البحث العلمي والتطوير المؤسسي صنوان، لماذا يفترقان في مؤسساتنا؟ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com



البحث العلمي والتطوير المؤسسي صنوان،  لماذا  يفترقان في مؤسساتنا؟
§        هل سيكون البحث العلمي هو وسيلتنا للدفاع عن قراراتنا المؤسسية في قادم الأيام؟
§        وهل من رؤية وطنية تضع الجميع أمام مشهد تجليات البحث العلمي  في التطوير المؤسسي؟
§        ألم يحن الوقت لتقييم نوع
البحث العلمي والتطوير المؤسسي، د. رجب بن علي العويسي، تواصل ، 2006م
ية المنجز المؤسسي في إطار علاقته بنتائج بحوث العمليات؟
د. رجب بن علي العويسي
‏11‏/04‏/2013‏ 01:45:17 م
يمثل البحث العلمي أحد أهم الأساليب في الدراسة والتحليل وبناء المؤشرات، كونه اسلوبا منهجيا مؤطرا في التشخيص والتحليل والدراسة الواعية القائمة على وضوح المنهج ودقة الهدف وديناميكية الاسلوب وجودة النتائج وارتباطها في واقع الحياة المؤسسية والحياة العامة، ولذلك يرتبط نجاحه وتقدمه وعمقه وتأصيله في فكر اي أمه بتحضرها وسعيها للتقدم وأخذها بزمام المبادرة وقصب السبق في انتاج المعرفة والمساهمة في صنع الفكر البشري، وأيما أمة تخلت عن هذه المنهجية وجعلت البحث العلمي في آخر سلم الأولويات إنما هي أمة غير قادرة على صناعة نفسها وبناء حضارتها وتحقيق أهدافها، وإذا كان للبحث العلمي أهميته في الحياة العامة للوطن والتنمية فهو في المؤسسات من أهم عوامل نجاحها وتقدمها وبلوغها مستويات من الجودة والفاعلية، وقدرتها على معالجة الأزمات وتشخيص واقعها وبناء رؤية واضحة لمستقبلها، وقدرتها على الثبات في وجه المتغيرات والتحديات الحاصلة، والسؤال الذي يتبادر للذهن، أين موقع البحث العلمي في مؤسساتنا؟ ما نصيبه من الاهتمام والمتابعة والرعاية والدعم والمساندة؟ وكيف يتم التعامل معه والنظرة إليه؟ ثم هل  استطاعت المؤسسات النهوض بمستويات البحث العلمي بشكل يعزز من بناء قدرات أفرادها والعاملين بها؟ أو إلى أي مدى يتم توظيفه في إدارة العمل المؤسسي؟ لا شك أن الاحصائيات المتوفرة في هذه الجانب تتسم بالغموض وعدم الوضوح، وتذبذب النتائج المتوفرة إن وجدت، غير أنها تعطي مؤشرات  واضحة تدل على أن البحث العلمي وإن وجد في بعض المؤسسات إلا أنه لا يوجه للتطوير المؤسسي، فكم من الدراسات التي انجزت سواء على مستوى الأفراد أو المراكز البحثية أو لجان البحوث والدرسات أو من قبل فرق عمل مشتركة بين المؤسسات، وتظهر نتيجتها قصورا واضحا في العمل البحثي وتوظيفه في خدمة العمل المؤسسي، هذا البون والمفارقة تؤكد لنا الحاجة إلى مزيد من المراجعة والتأطير العملي والمتابعة ، وأهمية مؤسسة البحث العلمي في كل المؤسسات على اختلاف اختصاصاتها ومجالات عملها،  بشكل يجعل من  البحث العلمي أداة مهمة تحتاج إليها اي مؤسسة باعتبارها المنطلق الذي تبنى عليه خطط التطوير المؤسسي ، وتوجه في ضوئها أهداف المؤسسة ورؤيتها، وتكشف من خلالها موقع المؤسسة في منظومة العمل الوطني وما قدمته وما لم تقدمه وما يفترض أن تقوم به في سبيل تعزيز هوية البناء المؤسسي، بشكل يعتمد  على التخطيط المنهجي في كل خطوة يخطوها وفي كل مبادرة ينشدها وفي كل ممارسة عملية  يسعى لتأصيلها في واقع عمل المؤسسة،  هذا القصور في هذا المجال لا شك أن له أثره الواضح في كيفية إعدادنا للمورد البشرية وطريقة تأهيله، وآلية محاسبته، ونوعية البرامج التأهيلية والتدريبية الموجهة له، وإلى أي مدى تحقق له الطموح الذاتي من جهة وتسهم في التحول النوعي لأدائه من جهة أخرى ، أو في مدى قدرة المؤسسة على توظيف مواردها البشرية في بنائها التنظيمي وتحقيق أولوياتها، وبناء رؤيتها التطويرية، ومعالجة الاخفاقات واشكاليات التي قد لا تعالج بالشكل المناسب مع أنها ينفق عليها الأموال وتشكل من أجلها اللجان إلا أنها تستمر في اخفاقها لاقتصار العمل فيها على الاجتهاد والمحاولة والخطا، دون اللجوء إلى الصدق والثبات وتحكيم النتائج وتقنينها ، والوصول إلى مؤشرات واضحة للتحيليل والتفسير واستخدام المنهجيات التحيليلة والاحصائية المناسبة، التي تنقل الموضوع من حيز الفراغ والسطحية في تناوله، إلى حيز الدراسة الاستراتيجية والعمق التحليلي المؤسسي ليصبح نتائجها خطة عمل للمؤسسة في تحقيق خطة الدولة ورؤيتها التطويرية في بناء الإنسان وتحقيق برامج التنمية والتطوير.
