمكن أن يتحول من النظرة الاستهلاكية الضيقة  إلى الرؤية الانتاجية الاستثمارية الواسعة؟
·        *كيف يمكن تصحيح النظرة إليه  عند الحديث عن الموازنات العامة للدول؟
·        *ولماذا على الرغم من ظهور نتائجه الايجابية في المجتمعات العالمية ما زالت نظرتنا نحوه تقاس بميزان الربح والخسارة والعائد المادي السريع؟
·        *وهل كان لهذه النظرة الضيقة للتعليم من منظور الاقتصاد المادي السريع أثرها في أوضاع التعليم وعدم  تحقيقه للجودة والمنافسة العالمية؟
·        *هل ستعطي المراجعة الوطنية للتعليم هذا البعد أهميته ، وهل ستتعاطى مؤسسات التمويل والاستثمار معه على أنه أولوية وطنية؟
·        *ما الذي على القائمين على الاقتصاد فهمه ، وأين تضع المؤشرات الاقتصادية العالمية التعليم كأداة نوعية لاستثمار وتقدم وطني؟
·        *هل يمكن أن تشكل توصيات  ندوة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يناير 2012م   بداية مرحلة نوعية في تصحيح هذه النظرة وتأكيد دور التعليم كاستثمار مستدام للموارد البشرية المجيدة ؟
د. رجب بن علي العويسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشكل التعليم في اقتصاديات الدول المتقدمة بعدا تنمويا استثماريا ضخما ، ويوفر عائدا ماديا ومعنويا كبيرا، ويسهم بشكل كبير في تعزيز الرؤية الحضارية وتحقيق مستويات عالية من المعرفة والوعي والإنتاجية المؤسسية والفردية على حد سواء،  ففي إطار ما يسعى  لتحقيقه والغايات التي يعمل في ضوئها تقدمت العديد من الدول واستبدلت واقعها المظلم بمرحلة جديدة من النمو والتطوير والتجديد ، وليس بخافيا على أحد دور التعليم في تحقيق النهضة التنموية للشعوب وتعزيز برامج التنمية والاستثمار وتوفير مستويات من الوعي الاجتماعي نحو الكثير من القضايا التي باتت تشكل أرقا على ميزانيات الدول بيد أن التعليم ومستوى التأثير الذي يحققه في أفراد المجتمع ونوعية البرامج والخطط والسياسات التي يعمل في اطارها اصبح من العائدات الاستثمارية الكبيرة للدول يفوق كل العائدات الأخرى كالنفط والسياحة والموارد الطبيعية وغيرها،  هذه الحقيقة هي ليست افتراء بل هي واقع محقق نشهده اليوم في الكثير من البلدان المتقدمة والمتطورة بفعل التعليم ومصداقية التوجه الوطني نحوه، والثقة التي غرستها قيادات تلك الدول ومجتمعها في المعلم والمورد البشري بشكل عام،  لذلك كانت موازنة التعليم في تلك الدول تفوق موازنة العسكر وغيرها ، للقناعة بأن التعليم هو اساس النجاح ، وهو معيار التنافس بل هو الطريق لجذب الفكر والمتعلمين والطلبة من انحاء العالم المختلفة، هو السبيل لبناء أمن وطني يسعد به الانسان ويوفر له الفرص المناسبة للعمل والعطاء، التعليم يعني مجتمع صحي معافى تقل فيه المشكلات وتنمو فيه الخبرات وتتكاثر فيه الكفاءات وتضمحل فيه المشكلات، لأنه يعمل على ايجاد الحلول المناسبة لها، ويضع مواطنيه على اهبة الاستعداد لأي تحرك يواجهه المجتمع بمعنى يعمل التعليم على ايجاد روح من العمل الوطني الوثاب من خلال تعزيز الابتكار والاختراع والإبداع والتجريب والبحث والنقد والدراسة وغيرها وهي حقائق ماثلة امام مواجهة أي تحدي ، والوصول إلى أي توجه وطني من أجل بناء منظومة الانسان المتكاملة،  ولذلك بات الحديث عن التعليم ليس على أنه منظومة وحدوية في المجتمع، وليس على أنه جزء  يعمل في إطار والمجتمع في اطار آخر، بات الحديث عن التعليم عن أنه من يحرك الاستثمار ، ومن يسهم في زيادة الاقتصاد ومن يعمل على مساندة رجل