منظومة تأهيل الموارد البشرية بين الفعل المؤسسي والطموح الشخصي ما المطلوب ؟ د. رجب بن علي بن عبيد العويسبي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي - مدونة الحوار- 2013م http://alhwaraleegabe.blogspot.com


منظومة تأهيل الموارد البشرية بين الفعل المؤسسي والطموح الشخصي
ما المطلوب ؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسبي
‏22‏/04‏/2013‏ 11:14:16 م
يشكل المورد البشري في سياسات الأمم أهم الموارد التي تعتمد عليها في تحقيق أهدافها ووصولها لغاياتها، وبلوغها مستويات عالية من التقدم والرقي، ومنذ البدايات الأولى للنهضة العمانية المباركة التي يقودها مولانا جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه  يوجه جلالته باستمرار إلى ضرورة أن ينال موضوع الموارد البشرية على اهتمام نوعي من قبل مؤسسات الدولية المعنية، وأن تتخذ في سبيله الحكومة كل الخطوات والآليات العصرية التي تعزز من بناء منظومة الموارد البشرية ،  وعلى مدى أربعه عقود عملت المؤسسات المختلفة بالدولة على محاولة تلمس هذا الجانب وتحقيق هذا التوجه، وإن كان في أكثره لم يكن بذلك المستوى من الدقة والموضوعية لافتقاد العمل المؤسسي إلى بيانات واضحة ودقيقة وقصوره عن توفير بدائل وسيناريوهات عمل متنوعة تعالج موضوع الموارد البشرية في كل المراحل التي مرت بها والفترات الزمنية التي تبعتها، ومع القناعة بأن الحديث عن منظومة الموارد يتطلب المزيد من القراءات المعمقة والرؤى التحليلية لتعدد مجالاتها وتشعبها وتنوع منطلقاتها وتزايد حجم التحديات التي تعترضها ، إلا أن حديثنا سيقتصر على جزء مهم من المنظومة والمتعلق بالتأهيل الوظيفي وما يتبعه من سياسات وما يرتبط به من ممارسات وما يستشرفه من رؤى تطويرية ، وما يظهره سلوك المؤسسات في ابتعاث الموظفين للدراسات العليا من حاجة ماسة إلى اعادة النظر والدراسة المتأنية الشاملة للموضوع ومنطلقات التأهيل الوظيفي وفلسفته في ظل منحى الأولويات ونتائجه على المستوى الفردي والمؤسسي، إذ أن عملية تأهيل المورد البشري في الواقع الحالي لا ترتبط باحتياجات المؤسسة وليس لها علاقة في كثير من الأحيان بالخطط المؤسسية والتصورات التي تقوم المؤسسات بصياغتها ، وهو أمر يؤكد الحاجة إلى وجود رؤية مؤسسية واضحة في منظومة  تأهيل الموارد البشرية وتوجيهها بحيث ينطلق عملها وفق احصائيات ومؤشرات وقراءات معمقة وبيانات واضحة،  فالقراءات الحالية إنما تعطي مؤشرات تقريبية، وليست احتياجات دقيقة مشفوعة بالأرقام والإحصاءات، أو أن المؤسسات غير مستوعبة لمجالات هذه المخرجات مهنيا، وهي ما تزال بحاجة إلى استكشاف آفاق أخرى يمكن لها أن تصهر هذه الكفاءات في بوتقتها، نظرا لغياب الميدان الحقيقي الذي يمكن أن تعمل فيه هذه الكفاءات أو المخرجات المؤهلة فتنتج ميدانا عمليا غير قادر على الاستفادة منها،
وعليه فإن أي توجه نوعي نحو الاستفادة من منظومة تأهيل الكفاءات يتطلب النظر إلى الآتي:
1-    أهمية بناء استراتيجية واضحة لمنظومة الموارد البشرية بالسلطنة تراعي طبيعة المدخلات وفق أنظمة ولوائح وتشريعات محددة تتسم بالعدالة والمعيارية تؤكد على أهمية الرقي بالمهارة وكيفية الاستفادة من كل الامكانات والكفايات . بحيث تشكل تلك الاستراتيجية المقننة مرجعية وطنية مهمة لعمل المؤسسات على مختلف وظائفها ومجالات عملها واختصاصاتها،  هذا الأمر هو ما تفتقده المؤسسات في عملية تعاطيها مع المورد البشري ومعالجتها للتحديات التي تعترضها في هذا الجانب، لذلك تجد البون الشاسع بين المؤسسات في عملية التفكير والتصور والعلاج لمحور الموارد البشرية مما شكل مجالا رحبا للاختلاف في الادوات والوسائل وأساليب العمل ونوعية التشريعات ومنظومة الحوافز والرعاية للموظف ، وظلت منظومة الموارد البشرية في جميع محاورها  قائمة على الاجتهاد مما حتم الحاجة الى وجود فلسفة واضحة لعملها، وإطار مؤسسي يضمن الوصول إلى توازن في أداء المورد البشري وعلاقته بالأداء المؤسسي ونوعية السلوك الايجابي الذي يمكن أن يرسخه الفعل المؤسسي في ذات الفرد الموظف بما يعود على المستقبل الوظيفي والأداء المهني بالفائدة، ويقلل نسب الفاقد  والفجوة الحاصلة بين التأهيل ومتطلباته والأثر أو النواتج المتوقعه منه على الفرد والمؤسسة والأداء الوطني العام.