إن الأصل في البحث العلمي أن يكون المنطلق للتطوير والتجديد، وهو المحك الذي تدور حوله كل الجهود المؤسسية ، ولذلك يحكم مسارها، ويحدد اتجاهها، ويؤطر لها حدود عملها، ويرسم لها مسارها المستقبلي، هذا المسار الذي يفترض أن يجعل من المورد البشري هو الغاية والهدف والوسيلة والطريقة ، وهو محصلة النواتج وخلاصة النتائج التي وصلت إليها هذه الجهود، ليحقق الآمال ويبني الطموحات، ولذلك لا يصبح للعشوائية أي وجود، ولا للفردية أي مكان، ولا للتجريب الذي لا يعرف ما قد يصل إليه – من باب صابت ولا خابت- أي وجود في المؤسسة، وما أكثر ما تعانية الكثير من المؤسسات اليوم من هذه التخبط والعشوائية في بعض الخطط والمشاريع والبرامج، التي تكون قد أنفقت عليها الكثير من الأموال، وسخرت لها الكثير من الجهود،  ولذلك فإن واقع بعض العمل المؤسسي يكشف عن الحاجة إلى تاصيل الفكر البحثي العلمي كإطار عمل رسمي في المؤسسة، ليكون هو المرجعيه في القرار المؤسسي، والطريق لتبني أي مشروع أو برنامج عمل، وهو الأسلوب الحاضر الوجود في المؤسسة عند مناقشة أي قضية أو دراسة أي سيناريوهات أو بدائل للعمل المؤسسي، تتطلبه أحد مراحله أو تتجه إليه المؤسسة على المدى القريب أو البعيد، إن مؤسسة البحث العلمي في مؤسساتنا باتت اليوم عملية ضرورية لا تقبل التاخير، حتى تستجيب لكل المتغيرات، وتحقق طموحات أبناء الوطن الذي خرج به الحراك الشبابي الوطني عام 2011، وبالتالي لا مجال لإثبات النجاح، أو لتوقع نتائج الفشل بالردود السريعه، ولا العبارات المنمقة، ولا الكلام الكثير ( ستنعمل، وسنفعل، وسوف نقرر، وسوف نتخذ، وشكلنا لجنة )أو الخ من العبارات والاساليب السائدة في المؤسسات أو من قبل البعض ليشكل ذلك زريعة له في تجميل ما صنع، أو ما قرر، أو ما اتخذ، أو ما اتبع من سياسات،  بل نحن بحاجة في مؤسساتنا إلى دفاع وحديث من نوع آخر، نحتاج إلى ان نسمع من المسؤول أو الموظف عند السؤال عن سبب تبني هذه الموضوع، أو سبب اتخاذ هذا القرار، أو السبب الذي دعا المؤسسة لأن تتخذ هذا البديل أو النمط الخ، أن يكون الرد بالأسلوب العلمي القائم على الدراسة المنهجية التشخيصية والاثرائية والتطويرية والتتبعية التي تتحدث على الملأ وتعلن أمام الجميع بأن هذا السلوك ليس عفويا أو ليس اعتباطيا بل سلوكا علميا منهجيا قائم على الدراسة والتشخيص والتحليل والبيانات والملعومات الاحصائية والوقائع العملية في الميدان المؤسسي، والممارسة الحاصلة في موقع التجريب ، عندها لا يكون للآخرين الذين يرغبون في الحديث عن المؤسسات وما تخطوه من خطوات والذين تنساب أقلامهم في الصحف والجرائد اليومية ليتحدثوا عن هذا القرار المؤسسي أو الخطوة التي اتخذتها المؤسسة الفلانية بأنها بعيدة عن الصواب أو قريبة منه، فلنترك للبحث العلمي ليتحدث عن مشاريعنا وبرامجنا وأهدافنا وغاياتنا وقراراتنا ، ولنجعل كل شي ضمن إطار استراتيجي مؤسسي، يسعى لتحقيق مصلحة المؤسسة، أو تحقيق مصالح الناس، أو تلبية احتياجاتهم أو وقوفا عند مطالبهم، ولا شك فإن البحث العلمي هو الطريق في الخروج من أزمة القيل والقال والحديث عما يتخذ في المؤسسات من قرارات، أو يتم تبنيه من أفكار وتوجهات، وعندها سيكون البحث العلمي طريقنا للدفاع عن أفكارنا، وما تم تبنيه من قرارات ومشاريع ورؤى واستراتيجيات، فهو مثبت بالقول والفعل والتطبيق والدليل، وليس بمجرد حديث