الأمن والمؤسسة الأمنية في مواجهة ظاهرة الجريمة المختلفة، بل هو المساعد للمؤسسة الأمنية لما يعمل على تحقيقه في البناء الإنسان من وعي وثقافة وفكر وصلاح وتقدم وحس مسؤول ورؤية معمقة ودراسة وتحليل للأشياء بمعنى آخر هو الطريق السلم لبناء شخصية الإنسان المواطن المسؤول والمساهم، والمناضل من أجل وطنه، إن التعليم هو الطريق لتعزيز الحوكمة وبناء الثقة والشفافية الوطنية ، وهو طريق الحوار والتواصل والاتصال والتفاعل مع القرار السياسي والوعي بكل التوجهات الوطنية على مختلف المستويات، لذلك لم يكن غريبا أن تهتم به تلك الدول وتعطيه ما يستحق، وتعمل على تأصيله باعتباره المرتكز الأساسي ومحور العمل الوطني في كل تجلياته الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وغيرها،
بيد أننا نعيش في مجتمعنا الاقليمي نظرة مغايرة لموقع التعليم في منظومة العمل الوطنية والمؤسسية،  لتصبح النظرة قاصرة عند توزيع ميزانيات الدول على من يحقق الربح المضمون أولا بل ولعمري فإن الربح المضمون هو في العناية بالتعليم  غير ان المضمون هنا بمعني الربح السريع الذي يغدق الأموال الطائله في فترة وجيزة نملأ به خزائننا في فترة لا تتجاوز الشهور ولا تتعدى السنوات البسيطة ، لذلك أصبت هذه النظرة الضيقة هي من يضع موازنات التعليم ويحتكر التعليم كفكر ومنهج ليصبح في الهامش المؤسسي عند توزيع الموارد والثروات وللأسف الشديد،  هذه النظرة عند اهل الاقتصاد الذي ينظرون للمسالة من ناحية الربح والخسارة  السريعة كان لها أثرها السلبي بلا شك على المنظومة التعليمية وما تستحقه من عناية واهتمام ومتابعة واثراء وما تستحقه من عمل وطني كونها ركيز ة كل تقدم ومحور كل تحول، وبالتالي اصبحت النظرة الدولية التي تعطي التعليم بعدا تنمويا واستثماريا بعيد المدى  على هامش جدول الأعمال، وهو ما ترتب ويترتب عليه على المدى البعيد العديد من الاشكاليات ، وهو في الوقت نفسه يحتاج الى معالجة سريعة ونوعية واعتراف بدور التعليم في التنمية والاستثمار البشري ، هذه النظرة الضيقة للتعليم اسهمت بلا شك في زيادة الفجوة بينه وسوق العمل وأعطت الفرصة للكثير من التجاوزات التعليمية التي تمارس في مؤسسات التعليم وتنأى عن الفعل التعليمي النوعي بمعنى ان يصبح التعليم طريق استهلاك بدلا من كونه استثمار وأن ينفق على التعليم الأموال التي لا تحقق الهدف ولا تصل الى المستوى المرغوب فالهدر التعليمي في المورد البشري والمخرجات التي قد لا تلبي التوقعات والسلوك الذي لا يعكس مستوى تأثير التعليم على البناء البشري والتحول الحاصل في  سلوك الشباب والمخرجات التي تبتعد في كثير من الاحيان عن واقع المسؤولية والحس الوطني بل قد تشكل في بعض الأحيان أداة للعبث بمقدرات التنمية وتجاوز الخطوط الحمراء للتطوير والتنمية الوطنية من خلال ضعف الممارسة نحوها والتعدي عليها وتبني سياسة الثقافة الاستهلاكية التي تنتظر أن يقدم لها كل شيئ على بساط من ذهب، هذه الوقائع هي نتاج هذه النظرة المالية ونظرة الاقتصاد الربحي نحو التعليم ليصبح التعليم في هامش الموازنات الوطنية لدى دول الاقليم،   وبالتالي كان لهذه النظرة الضيقة للتعليم من منظور الاقتصاد المادي السريع أثرها في أوضاع التعليم وعدم  تحقيقه للجودة والمنافسة العالمية، إن تحقيق الجودة التعليمية وبناء الموارد البشرية تستدعي الدفع بالمال من اجل الانسان وبناء كيان منهجي علمي له في عملية بنائه الذاتي وتطوير قدراته ، وهذا لن يتحقق إلا في ظل توفر رزم من الحوافز والمهارات