2-    ضرورة أن تقوم كل مؤسسة بوضع تصور ورؤية متكاملة لكل الوظائف التي تحتاجها على مدى عشرين سنة قادمة بناء على دراسات مستفيضة وبحوث عمليات ومسوحات دورية ، وهو ما يتطلب بدوره إعادة النظر في عمل لجان الموارد البشرية  بالمؤسسات ودورها ومسؤولياتها ومجالات عملها،  في إطار تأسيس نظام مؤسسي يعنى بمسألة الموارد البشرية هيكليا وتخطيطا وتنظيما وتقويميا وتشريعيا ، ومستوى الحاكمية والمرونة والصلاحيات التي تتمتع بها، وبل ومستوى الجاهزية لديها في إدارة المورد البشري من خلال قدرتها على تشخيص الحالة المؤسسية ذاتها واستشرافها للفعل المؤسسي ، وأن تتوفر لديها السمات والأدوات والآليات التي يمكن من خلالها إعطاء صورة مكبرة للموارد البشرية تراعي فيها المستوى المنظور للكفايات المطلوبة في المؤسسة ومدخلاتها من الموارد البشرية في فترات زمنية معينة.
3-    إعطاء موضوع التخطيط الوظيفي بالمؤسسات أهميته في بناء منظومة الموارد البشرية بحيث تضع التصورات القادمة في إدارة الموارد البشرية معالجة شاملة لموضوع الموارد البشرية في جوانب التخطيط والممارسة والتقييم والتقويم  والحوافز والمكافآت والتشريعات والبرامج  وهو أمر يجب أن يأخذ على عاتقه ربط موضوع المسار المهني  بالترقيات الوظيفية والتحول من عملية وضع الجهد الفردي في دائرة ضيقة تقتصر على الفرد ذاته بدون قياس نتائج الفعل الفردي على الفعل المؤسسي،  إلى إيجاد قراءة أعمق ورؤية أوسع لمفهوم التخطيط الوظيفي ووضع أدوات وآليات عمل تقيس آلية  الاستفادة من الكوادر الوظيفية  المؤهلة  في المؤسسة مستوى التأثير المتحقق والالتزام المتوقع من الفرد.
4-    تعاني منظومة الموارد البشرية في المؤسسات حاليا من تشعب عملها وتقاسمه بين أكثر من جهة كالتخطيط والشؤون الادارية والشؤون المالية وتقنية المعلومات  وتنمية الموارد البشرية، وهذا بدوره يشكل عائقا في سبيل تكامل الجهود وخلق نوع من الانسجام في السياسات والخطط والبرامج، لذا كان من المهم توحيد مسار عملها وضبط متغيراتها وتقنين آليات وأدوات المتابعة والتقييم وأن يتم وضعها وفق هيكلية مؤسسية موحدة تضمن تحقيقها لأهدافها ورسم رؤية واضحة للموارد البشرية بعد عمليات التأهيل.، ولعل جانب الاستقالات وعملية الاستنزاف للمورد البشري المؤهل بوزارة التربية والتعليم إلى مؤسسات أخرى خير مثال يستدعي مراجعة معمقة لكل السياسات والخطط المعتمدة في هذا الجانب ومحاولة وضع المسألة التخطيطية والأدائية والحوافز أمام معالجات جذرية وبدائل متعددة .
