لا لمصادرة الفكر، د. رجب بن علي بن عبيد العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


لا لمصادرة الفكر:
وقفات مع الممارسات الحاصلة في استخدام وسائط التواصل الاجتماعي؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
23/8/ 2012م
‏30‏/04‏/2013‏ 02:58:23 م
    الخطاب السامي الذي وجهه مولانا جلالة السلطان المعظم لأبنائه طلبة جامعة السلطان قابوس في زيارته التاريخية الأولى للجامعة الفتية عام 2000م ، والذي ورد فيه الدعوة لمنع مصادرة الفكر ،  يحمل في طياته دلالات مهمة ونقاط عملية لبناء مستقبل الفكر الإنساني، بل وبناء الشخصية الإنسانية الواعية المدركة لمسؤولياتها، القادرة على التعامل مع معطيات الحياة ومتطلبات الوجود الإنساني بكل حرص ومسؤولية، خاصة وان الخطاب في الأساس جاء لطلبة الجامعة والتي يمثل الشباب الصاعد الواعد شريحتها الأساسية، وهم مربط الفرس في الحديث عن هذا الموضوع الذي نطرقه في هذه اللطيفة، إنه وبمعنى آخر يؤكد على ضرورة أن يكون الفرد صاحب فكر ورؤى متأصلة وقناعات ثابتة لا يمكن أن تلين لمجرد الشائعات ولا تنكسر لأن الآخرين يفكرون بهذا التفكير وبالتالي جاء التغير في الفكر استعطافا لهم أو استجابة لنداءاتهم، إن تأصيل منهجيه البناء الفكري للفرد تتطلب منه رفع سقف المعرفة والاطلاع والعلم والدراسة والتحليل لكل الجوانب التي تهمه وتهم مجتمعه،  ليقف منها موقف المدافع والمساندة للحقيقة والباحث عن الحق والناطق بالدليل والحجة والبرهان في كل ما يقال أو يثار من موضوعات تمس وطنه ومجتمعه وقيادته وسلطانه، فلا يكون إمعه كما ورد في الحديث " إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت" ، إنه يؤصل معنى مسؤولية الكلمة ومسؤولية الفكر، وأهمية توجيه الكلمة الوجهة السليمة التي تبني بها الأمة قدراتها وتعظم بها قوتها، ويضع أمام كل فرد النقاط على الحروف حول طبيعة ونوعية الفكر الذي يتبناه وهل هو يعبر في حقيقة الأمر عن قناعة ذاتية وإرادة واعية وحس مسؤول وفهم لمقتضيات العمل بالتشريع وقدرة على التحليل والدراسة المنهجية الواعية ، ولذلك ورد في الثر "استفت قلبك وإن أفتاك الناس"،  وبالتالي فإن العمل على منع مصادرة الفكر تتطلب إعداد الفرد وبناء مهاراته وصقل مواهبه وتعزيز قدرته على التحليل ودراسة وجهات النظر والتعمق في دراسة الموضوع والاستفادة من الأدلة وتوظيف المؤشرات والشواهد والتقصي والبحث ، والقدرة على التثبت من الأخبار ، وتبين الصدق منها، ومنع الإشاعات المغرضة، أو التقول بلا دليل، أو التحدث والكتابة بلا شواهد أو الانسياق وراء كل ما هب ودب والقيل والقال ، ونشر تلكم الأفكار المغرضة بدون تأن أو ترو أو دراسة لحقيقتها وبيان لمدى صدقها أو كذبها،  ما أشرت إليه هو مدخل للموضوع الذي أردت الحديث عنه، وهو أمر نتداوله في حياتنا اليومية وبخاصة فئة الشباب الذي هو أحوج إلى أن نبني مستقبلهم في إطار من الوعي والتبصر والحكمة في تناول الأمور ودراسة متطلبات الحياة، وهم في سن أحوج ما يكونون للتوجيه والأخذ بأيديهم نحو تحري الصدق، وتوظيف قدراتهم في كل ما يؤدي إلى بناء مجتمعهم وقوة أمتهم ونشر الخير في أسرهم، ولعل صفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك والتويتير وتوو  والواتس أب وغيرها) أصبحت اليوم تشكل جزء مهم من الممارسة الحياتية اليومية، فهي فرصة الناس لنقل وتداول الأفكار والمعلومات ، والتعامل اليومي ، والتي أظهرت وجود ممارسات مختلفة منها الايجابي ومنها السلبي، وما يتم نشره فيها من أخبار وما يتم تداوله بين الشباب من خلالها يؤكد الحاجة إلى تعزيز مستوى الوعي والحرص والفهم والاطلاع والثقافة والقراءة وخاصة بين الشباب حتى يكونوا على مستوى من المسؤولية والصدق فيما يتم تداوله أو نشره على مثل هذه الوسائط مما يمس المجتمع والوطن في مبادئه ومنجزاته ونهضته وقيادته ومنظومته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والفكرية والأمنية،  وأظهرت الأحداث الأخيرة وجود مثل هذه الممارسات  الغير مقبولة، حيث يلاحظ تناقل الشباب لبعض الأفكار والمعلومات والأخبار حتى ولو كانت غير صادقة أو بعيدة عن الواقع أو تمثل ممارسة فردية ولا يمكن تعميمها، ومحاولة نشرها على المجموعات في وسائط التواصل الاجتماعي  قد يكون بدون معرفة بحقيقتها