والخبرات والكفاءات واستثمارها فيما بعد من خلال فتح مراكز الابداع والتجريب والتطوير والبحث والدراسات المستقبلية التي يمكن ان يبدع فيها الانسان ويستثمرها في علاج الاشكاليات والتفاعل مع التطلعات ، وتساعده في ايجاد بيئة مهنية قادرة على الدفع به نحو الأمام وتوظيف ابتكاراته نحو تحقيق أهداف التنمية والوصول بها إلى تصحيح مواطن الخلل وتشخيص جانب الضعف وعلاج موضع الألم ، وبالتالي يصبح التعليم المعزز بالموارد المالية الواسعة والميزانيات الوطنية  الكفيلة بتحقيق طموحات التعليم هو العامل المساندة للتعليم لتحقيق الجودة والتنافسية والكفاءة في مخرجاته،  وهنا نتساءل إلى أي مدى ستعطي المراجعة الوطنية للتعليم هذا البعد أهميته ، وهل ستتعاطى مؤسسات التمويل معه على أنه أولوية وطنية؟و ما الذي على القائمين على الاقتصاد فهمه ، وأين تضع المؤشرات الاقتصادية العالمية التعليم كأداة نوعية لاستثمار وتقدم وطني؟، إن  الحديث المستمر لرجال الاقتصاد والقائمين عليه  والساعين لتحقيق الربح الطويل بمدة قصيرة  لا شك بأنه ساهم في تعزيز هذه النظرة ليس على مستوى المؤسسات المختصة بالاقتصاد فقط بل على المستوى الشخصي ، فأصبح تداول الناس للتعليم على انه نوع من الاستهلاك، وأصبح الخطاب الرسمي في بعض الاحيان عندما يحدد موازنات التعليم  ينظر إلى المسألة من منظور الاستهلاك والخدمة العامة التي تقدم للناس والتي تحمل في مصطلحها على أنها غير مجزية أو غير محققة للمأمول في المجتمع أو غير استثمارية أو أنها  لها وضعها الزمني المؤقت، وهي في حقيقة الأمر نظرة تحمل العديد من الدلالات في مستوى الوعي المتحقق بالتعليم وأهميته ، والحاجة إلى نظرة تكاملية شمولية للتعليم تنظر غليه كاستثمار وطني  على المدى البعيد ، وينبغي أن نشهد اليوم حقيقة هذا الاستثمار وكيف يمكن للتعليم أن يكون  منتجا محققا للآمال ومؤصلا للتنمية وقادرا على تحقيق الانتاجية التي يطمح إليها الوطن من أبنائه، إن مسؤولية التعليم في المقابل أن يضع هذه الجوانب في أولوياته ويعمل على إزالة اللبس والتقول الحاصل عل التعليم كونه لا يرقى إلى الانتاجيه بل أن تصنيف التعليم من المؤسسات غير الانتاجية هو ضرب من ضروب التجني على التعليم والفلسفة التي ينبغي ان يعمل في إطارها والتوجه الذي ينبغي أن يتفاعل معه في تحقيق سياسة التنمية الوطنية، هذه المسالة بلا شك تستدعي فعل وطني تجتمع فيه مؤسسات التعليم والاستثمار والاقتصاد تناقش فيه الحقائق التي تقف وراء هذه النظرة والمؤشرات الايجابية التي يمكن ان تغير هذه النظرة للتعليم ،  ودراسة  المبادرات الاستثمارية التعليمية في الدول المتقدمة ودول  النمور الاسيوية وغيرها في كيفية توظيفها للتعليم من اجل التنمية والإنسان والتطوير وكيف شكل التعليم اهم استثمار في  تلك الدول حقق لهم عوائد كثيرة وأمال طويلة ما كانوا يحلمون ىبها ، وكم استطاعت جامعات تلك الدول ان تستقطب الملايين من الطلاب من دول العالم في سبيل العلم والمعرفة والتنافس وكم استطاعت مستشفياتهم بفعل التعليم وما أوجده من مراكز للتجريب والتطوير والإعداد والتأهيل والدراسات التجريبية حتى اصبحت مؤسساتهم تستقطب الملايين من البشر من دولنا،  وكم تطورت السياحة في بلدانهم بفعل التعليم من خلال ما اوجده من توجهات نوعية واليات مبتكرة في التعامل مع السياحة وفي تعزيز السياحة العلمية والثقافية وإيجاد منافذ جيدة واستثمارات متنوعة تعمل في جذب السياحة الايجابية الثقافية  بل وفي بناء الانسان المواطن والمقيم