سلسلة في إدارة الذات (4) إزدواجيه القيم بين إنهزامية الذات وحب الظهور د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


سلسلة في إدارة الذات (4)
إزدواجيه القيم بين إنهزامية الذات وحب الظهور
" العلاقات الإنسانية في العمل "
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
في حياتنا اليومية مواقف عدة  وتفاعلات متعددة  نحتاج إلى الوقوف عندها لبرهة من الوقت لنستعيد أسلوبنا في التعامل معها ، ومنهجنا في التفاعل مع معطياتها، وأن نولد من خلالها  بدائل لحياة جديدة ، وزاد لنا في مواقف أكثر عمقا وأشد قوة، وأن نتعلم منها الكثير من المبادئ، وأن نؤصل من خلالها قناعاتنا الجديدة في تعاطينا مع حياتنا القادمة ، وتصرفنا في مواقفنا التي تتسم بالتغيير وسرعه التحول الذي قد  لا يكون الفرد  متهيئا له في حياته، ليس فقط الموت هو الذي لم يعد الكثير من الناس الزاد له بل حتى الحياة ذاتها، فكأن الواحد منهم لا يعرف له مقر أو مستقر ، لأنه يمشي بدون أن تتضح له هويه ذاتيه في من يكون هو ، وكيف يريد أن يكون، في حياتنا اليومية تجمعنا صلات كثيرة بين أسرة وأقارب وارحام وجيران ومجتمع، في المقابل تربطنا علاقات مع أشخاص رابطنا معهم هو المهنة أو زمالة العمل، التي يفترض على مر الوقت أن يشتد عودها وتقوى لتصل بالفرد إلى حد حب أخيه وليس العكس،  بيد أن الموضوع الذي أردت إثارته هو من يحدد لكل فرد قناعاته، ومن المسؤول عن تصرفاته؟ طبعا في الأساس المسؤولية فرديه، "كل نفس بما كسبت رهينه"، في كل مؤسسة هناك رئيس ومرؤوس حتى تستقيم الحياة  وينتظم العمل وتقوم المؤسسات بدورها ويتحقق المقصد من وجودها، كل منهم يعمل في إطار محدد إلا أنهم يكملون بعضهم بعضا، وكل منهم محتاج للآخر حاجة المؤسسة للشراكة والتفاعل والتكامل بين كل أجزائها، ولا يمكن ان تتحقق الغاية الا بتكامل جهود الجميع، هذه العلاقات والصلات التي يفترض أن تكون مبنية على قناعات واضحة وعلى صدق في التوجه، وعلى شعور ذاتي يتأكد من خلاله قيمة من نعرف وأهميته، ليس لكونه مديرا أو مسؤولا بل لكونه إنسان ميزه الله وكرمه وخلقه في أحسن تقويم ويستحق في المقابل الاحترام والتقدير وتذكر إحسانه والعفو عن إساءته، وبالتالي تصبح معرفة هذا المدير أو ذلك المسؤول ليس لكونه صاحب منصب أو وظيفه بقدر ما هي معرفة الانسان والتواصل معه كونه يستحق ذلك بل ومن حقه أيضا، فالمعرفة بالتالي للإنسان ذاته وما يحمله من سلوك وقيم ومبادئ وقناعات ومشاعر واخلاق وفضيله، كما قال الله في محكم التنزيل " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" هذه المعرفة التي تصل في النهاية الى حد الاندماج والاقتناع والحب للآخر، وهنا تأتي المفارقات في هذه القضية، ويظهر البون شاسعا فيما أردت الاشارة إليه في مفهوم العلاقات الانسانية المطلوبة، وهل التعبير السليم لهذا المفهوم هو الجانب المصلحي النفعي الذي يكون هدفه القرب المشروط بتنازل أو تقديم خدمات من هذا المسؤول أو ذلك، أم الجانب الآخر المتمثل في صدق المشاعر التي تترجم حقيقة الأخوة الايمانية ، فالفارق بين الأمرين كبير لذا كانت الأهداف مختلفة والغايات متباينة بل والأساليب مزدوجه، والطريقة المستخدمه تتجه طرقا شتى أقرب إلى عدم وضوح المسار والضبابية في الطريق، وبالتالي تتخلها الكثير من المجاملات وتنميق الكلام، في حين أن المسار الصحيح هو الذي يقابله المزيد من الشعور بالمسؤولية وحق الاحترام والتقدير والنصح ، هكذا نحن اليوم في عالم تتصارع فيه القيم وتضيع فيه قيم الشهامة والنصرة والاخوة امام الجبناء الذين