التعليم وتأصيل مبدأ العيش معا؟ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي الحوار


التعليم وتأصيل مبدأ العيش معا؟
·       هل أعددنا مدارسنا وجامعاتنا لتحقيق هذا المبدأ فعلا؟ وما الذي قدمناه في سبيل ذلك؟
·       لماذا يتجاوز البعض النظر في دراسة ثقافة المؤسسة التعليمية( المدرسة والجامعة، الخ) وخصوصيتها  عند الحديث عن دورها في تأصيل قواعد العيش معا؟
 د. رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
‏18‏/03‏/2013‏ 12:06:05 ص
(      http://alhwaraleegabe.blogspot.com        )
عندما جاءت التوصية الدولية بتطوير التعليم كان من بين أبرز أربع دعائم للتطوير المطلوب في رسالة التعليم ودوره في الحياة ومسؤوليات مؤسسات التعليم من مدارس ومعاهد وكليات وجامعات  تلك الدعامة التي تركز على التعليم والتعلم من اجل التعايش الإنساني هذا التعايش الذي هو في الأساس فطرة وجود الإنسان كونه مدني بطبعه وكان خلق الله للبشر ان اوجد فيهم النزعه الى الجماعة والانتماء إليها  بيد أن  هذا التعايش أو الانتماء لبني البشر والتجانس بينهم لا يتحقق في شكله الطبيعي الحر ويصل إلى حالته المرغوبة من خلال نظام واضح ومنهج مستقيم وطريق ممهد، لعل من بينها التعليم باعتباره طريق الوعي الإنساني وسبيل العيش من اجل حياة افضل وسعادة أدوم  لذلك كان حقا على التعليم أن يقوم بدوره الهام باعتباره  طريق الإنسانية نحو فهم الدين ومقتضياته وأوامره ونواهيه بل وفهم الحياة، وهنا كان على مؤسسات التعليم أن تعي هذا الدور وتدرك هذه المسؤولية وتضع الأدوات والوسائل التي يمكن من خلالها تأصيل هذا التعايش  وترسيخ هذا التكامل بين الإنسان وبني جنسه،  ناهيك عن أن الحديث عن المؤسسات التعليمية في تأصيل هذا التعايش يأتي في إطار طبيعة النوع البشري وتفاعلاته التي تحصل في اطار تلكم المؤسسات وما تحويه من خبرات وتفاعلات وثقافات وخصوصيات وتنافس وحراك واحتكاك ، هذا التفاعل قد يولد اشياء ايجابية وهي الأساس ولكن ايضا من خلال تعدد المصالح والنزوع نحو التنافس والرغبة في التقدم على الآخرين قد ينتج عنه  احتكاكا سلبيا يأتي دور المؤسسة التعليمية في تجاوزه من خلال اسلوب الخطاب وطبيعه التعامل ومنهج التوازن الذي تنتهجه ومناخ التواصل الذي تبتكره وأسلوب العمل والقانون والنظام الذي تحتكم اليه، وإلى أي مدى يكون لهذه العمليات دورها في ضبط بيئة التعلم وتعزيز مناخ التعايش ورصد واقع التفاعل وتعزيز قيمة التوجيه والنصح وصناعة  المثال الطيب والنموذج المضيء، ثم الى اي مدى تعكس الممارسات الحاصلة من المتابعين للعمل المؤسسي التربوي صدق الرغبة في بناء اطار للعيش المشترك مع الذات والآخر.
من هنا كان كانت المؤسسة التعليمية بكل مستوياتها  هي الأساس في ذلك فبقدر ما تغرسه في نفوس الطلاب، وبقدر تعاملها مع تلكم التفاعلات، وبقدر قدرتها على وضع الأدوات واستخدامها بشكل محترف متوازن، وبقدر وضوح الرؤية ومنهجيه العمل ودقة التوقيت بقدر ما يكون لذلك من اثر طيب على نفوس المتعايشين معا في تلكم البيئة، ولذلك تعتبر المؤسسة التعليمية بمثابة المقياس والمنطلق  في الوقت نفسه عند الحديث  عن التعايش الأسري والمؤسسي والوطني والاجتماعي والدولي، وهو بمثابة نواة تمهد الطريق لاتساع رقعه هذا الشعور بين الطلاب والمعلمين والعاملين في المدرسة، ليشمل ذلك الاسرة والمجتمع باعتبار الجميع سواسية امام القانون والتشريع والتوجيه .