أو مغازيها أو بدون قراءة لها في بعض الأحيان، أو قد يكون على نحو متعمد  إنكارا للحقيقة وطمسا للحق أو استدالا لثوب الحقيقة وتجني على الحقائق الماثلة للعيان، وقد تحمل أفكارا تناقض ما يؤمن به الفرد أو الشاب أو تتعارض مع قناعاته، ودون أن تمثل رأيه أو تعبر عن فكره ويتم تناقلها بدون تبصر أو تحرز أو وعي، ولا شك فإن هذا التناقل الذي يتم لمثل هذه الأفكار أو الإشاعات يمثل جزءا من عملية مصادرة الفكر التي يطلب من كل فرد فيها الاطلاع والمعرفة بما يقوم هو بنشره أو بإرساله أو الإعجاب به، أو بما يتم إرساله إليه من معلومات فيمتنع عن إرسالها لغيره أو يوجه النصح لمن أرسلها له بعدم إرسالها، أو يعبر بصدق عن عدم رضاه عما يتم نشره، أما أن يقف صامتا منتظرا موقف المتفرج والراضي فإن ذلك التصرف قد يوقعه في المحظور ويوقع عليه عقوبة القانون، وقد يعبر عن تبنيه لذلك الفكر أو لتلكم المعلومة، وبالتالي فإن ما ينشر من عبارات السب والشتم والتقول بلا دليل وبدون مؤشرات وإحصائيات واضحة أو منطق مقنع، أو ما يثار من قضايا خلافية وأفكار مذهبية ودعوات حزبية  وحرب إعلامية بين أفراد أو دول أو مؤسسات، وتريد لمعلومات مضلله أو أحاديث وتصريحات غير واقعية وغير ثابتة تنم عن الحقد والكراهية أو التقليل من الجهود المبذولة من قبل مؤسسات الدولة أو الحكومة أو غيرها ، يعبر عن الحاجة إلى إعداد الشباب إعدادا ثقافيا وتاهيليا وتعليميا وفكريا وتهيئته لتحمل مسؤولياته الوطنية، وهو ما يلقي المسؤولية على مؤسسات التعليم والقائمين عليها من معلمين وإداريين في إيجاد الأدوات المناسبة وتعزيز البناء الفكري للفرد في إطار بناء الشخصية المتوازنة التي تعزز لديه مستويات الفكر والسلوك والوجدان ليصبح على مستوى من الثقة فيما يمارسه أو يقوم به نحو نفسه ووطنه وأمته وقيادته، إن هذه الممارسات على اختلافها وتنوعها أظهرت وجود ضعف في مستوى الوعي والتحقق من صدق الخبر ، وأن الإشاعات باتت تشكل جزءا من ممارسات الشباب اليومية ، ولعل ظهور هذه الوسائط وسرعه وسهولة تداولها والوصول إليها  قد ساهم في تأجيج هذا الفكر السلبي وتسليط الضوء على الممارسات السلبية وإغفال الممارسات الأفضل في واقع حياة الناس اليومية كل ذلك لزيادة متعة التواصل والتحاور بينهم بدون أي تحرز أو مراجعة أو تقييم لها،
 وعليه فإن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن انتشار مثل هذه الأفكار واستمرار تداولها بين الشباب وفي المجتمع  يؤدي إلى اعتراف الفرد بها وأنها تشكل جزء من أفكاره ومنطقه ، وقناعاته، ورؤاه في الحياة، وهي تعبر عن حقيقة ما يحمله من أفكار وتوجهات ومعلومات وما يؤمن به من فكر وثقافة، وبالتالي فكأنه يتقمص أفكار الآخرين وشخصياتهم، ويحاول أن يعكس تصرفاتهم وأفكارهم في تصرفاته وسلوكه اليومي الذي يعبر عن رضاه وقناعته بما تم نشره أو بما قام بإرساله، كما أن الرضا بما يتم نشره أو تداوله وسعي الفرد ذاته لنشر تلك المعلومات والأفكار والأخبار دليل على مصادرة الآخرين لفكره وتقمصه لشخصيتهم، ومحاولة التحريض على نشر مثل تلك الأفكار التي ينبغي أن يكون الفرد في غنى عنها بعيدا كل البعد عن  كل ما يسيء إلى نفسه ووطنه وأمته، وبالتالي فإن المسؤولية الشخصية والوطنية تحتم على كل فرد أن يتحمل مسؤولية الفكرة والمعلومة والخبر وما يتم نشره في وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها من أفكار قد تكون لها أهداف خفية في مجتمع يؤمن بالتسامح والحوار والتعددية والتثاقف والانتماء والولاء لله والوطن والسلطان، فلا ينبغي ان يكون الفرد سببا لنقل أو تداول مثل تلك الأفكار أو المعلومات، وعليه أن ينأى بنفسه عن إثارة مثل تلك القضايا أو المسائل المذهبية والدينية والسياسية والفكرية والطائفية والفئوية أو التعرض لأي أحد بسوء، وبالتالي فإن الحكمة في التصرف والقدرة على التحليل بالشواهد والأدلة والموضوعية وعدم الاستعجال في الحكم على الآخرين، والعمل على تقديم الرؤى والتصورات والبدائل والنقد البناء هي الوسائل التي يمكن أن تقدم للمجتمع ما يرغبه وتحقق للوطن ما يتمناه من أبنائه، وهي المدخل لمنع مصادرة الفكر والوقوف صفا واحدا أمام كل من أراد أن يصادر فكر الشباب أو يغير من قناعاتهم الايجابية المتأصلة لديهم نحو وطنهم وقيادتهم.
وإلى لقاء آخر

تعليقات