5-    لم يسهم أسلوب التخطيط التشغيلي الوقتي  السائد في عمل الموارد البشرية في زيادة مستوى  الرضا لدى الفرد أو الذي يفترض تحققه من تأهيل العاملين بالمؤسسات، فقد أدى أسلوب  التخطيط وطريقة تعاطيه مع الحالة المؤسسية عامة ومنظومة الموارد البشرية خاصة الى زيادة  الفجوة بين  نسب عدد الملتحقين ببرامج التأهيل وقدرته على قياس مستوى الأثر النوعي المتحقق من ذلك على الفرد والمؤسسة، يظهر ذلك في جانب الحافز المؤسسي أو خلق تمازج نفسي وفكري بين  التخطيط والجانب الانساني لافتقار الأول إلى تلك النظرة الانسانية في التعاطي مع المورد البشري. لذلك أصبح موضوع التأهيل ينظر اليه لدى العديد من الموظفين كتحصيل حاصل ولم يكن له ما يعززه او يؤطر مساره  على مستوى المؤسسة بل لم يجد له الاطار التشريعي القادر على التعامل مع معطياته فهو لدى البعض أقرب إلى المواضيع الاستهلاكية التي لم تسهم في تحسن مسار الفرد وتوظيف خبراته ومهاراته، بل انقلبت وبالا على المؤسسة في كثير من الأحيان،  نتيجة للمطالبات الكثيرة من قبل تلكم المخرجات بوظائف أخرى أو ترقيات مالية تتناسب والجهد المبذول، في إطار الاستحقاقات المترتبة على ذلك والتي يفترض أن تستجيب للطموح من التحاق الفرد ببرامج تأهيليه  تكبد على أثرها الأموال وتحمل بسببها الديون بغية الارتقاء بذاته  وتطور مهاراته وأملا منه بأن هذا المؤهل سيضيف له في حياته المهنية انجازا يفخر به ويفاخر به ويضعه أمام واقع جديد والتزام مهني سام، أو على أقل تقدير  سيضيف اليه عائدا ماديا قد يكافئ الجهد الذي بذله من أجله،  لذلك تحولت المسالة من هدف التأهيل وسعيه نحو تحقيق رضا وظيفي يجدد الروح الوظيفية للموظف ويعزز الحس المسؤول لديه في توظيف خبراته ومهاراته وقدراته من أجل عمل نوعي وإنجاز مبتكر، إلى منحى آخر تمثل في  ظهور ممارسات وظيفية لا تحقق غايات الوظيفة العامة وتتنافى مع مبادئها من حيث ضعف الاهتمام وسلوك اللامبالاة لدى البعض ، وظهور بعض الممارسات التي لا تتفق مع مبادئ الالتزام اليومي أو المحافظة على حق الدوام الرسمي أو بانجاز متطلبات الوظيفه.
6-    ما زالت استجابة الإدارة المالية بالمؤسسات لموضوع الكفاءة المهنية في العمل المؤسسي غير كافية ويظهر عدم استيعابها لكل التطورات والتوجهات والمتغيرات الحاصلة، فاستجابتها للطموحات الوظيفية وإدراكها للمتغيرات المجتمعية ما زال ضعيفا لذلك ما زالت آليات عملها تتسم بالتباطؤ وتدني السرعة في كل ما له علاقة بالأداء النوعي والانجاز المبتكر، وهو ما يضعها أمام تساؤلات ونقاشات متكررة حول أهمية وجود هذا المال ولمن وكيف يوظف، وما علاقته بالأداء المؤسسي.
               إن الاستجابة لتلك الأطروحات تأخذ في الاعتبار ماذا تريد المؤسسة من مواردها البشرية في فترة زمنية ما؟ وأين تريد أن تضع مواردها البشرية ، وكيف يمكن أن تضمن تحقيق المنافسه مع المؤسسات الأخرى؟ وأين تريد أن تكون هي في فترة زمنية معينة؟ وإلى أي مدى تتوفر لدى المؤسسة القناعة في أن ما تقدمه فعلا يحقق أداء نوعي لمنظومة الموارد البشرية، ، وبالتالي فإن تلك التساؤلات وغيرها يستدعي الإجابة عليها معالجات لا تتسم بالوقتية أو الاجتهاد أو شخصنة الموضوع وفق ممارسات تحكمها أطر فكرية تفتقد للابتكارية والنظرة التفاعلية مع الاحتياج المستقلبي للمورد البشري،  بل هي معالجات تأخذ في الاعتبار كل الجوانب المتعلقة بمنظومة الموارد البشرية ، على أن تمتلك رؤية وقادرة على الدخول في العمق البشري طموحاته وأفكاره وتوجهاته  وتراعي متطلباته في عالم متغير في ظل استراتيجية واضحة ومنهجية عمل دقيقة وأدوات مقننه وإدارة مالية وفنية وفكرية وترويحية للموارد البشرية تأخذ في الاعتبار كل ما أشرنا إليه،   لقد أبرزت الفترة السابقة وجود دوائر تتعلق برعاية الموظف أو محاولة القرب منه إلا أنها لم تستطع أن تبرز ذلك التواصل والحوار المطلوب ووضعت الموظف أمام واقع آخر غير قادر على التأقلم معه لكثرة ظروفه ومتغيراته وتنوع تبعاته وتعدد متطلباته، فأصبح الهروب من الواقع  يأتي من خلال ممارسات لا تحقق المسؤولية المهنية ولا تعزز الحس المهني في وقت تخلى فيه البعض عن متطلبات الوظيفة العامة وتغيرت قناعاته المهنية نحو الوظيفة والمؤسسة، كل ذلك لافتقاد وجود رؤية متكاملة تعالج موضوع تأهيل الموارد البشرية وفق أطر واضحة ومنهجيات معاصرة تأخذ مفهوم الأمن الوظيفي والطموح والقناعة المهنية والرضا الوظيفي  والظروف أو المتطلبات اليومية التي يعايشها الموظف في الاعتبار ،
فهل ستؤدي جهود المراجعة المفترضة إلى تحقيق ذلك؟ - هذا ما آمله شخصيا. 
وإلى لقاء آخر

تعليقات