ولذلك كان لا بد أيضا ان يكون لهذا الجانب وجوده في منظومة العمل المؤسسي في المؤسسة التعليمية العليا أي بمعنى آخر أن تضع المؤسسة قواعد وأسس للتعايش والتكامل الإنساني الذي يفترض أن يبدأ من المدرسة وتتحقق نواتجه في المدرسة اولا وتؤصل القناعات بشأنه من الصف الدراسي كما ذكرت سابقا ثم يتسع ليشمل المدرسة برمتها، بحيث تضمن هذه القواعد والأسس والمعايير تحقق العدالة المتبادلة وتفعيل الدور المطلوب من كل فرد وتعزيز منابر الحوار والتواصل والثاقف والتكامل وترسيخ ثقافة المدرسة المواطنة والجامعة المواطنة التي يعمل فيها الجميع من أجل تحقيق اهدافها ويسعى الجميع لأن تكون ادواتهم موجهة بشكل يضمن الانسجام وتقاسم المسؤوليات وتكامل العمل، وهو ما يعني في المقابل ان الايمان بمفهوم التعايش يتطلب أن تنتهج المؤسسات التعليمية مجموعة من النهج التالية:
§       وضع اطار تشريعي ينظم عمل المدرسة ويؤصل لثقافة التعايش ويضمن حصول الجميع على حقوقه وإتاحة الفرص له في بناء منظومة التعايش الانساني المدرسي، كما تضمن ايضا فتح المجال وإتاحة الفرص امام الجميع في المبادرة بتقديم كل ما من شأنه تقوية رباط التواصل الانساني وتعزيز التعايش المدرسي  بين جميع الأفراد وبمختلف الفئات والعناصر، هذه اللائحة التشريعية يجب أن تتسم بالدقة ووضوح الغايات والأهداف وتضع آليات وأدوات محددة تضمن الوصول الى تحقيق مبدأ التعايش في بيئة التعليم.
§       من الأهمية بمكان أن تكون قواعد العمل من أجل التعايش الإنساني في بيئة المدرسة  عادلة  وسارية في  المستهدفين منها جميعا، بمعنى أن لا تقتصر المسألة على الطالب فحسب فهو الذي عليه ان يفعل ويطبق ويلتزم ويحترم، بل يكون التعامل مع هذه القواعد من الجميع فيسري على الطالب ما يسري على المعلم ومدير المدرسة وولي الأمر والمستخدمين جميعهن، وبمعنى آخر ضرورة احتكام الجميع لتلك القواعد وانضوائهم تحت لوائها كما  يضمن ان تراعي مبدأ الخصوصية المهنية وطبيعة المهن الموجودة بالمؤسسة التعليمية.
§       تعزيز منابر الحوار وتأصيل ثقافته في بيئة التعليم، باستخدام ادوات عدة وبدائل متعددة وتوظيف المواقف التعليمية في صناعة السلوك الحوار ي ، هذا يتطلب بلا شك فتح قنوات الحوار والتواصل وتأكيد حضورها في كل التفاعلات المدرسية في الاجتماعات وطابور الصباح والتقييم والزيارة الصفية والخطاب التعليمي ومعالجة السلوك غير المقبول  وفي إطار تطبيق اسلوب التوجيه والردع والزجر ،  وبالتالي يضمن هذا الحوار جانب الاعتراف بالآخر وحقه في التعبير عن ارادته وإبداء رأيه وترسيخ المشورة في العمل المدرسي ، والشراكة في صناعة القرار، وتشكيل فرق العمل، وتعريف العاملين بكل ما يستجد من اعمال ورؤى وتوجهات .
§       إن بناء قواعد العيش معا تتطلب بلا شك الاهتمام بدراسة الثقافة التنظيمية للمؤسسة، ودراسة الحالة المؤسسية بما تحويه وبالتالي ان يكون الاهتمام بالثقافة المؤسسية طريق او مدخل لدراسة ثقافة الافراد وبيئاتهم الاجتماعية وظروفهم وأحوالهم ومستوى معيشتهم ، هذا بدوره يتطلب أن تضع المدرسة من بين اجندتها دراسة طبيعة الخطاب ونوع الكلمات التي تقال ومنطق الحوار الذي يتم  وبالتالي ان تشكل دراسة الفرد من جوانبه النفسية والفكرية والبدنية والإعاقات والظروف الصحية والقدرات العقلية ومهارات التفكير  وغيرها مدخلا مهما للمدرسة والمعلمين في احتواء اي اشكاليات قد تنجم عن سوء فهم لأسلوب او سلوك احد العاملين بإيذاء طالب او ضربه أو التلفظ عليه بأي لفظ أو وصفه بأي لقب،  فإن لمثل هذه الأمور أثرها في مستوى تحقق التعايش  المدرسي.
§       ينبغي ان تشعر المدرسة الطالب بانها بيته الثاني وانها وجدت لتكسبه الحياة والوجود والتعايش وترسخ فيه عوامل النجاح والتميز وتضع له معايير التنافس وبالتالي كان لا بد وان تضع  في الحسبان أهمية التقارب الفكري والترابط الروحي والتواصل الاجتماعي مع الطالب وشرائح المجتمع التعليمي على حد سواء، وبالتالي من المهم ان تهيأ للجميع البيئة التي تضمن المساندة والدعم والتي يقدم فيها الجميع مبادراته وإبداعاته ويحقق انتمائه من خلال ما يبرزه من عمل نوعي، هذا بدوره يضمن لمفهوم التعايش أن يتحول الى مرحلة جديدة من الانتماء المؤسسي والشعور بوحدة الهدف ورؤية العمل في اطار موحد.