صحفي عام ، يرفع من شأن المقال ليزين للناس على أنه الحق والواقع والصدق،  وعليه فإن جعل البحث العلمي هو مربط الفرس والهدف المعياري الذي تبنى عليه جهود المؤسسات هو عامل مساندة للمؤسسة وطريقها لتبني هذه الفكرة أو تلك، بل وقدرتها على الدفاع عما تبنته من أفكار أو رسمته من توجهات في مسار عملها المؤسسي، فيصبح التغيير بناء على مطالب شخص معين لحاجة في نفسه نادر الوجود، وبالتالي يظهر ثبات العمل المؤسسي ووضوحه وقلة التغييرات التي تسابق الريح في بعض الاحيان بما تتخذه بعض المؤسسات من سياسات متغيرة قد يكون السبب الرئيس فيها أنها اعتمدت على الاجتهاد والتجريب بدون أي فكر واضح أو رؤية محددة أو دراسة متعمقة لواقع القضية، أي بدون استنادها للبحث العلمي، وبالتالي فإن جعل البحث العلمي والتطوير المؤسسي صنوان لا يفترقان في مؤسساتنا يتطلب مؤسسة البحث العلمي وتعزيزه وترسيخه ودعمه في المؤسسات بحث يكون له هوية مؤسسية ومعيار عمل مقنن وضوح في خطط المتابعة والتقييم ، وإرادة مؤسسية توظف البحث العلمي في القرار المؤسسي، وعدم فصله عن واقع جهد المؤسسة، أو جعله لمجرد غطاء لكل الجهود بينما هو بعيد عن الواقع المؤسسي، وما أجمل أن يعزز البحث العلمي بشراكة مؤسسية وتبادل خبرات بحثية داخلية وخارجية، تستثمر في المورد البشري الوطني وتجعل منه الباحث الرئيسي لواقع المؤسسة الوطنية، آخذين بعين الاعتبار الاستفادة  من المؤسسات البحثية والمراكز العلمية المعنية بالبحث والتطوير  كجامعة السلطان قابوس ، ومجلس البحث العلمي، في توجيه المؤسسات في الآلية المناسبة لتوظيف البحث العلمي في التطوير المؤسسي الناجح. إنني آمل أن تثمر نتائج الاهتمام والمتابعة التي تقوم بها بعض المؤسسات عن فعل متحقق ومنجز عملي يضع جانب الاستفادة من البحث العلمي وتوظيفه في القرار المؤسسي موضع الاهتمام، ولا يكتفى في هذا الأمر بمجرد تشخيص الحالة بل بوضع تصورات وقرارات عمل واضحة تضع المؤسسات أمام واقع ليس لها أن تتجاوزه في توظيف البحث العلمي في القرار المؤسسي، وضرورة أن يكون البحث العلمي الموجه الرئيسي لأي قرار يتخذ في المؤسسات وبشكل خاص تلك المؤسسات التي لها علاقة بالتعليم والقضايا الاجتماعية والقانون والتشريع  لما يترتب على دراسة الجوانب النفسية والفكرية  والبيئية للأفراد المستهدفين من أثر إيجابي يمكن تحققه على مستوى التطبيق أو في كل مراحل تنفيذ العمل وتحقيق الأهداف،  وقد كنت آمل أن تضع حلقات العمل المنفذه من قبل الجمعية الخليجية للتربية المقارنة في مارس 2013م  والتي تناولت هذا العام جانب البحث العلمي وتوظيفه في صناعة السياسات هذا الجانب بشيء من الابتكارية والخروج عن المألوف المقتصر على أوراق عمل التي  لا يمت اكثرها بأي صلة بموضوع البحث العلمي وتوظيفه في صياغة السياسات وتحقيق الأهداف المؤسسية،  فإن الاشكالية التي ينبغي أن نشير إليها في هذا الجانب هو مستوى القناعة المتحققة لدى المعنيين من أصحاب القرار وراسمي السياسات بهذا الموضوع، والشعور المتحقق بأهمية وجود مرجعية علمية  تضع حدا لكل التجاوزات الحاصلة على مستوى المؤسسات في هذا الجانب،  إن تحقق هذا الأمر ووعي المختصين بهذا الجانب يحتاج إلى وجود قرار وطني يضع الجميع أمام حقيقة البحث العلمي والتطوير المؤسسي باعتبارها  صنوان ينبغي أن يظهرا حقيقة المنجز المؤسسي.
وإلى لقاء آخر

تعليقات