لا يقوون على المواجهة ولا يحتكمون لمنطق العقل والفكر والدفاع عن الحقيقة حتى وان كانت ظاهرة أو حتى وإن كانوا هم من وضعوا اسسها ورسموا خططها وشاركوا في صياغتها وصناعتها وتطبيق برامجها، وما أن يتغير المسؤول إذا بهم يرمون التهمة والخلل فيه ، وكأنه صاحب جريرة، أو بأنه هو الذي دفعهم لاتخاذ هذه الخطوة أو هذا التوجه وهم غير مقتنعين به، بمجرد أنه قد لا يتفق وفكر ما جاء بعده في هذا الكرسي أو تلك الوظيفه، نحن في زمن ازدواجيه القيم وتناقض المبادئ التي بدأت وللأسف الشديد تستهوي قلوب الناس وتستفحل في نفوس الضعفاء منهم، باعو قيمهم الأصيلة لأهداف ومآرب شخصية ،  كما قال الشاعر : بعها فأنت لما سواها ابيع،  وهكذا تبدأ قصة الازدواجيه في أبسط مثال نتخذه رسما لنا في هذه اللطيفة، فعندما يتغير الرئيس أو المسؤول أو المدير أو غيره، ماذا يمكن أن يلاحظ من واقع حياة الموظف  في مجتمع القيم والمبادئ ، مجتمع الدين، مجتمع يجمع أفراده روابط أكثر من أن تعدى وتحصي، عندها لا يصبح للمروءة أي قيمة، ولا للعيش والملح  كما يقال الذي أكله هذا الموظف مع مسؤوله أي اعتبار، ولا يكون للقيمة والمبدا أي احترام، بل تتصارع في  ذاته أفكار شتى، أفكار بين انهزامية ذاتية ورغبة في الظهور ، والتظاهر بأحسن حال، وكأن كل شيء انتهى، أو إلى غير رجعه، حتى التقدير والاحترام والاعتراف باهل الفضل يتلاشى رويدا رويدا، بل حتى حقائق النجاح والانجاز التي قدمها يبدا الحديث عنها في إطار آخر وفلسفة جديدة، وكأنه الوحيد في هذه المؤسسة أو تلك من قرر وطبق ورسم ووجه وامر ونهى وأعد وخطط وكتب ووثق، ولا يوجد من اشترك معه أو شاركه في تحقيق الأهداف،  هل الوظيفه والمنصب هو أساس العلاقة بين الناس ؟ هل المال هو الوجه الأفضل والاسمى لبناء حياة الأخوة والزمالة؟ وقد يحصل أن يكون هذا المسؤول من أكثر الناس عملا واخلاصا  وأداء للمسؤولية إلا إنه لكونه قد  أزيح من منصبه، أو أحيل للتقاعد، أو أنه خرج من الاطار المهني ، إذا به يخرج من حياة هذا النوع من الموظفين، أولئكم الذي بنوا علاقاتهم على أساس المنفعة والمصلحة وتحقيق غاية في نفس يعقوب قضاها، فلما انقضت اتجهوا لقوم آخرين ولفئة لاخرى أو رئيس او مدير آخر حل مكانه، ما لهؤلاء القوم لا يفقهون قيمة الحياة ولا يدركون موازين التواصل والمعرفة، إلى متى يظل مفهوم العلاقات الانسانية قصرا على الخدمة المؤقته والمعرفة المؤقته، إلى متى تظل شيكات البعض بلا رصيد  بمجرد أن من قدم لهم الرصيد قد انتهى وليس بامكانه أن يقدم لهم ثانية، وهكذا  عندما يتغير الرئيس تتغير النفوس وترجع الى حقيقتها لانها ما كانت مبنية على هدى وعلم وتقى، إن هذا الشهر الكريم رمضان الخير وهو  يعكس صورا من التلاحم والتعاون والتواصل والتكافل، يدعونا إلى أن نترجم هذا الاهتمام بالآخر والحس به والشعور بدوره وما قدمه في سبيل هذا الوطن ليكون عملا مستداما لا ينتهي بانتهاء رمضان ، فأفضل الأعمال أدومها وهكذا أيضا عند الحديث عن تلك الفئة من القيادات والمسؤولين وغيرهم ينبغي أن لا ينقطع التواصل بهم، ولا ينتهي الحديث معهم، بل يستمر ويزداد قوة ، إن أعظم التواصل والمعرفة  التي أكدت عليها مبادئ الاسلام هي التي تستمر وإن تغيرت وظائف الاشخاص أو رتبهم ، وهي تلك التي لا ترتبط برابط منفعي تنتهي بانتهائها وتقوى بكثرتها والتي تتسم بتنوع مجالاتها وكثرة الطلبات التي لا يقوى على توفيرها غيره ، كونه في موقعه ومنصبه يملك القدرة والصلاحية على توفير هذه المتطلبات، هكذا وللأسف الشديد أصبحت نظرة الناس إلى القيم والمبادئ السامية.