§       إن موضوع ثقافة المدرسة يطرح نفسه بقوة عند الحديث عن مبدأ التعايش، فدراسة البيئات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والحوارية والأسرية للطالب، سوف يمثل خطوة مهمة في تحقيق الهدف، وبالتالي كان لا بد وأن يكون هذا الجانب في ذهن صانعي السياسات والمتابعين للمدارس من مشرفين اداريين وتربويين ومن لجان العمل التي تزور تلك المؤسسات او تراقب وتقيم المواقف التعلمية اليومية التي تضمها الصفوف وقاعات الدراسة والمختبرات.
§       ترجمه قواعد التعايش في برامج المدرسة ومناهجها وأنشطتها وفي اللقاءات اليومية التي تجمع الطلاب خارج الصف الدراسي ،  وإلزام الجميع بتبني نهج العمل القائمة على الحوار والشراكة والانجاز من اجل الهدف والتكاملية والانسجام مع تأكيد وجود اختلاف بين بني البشر في طريقة وطبيعة امتلاكهم لطريقة وآلية  العمل من اجل  تحقيق مبدأ التعايش.
§       وإشارة إلى ما سبق أضيف نقطة أخرى تتعلق بدور المؤسسة التعليمية في تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة والممارسات الخاطئة التي لا تخدم تحقيق مبدأ العيش معا، ففي ظل ما يتداول من ثقافات سلبية وقناعات متغيرة وأفكار تظهر في بعض الممارسات والتصرفات غير المقبولة في المجتمع والتي تعكس ضعف مستويات الوعي لدى البعض حول مفهوم التعايش والتربية للحوار والتواصل والتعامل مع قضايا التنوع الثقافي والخصوصيات والحاجة المجتمعية الى ايجاد منابر مؤسسية وطنية للأفراد الآخرين ترسخ لمبدأ التعايش وتربي النفس على حق اﻻخر في ان تكون له المؤسسات التي يجد فيها احتوائه واحتضانه كان من المهم ان تغرس هذه التربية في مناهجها وبرامجها وخططها مفهوم التعايش وتقبل اﻷخر وحقه في ان تكون له المؤسسات التي تلبي رغبته وتمنحه الفرص في تحقيق ذاته في اطار من الاحترام المتبادل واحترام الخصوصية الوطنية والمحافظة على القيم لذا كان من المهم ان تعمل مؤسسات التعليم على ترسيخ هذا الفكر وتأصيل هذه القناعة وتربية النشء على قبول اﻹختلاف والتعايش مع اﻵخر وان تعمل في ظل وضوح اﻷدوات على بناء هذا المنهج في نفوس النشء، وأن تصحيح الذات وإصلاح النفس هو الذي ينبغي ان يقدم له الفرد ما يملك بحيث يركز على هذا كمنطلق يرسمه في حياته ويعطي الآخرين فرصة للتمتع بحقوقهم والقيام بطقوسهم في ظل احترام الأديان وخصوصية البلدان
 إن ما أشرت إليه يأتي في إطار العديد من الدعوات  التي تؤكد الحاجة لأن يتطور دور المدرسة ويتفاعل مع مستجدات الحياة ويعمل على رسم خريطة واضحة للإنسان في حياته في تعايشه مع الاخرين وتعامله مع الطبائع المتغيره لرفقائه وزملائه وأقرانه وبني جنسه، ويأتي في إطار ما احدثته التكنولوجيا من نزوع نحو الذاتية والفردية والتعدي على حق التعايش في بعض مجالاتها خاصة إن لم تجد من يوظفها من اجل التواصل الانساني ، وفي ظل هذا  التراجع الحاصل من الطلبة والمعلمين في دور المدرسة وقدرتها على ضمان وجود البيئة  النفسية التي تحتوي الطالب والمعلم   وتضمن دافعيته وشعوره بأهمية المدرسة في صياغة حياة جديدة له تعزز لديه مبادئ الحياة السامية المتفائلة التي يشق من خلالها طريقه نحو مستقبل مشرق وحياة هانئه.
كم نحن بحاجة لتذكير المدرسة بهذا الدور وتحسيسها بهذه المسؤولية وعدم تركها وحيدة في ظل امواج متلاطمة وأحداث متجاذبه، وكم هي المدرسة بحاجة لأن تثبت قوتها وقدرتها على التأقلم مع كل المتغيرات.
وإلى لقاء آخر


تعليقات