خطبة الجمعة والحلقة المفقودة؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com



خطبة الجمعة والحلقة المفقودة؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
6/7/ 2012م
‏11‏/05‏/2013‏ 12:01:51 ص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلنا يدرك كيف أن مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف جاءت وهي تحمل في طياتها أهداف وحقائق وتوجيهات قد نعلم بعضها وقد لا نعلم بعضها الآخر، وخطبة الجمعة من أهم الشعائر المرتبطة بهذا اليوم المبارك وصلاة الجمعة، والتي هي في حقيقة الأمر دعوة إيمانية صريحة نحو لم شمل الأمة وتعزيز بنيانها وتقوية أركانها وجمع المؤمنين على كلمة سواء، فيها يشعرون ببعضهم وواجباتهم نحو إخوانهم ، فيها تصفو النفوس وتعظم النفوس باتصالها بخالقها سبحانه وتعالى في مشهد عظيم وحمكة حكيم ، وفي مقامنا هذا لسنا بصدد الحديث عن يوم الجمعة وصلاة الجمعة بقدر ما هو حديث عن خطب الجمعة، ما يتداوله الناس بشأنها، وما يكتب في شأنها من أقلام الكتاب والمثقفين وبشكل خاص  من يكتبون في الثقافة والفكر الإسلامي، فحال الأمر أن خطب الجمعة اليوم هي أقرب لترديد عبارات السجع يتناولها الخطيب في صورة منمقة قد تكون قريبة بعض الشيء ولكنها في نظر آخرين أبعد عن الواقع، فواقع الحال هو ما إن يصعد الخطيب إلى المنبر إذا يبدأ باستخدام صوت واحد قل أن يتغير في نبراته، صوت أقرب إلى الاسترسال والسرد والقراءة ، وحال المصلين بين نائم يغط في غفوته، وبين من يقلب يديه ويعد أصابعه، وبين من ينظر يمنة ويسرة، وبين من ينظر للرسوم والزركشات الموجود بحوائط المسجد، ولو أتيح لهم المجال لاستغلوا ذلك الوقت في كتابة  رسائل الجمعة أو استغلال الوقت في كتابة بعض الأوراق ، فالخطيب في عالم بعيد عن تقليب مشاعر الناس ، فأسلوبه وطريقته ونموذج الخطاب بل ومحتوى الخطاب وطريقة العرض وأسلوب السرد كلها عوامل قد لا تحقق الغاية من الخطب الجمعية ، في وقت ينبغي أن تكون فيه خطب الجمعة المنبر الذي تنطلق من خلاله أفواج الناس لتترجم ما سمعته في واقع حياتها، هذه الحلقة في حقيقة الأمر مفقودة من نواحي عدة، فخطب الجمعة تأتي مكتوبة بأسلوب فصيح عربي أقرب على البلاغة واستخدام أساليبها الصريحة وهو ما لا يفقهه إلا من لديهم هذا العلم أو من لديهم قدر كبير من المعرفة، أو حملة المؤهلات العليا لأنها تحمل مضمون معرفي أكثر من المضمون النفسي والاجتماعي والإنساني والمشاعر، هي عبارة عن سرد معلومات ونقل أفكار بدون أن تصاغ في قالب تجديد الخطاب الديني ، لذلك قد تكون بعيدة  كثيرا عن قدرتها عل التعامل مع مختلف الفئات العمرية الموجودة في المسجد لأداء الصلاة ، وليس العيب في المحتوى الذي تستقي منه هذا الخطب دلائلها وإرشاداتها – حاشا  لله- بل العيب في طريقة تناول الموضوع، ومحتوى الخطاب ونمطيته ومستواه وعدم تطويعه بشكل يتأقلم مع النفوس ومتطلباته، والقلوب واحتياجاتها، فلا يراعي أي سن عمرية لذلك كما قلت حتى الأطفال لا يشعرون بتأثير هذه الخطب على نفوسهم لذا تجدهم يبدأون بالحركة والحديث الجانبي وافتعال بعض الأعمال التي تسبب بعض الإرباك للمصلين في المسجد أو من يستمعون الخطبة فما ذنب هؤلاء الأطفال وكيف لخطب الجمعة أن تتناول قضاياهم، وكيف لهم أن يفهموا ما فيها من مواعظ وذكر وتوجيهات؟ ، والأمر الآخر يتعلق بمحتواها فلا اعتقد أن تناول قضايا الشباب والمجتمع والتنمية والحياة يخرج الخطبة عن وجهتها الدينية، فالقرآن هو دين حياة يحمل تعاليم الحياة   " ما فرطنا في الكتاب من شيء" " وقالوا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" ، لذا تجد بأن الخطب تأتي في موضوعات متكررة قد لا تنسجم وطموحات الشباب وأفكارهم، وحتى وإن بدأت تتناول قضايا الشباب والمجتمع تجد بأن الطريقة والأسلوب والمحتوى لا يسعف الخطيب في إيصال الفكرة أو التأثير في فكر الناس فتظل مجرد عبارات تتردد هنا وهناك ويسمعها الجميع في كل خطبة، والسؤال الذي يطرح نفسه إلى متى سيظل الخطاب الجمعي بهذه الطريقة، ألا يدرك من يضعون الخطب الجمعية احتياجات الناس ومشكلاتهم والتحديات التي تواجه الناس في حياتهم، لماذا لا تكون خطب الجمعة الطريق لمساعدة الناس لفهم حياتهم وفهم أنفسهم ، إلى متى تظل علامات الاستفهام على الخطب الجمعية بالرغم من الدعوات لتجديد الخطاب الديني وجعله ملامس لحاجات الناس ، وفي الإطار نفسه يظهر أنه على الرغم من  السعي نحو تناول بعض القضايا الاجتماعية فإنه لا يتم تناولها في إطارها الايجابي ، على الرغم من أن في آيات القرآن وسنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ما يدعم ذلك، تراهم يتناولون الأمر من زاوية سلبية فمثلا عندما يتم الحديث عن المرأة فلا يتم ذلك على أنها هي المؤسسة للمجتمع، ولبنة بناء الأسرة بل لأنها الشر المستطير ويبدأ الحديث عن خروج المرأة للعمل والتسوق ومخالطة الرجال، ولبس المرأة وطبيعة المرأة وعورة المرأة،  ويتم تجاهل الجانب المضيء في المرأة: شجاعة المرأة حنان المرأة قوة المرأة دين المرأة علم المرأة ، المرأة والتنمية، المرأة والمواطنة، كل هذه الأمور في حقيقة الأمر تدعونا إلى إعادة النظر في هذا موضوع الخطب الجمعية من زوايا دينية وفكرية ومجتمعية وفقهية ، وهو ما يتطلب تكاتف جهود المؤسسات الدينية والتربوية والمجتمعية نحو بناء روح الخطاب الديني وتقويته في البناء الاجتماعي، وغرس الفكر الايجابي من خلال خطب الجمعة ليكون هو السبيل لبناء مستقبل أبناء الوطن ، وبالتالي فإن إعادة النظر في محتوى الخطاب الديني هو السبيل للخروج برؤية واضحة لهذا الموضوع، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل يمكن أن تكون خطب الجمعة عبارة عن تشخيص لواقع الحياة اليومية للناس في موضوعات الحياة المختلفة؟ بمعنى هل يمكن أن يكون محتوى خطبة الجمعة هو عبارة عن لقاءات قام بها الخطيب والجهات المختصة حول موضوع معين يؤخذ فيه برأي الناس وأفكارهم ومرئياتهم في قضية ما ثم تعاد صياغتها في إطارها الديني وفي شكل تقرير لتكون هي خطبة الجمعة التي يمكن أن تتناول قضايا الناس وتقترب من مشكلاتهم وتستجيب لتطلعاتهم ولتشكل العامل المساند للشباب لبناء حياتهم ووطنهم ، أعتقد بأن تحقق ذلك سوف يتيح رؤية أفضل للموضوع ويحقق انجاز اكبر، كثيرا ما نحلم به بأن يكون الخطاب الديني أقرب إلى كونه خطاب حياة يتفاعل مع أفكار الناس ووجدانيتهم وحياتهم، ولا شك فإن تحقق ذلك مرهون بتحقق مجموعة من المتطلبات وأولها  بناء قدرات خطيب الجمعة وصقل مهاراته وتعزيز مستوى الثقة فيه، بشكل يجعله يتأثر ويتفاعل مع ما يتحدث به وفيه، قبل أن يتأثر به الآخرون،  ومعنى  ذلك أن قوالب الخطب الجمعية الجاهزة التي لم تبني في ظل رؤية وواقع لن تحقق الغاية منها وستظل محل تساؤل واستفسار مستمر بدون أن نجد الجواب لهذه الحلقة المفقودة مع أنها واضحة لكل ذي بصيرة.
وإلى لقاء آخر

تعليقات