لديهم في تعامله مع السياح والثقافات الأخرى ودوره هو في تعزيز هذا المورد ومسؤولياته في خلق تواصل بينه كفرد وبين الشعوب الأحرى بل كيف يمكن أن يجعل من وطنه وطن السلام والأمن والاحتضان والاحتواء لكل الشعوب الأخرى حتى اصبحت تلك الدول بفعل التعليم متقدمة سياحيا ،  وانظر إلى الخبراء والعلماء ومراكز الاستشارات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والاستشرافية ووضع الاستراتيجيات المؤسسية الوطنية وبيوت الخبرة الدولية ومراكز البحوث التي تستقطبها مؤسساتنا وتدفع لها الملايين كيف استطاع التعليم أن يبرزها على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي حتى اصبحت دولنا تستقطب تلك الخبرات ومراكز البحوث والدراسات وتدفع لها الملايين من الأموال   كل ذلك وغيره إنما يأتي التعليم هو المحرك لها وهو الموفر له بل هو الطريق  لتحققه ، وهكذا يصبح التعليم هو المحرك أولا وأخيرا لكل برامج التنمية وهو المحرك للاقتصاد بل هو العامل الرئيسي في بناء اقتصاديات متوازنة واستثمارات متنوعة ،   
ان قناعتنا  الوطنية والمؤسسية هي ما يملي علينا  في قادم الأيام تعاملنا مع التعليم  وتعاطينا مع قضاياه  وتفاعلنا مع متطلباته، وتكاتفنا في معالجة تحدياته، علينا أولا أن تقتنع بأن التعليم هو المحرك للتنمية فلا بد أن يحظى بقدر كبير جدا من الاهتمام والرعاية والمتابعة والدعم والمساندة، وأن يكون التعليم هو الركيزة الأساسية عند النظر في الاقتصاد والاستثمار ، وأن  تتغير النظرة السلبية نحو التعليم على انه استهلاك للموارد والإمكانيات وخزانات الدول وأموالها، وأنها تصرف للتعليم وهي موارد غير مضمونه وغير محققة للتنمية أو الانتاجيه، علينا أن نضع استراتيجية التعليم باعتبارها اساس الانطلاق للخطة الوطنية الخمسية بحيث يكون للتعليم التأثير الذي يحدث في الواقع الاجتماعي والحقائق التي يبرزها على المستوى الشخصي والمؤسسي كفيلة بتغيير نظرة الاقتصاديين للتعليم وتغيير قناعات رجال الاعمال للتعليم وتوجيه القطاع الخاص والبنوك الى الاستثمار في التعليم  باعتباره الطريق المحقق للتنمية على المدى البعيد، فهل ستثمر التوجهات الوطنية  القادمة الى اعطاء هذا الجانب أهميته ، وهل ستعمل توصيات ندوة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة  التي انجزت قبل أيام إلى إدراك هذه الحقيقة في رؤيتها للتعليم وانطلاقتها منه كطريق للاستمار المستقبلي وبناء القيادات الاستثمارية القادرة على فهم الاستثمار والاقتصاد والتعمق فيه ووضع استراتيجية على المستوى الشخصي في إيجاد القناعات وتصحيح الأفكار لدى الناشئة نحو كل المتغيرات والمؤثرات في بناء فكر استثماري نوعي ناجح يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار في سعي حثيث نحو تحقيق قيم العمل المنتج والتعاون المجتمعي البناء وغرس قيم التكافل الوطني   بل وتصحيح الفكر الاستثماري النوعي التنموي المستدام في فكر الناشئة وإستراتيجية عملها، وتصحيح النظرة المغلوطة ايضا نحو القطاع الخاص والعمل الحر، ولنشهد في بيئة التعليم ظهور المدرسة المنتجة والجامعة المنتجة والمعهد المنتج بل والثقافة المنتجه كسلوك يومي تتلقاه الناشئة وتمارسه في مواقفها اليومية، إن التعليم هو القادر بلا شك على إيصال هذه الحقائق في فكر ووجدان الناشئة، وهو وليس غيره القادر على دفع الفرد لحكمة التصرف والاستثمار وبناء مهاراته في تحقيق العمل الانتاجي المثمر، 
هذا ما نأمله في القريب العاجل
وإلى لقاء آخر  



تعليقات