إن المعرفة المهنية والعلاقات الانسانية بين الزملاء في المهنة ينبغي أن تسطر في واقع حياة الناس مثالا ايجابيا حيا على صدق التواصل وسمو الهدف المستند على أرضية قيمية واخلاقية مشتركة، فالأيام دول، وتلك الأيام نداولها بين الناس"، وكما قيل "يوم لك ويوم عليك"، إن العلاقات المهنية الناجحة هي امتزاج بين صدق المعرفة وسمو الهدف بهذه المعرفة – أي معرفة الأشخاص- لذلك لا ينبغي أن تكون حدودها مقتصرة على  مصلحة قاصرة عن بلوغ مفهوم الإنسانية الحقة  التي خلقها الله " لتعارفوا"  ولا ينبغي أن تكون النظرة في إطار مقياس الربح والخسارة كم يستطيع أن يقدم لي المسؤول الفلاني وكم يستطيع أن يسهل لي من أمور وكم أستطيع ان أستفيد منه في تحقيق مصالحي وغاياتي وأهدافي الخاصة، وما دام هذا المسؤول قد خرج من هذه المؤسسة أو تلك فلا قيمة له عند هؤلاء لأنه لم يستطع أن يقدم لهم ما يريدون أو ما يحقق لهم مآربهم وأهدافهم، ان الضمير الحي والحس المسؤول في ظل هذا التعدي على قيم الحياة والازدواجية في ممارستها والاستهتار بقواعدها  وتجاوز حدودها ينبغي أن يكون الرادع والمانع ومنظومة التقييم التي يمكن من خلالها نراجع ممارساتنا اليومية ندرسها ونشخصها لنصل الى علاج لها، وهي البدء بمراجعة ذواتنا وأهدافنا وممارساتنا، ونعمق النظر والفكر في كل المتغيرات والمؤثرات التي تغير من قناعاتنا وتؤثر في فكرنا ومنهج عملنا، أو قد تخرجنا عن فطرتنا السوية وتوجيهات ديننا القويم إلى سلوك آخر لا يقدم لنا على المدى البعيد النتائج المرجوة، ولا النواتج المتوقعه، ولننظر إلى حياتنا من منظار آخر يؤكد على أن حياتنا صنع أفكارنا وهي قناعاتنا وهي من يسير توجهاتنا، وأنه من الممكن أن نغير من أي ممارسة تظهر في واقعنا، ما دمنا نملك الارادة للتغيير الذاتي وشعورنا بمسؤوليتنا نحو غيرنا، وعندها لا ازدواجية قيم ولا أزمة قيم، لأن كل شيء يسير وفق السنن الكونية والفطرة السنية ويصبح ميزان العمل هو النقد الذاتي للشخصية والحرص على تقبل الآخر  والاعتراف به في اي موقع كان، ، وإزاء هذه الممارسات والحقائق اليومية التي تكثر في حياة الناس يأتي أهمية ان نجعل من كل مواقفنا وعلاقاتنا الإنسانية السامية  فرصة للمراجعة وإصلاح النفوس وتهذيب القلوب وطريق لتصحيح الخطأ وتوجيه الناس.
وإلى لقاء آخر

تعليقات