نتائج السلطنة في الدراسات الدولية ومحددات المراجعة التعليمية المفترضة؟ د. رجب بن علي العويسي

د. رجب بن علي بن عبيد العويسي الحوار


نتائج السلطنة في الدراسات الدولية ومحددات المراجعة التعليمية المفترضة؟
§       هل ستعيد النظر في نوعية التجديد المطلوب بالمدارس؟
§       وهل ستبرز المراجعة القادمة جدية التوجه نحو إعادة هيكلية المدارس وإيجاد وحدات فنية ( للرصد، والتحليل، والتشخيص والتقييم، والبحث، والمقارنات، ودراسات الحالة)؟
د. رجب بن علي بن عبيد العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
‏12‏/03‏/2013‏ 09:45:01 م
(      http://alhwaraleegabe.blogspot.com        )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   يثير موضوع نتائج السلطنة في الاختبارات الدولية  في العلوم والرياضيات واللغة العربية( Timss & Pirls)، والتي حصلت فيها السلطنة على نتائج متأخرة جدا وعرضت في لقاء تربوي جمع بعض المسؤولين بوزارة التربية والتعليم وفئات مختلفة من العاملين في المدارس والمختصين في هذه المواد  بتاريخ 10/3/ 2013م يثير تساؤلات عديدة ويستدعي مراجعات متنوعة وآليات عمل محددة ورؤى تطويرية واضحة لمنظومة التعليم في جوانبها المختلفة وتأكيد لا يقبل النقاش على ضرورة الانطلاق من المدرسة في أي توجهات لسياسات التعليم وخططه وبرامجه،  بحيث ترقى هذه المراجعات إلى الطموح المجتمعي الوطني المتوقع من التعليم، وفي الوقت نفسه أن يتحمل التعليم كمنظومة ومؤسسة  وموارد وأفراد مسؤوليته الوطنية في هذا الجانب، هذا لا يعني بأي حال من الأحول أن تكون المسألة مقتصرة على من أشرنا إليهم بل أن المراجعة تستدعي رؤية وطنية حول موقع التعليم من منظومة العمل الوطني ومدى كفاية جوانب الدعم المادي والخبراتي والتشريعي المقدم للتعليم وكفاءته في تحقيق الجودة المنشودة منه . وبالتالي ضرورة أن تكون هذه المراجعة فعل حقيقي يعكس صدق التوجه وليس لمجرد خطاب دعائي  ينشد حشد الرأي العام إلى الجهود التي تبذل ، في ظل ما يردده  البعض مستصيغا هذه الجملة مهووسا بهذه العبارات " أن الاقتصار على مشاركة السلطنة في هذه المسابقات لوحدها كافية لتعبر عن صدق التوجه ورغبة المؤسسة التعليمية في تطوير ذاتها وتحقيق الجودة" ويظل ترديد هذه العبارات لتشكل حصن يحتمي به البعض من الاعتراف بالقصور والحاجة إلى جلد الذات ، في حين أن النتائج تشير إلى هناك عملا يجب أن تؤديه المؤسسة التعليمية  ودورا محوريا يجب أن تتعاطى معه وأن تؤسس له آليات واضحة تضمن قدرتها على الوصول إلى الهدف المنشود، وأولويات يجب أن تصاغ برؤية الجميع تعكس واقع العمل المبذول ( المنجز والمتوقع أن ينجز والمفترض أن ينجز)، فلست هنا بصدد سرد  النتائج فهي معلومة ومعلنه للجميع ولكني هنا أحاول أن اضع  بعض المحددات المفترضة والتي أرى من الضرورة ان تضعها المؤسسة التعليمية في أجندتها القادمة في سبيل معالجة جذرية لما أظهرته نتائج الدراسات الدولية وغيرها من حقائق، والتي يمكن الإشارة إليها في الآتي:
·        الحاجة إلى اعادة صياغة فلسفة التعليم وضبط أهدافها في كل مرحلة تعليمية، بحيث تعمل كل الآليات والجهود المتبعة في تقييم وعمل كل مرحلة على تحقيق هذه الأهداف، هذا بلا شك يستدعي وجود أهداف واضحة ومعلومة من المجتمع والمعلم والطالب فيما يراد من التعليم الأساسي في حلقته الأولى والثانية ، او التعليم ما بعد الأساسي على أن تسهم هذه  الصياغة في تعريف كل المعنيين أفرادا ومؤسسات في بلوغ هذه الأهداف، إذ من خلال وضوح فلسفة التعليم  يمكن تحديد نطاق العمل وطبيعة الجهود المبذولة ومدى قربها او بعدها من تحقيق الاهداف المعيارية والغايات الأساسية من كل مرحلة  ومستوى تركيزها على الاولويات وتوفر ادوات تقييم ومتابعة ضمن توجيه المنجز لصالح الهدف.
·        القرار التعليمي والحاجة إلى أعادة هيكلته من خلال منظومة العمل المؤسسي، وهو ما يعني اعتماده على الدراسات التشخيصية والمؤشرات العملية، واتساع مستوى الشراكة فيه وعمق الرؤية التي يحققها، وإتاحة الفرصة لمزيد من الدراسة له والرصد والمتابعة لمستويات العمل به او مدى تقبله وطرق واليات تنفيذه، ومدى تحقيقه للغايات الانمائية للمؤسسية.
·        طبيعة القراءة المؤسسية لمنظومة الموارد البشرية وإعادة  نظام إدارتها من خلال رؤية واضحة وخطط عمل محددة، وأن تبرز في مدخلاتها ومخرجاتها مستوى تحقيقها للأولوية المؤسسية، ناهيك عما ينبعي أن يتوفر لها من عمليات الدعم والمساندة والتقييم الفعلي والمراجعة لكل خطواتها في إطار بناء الكفاءات المؤسسية الوطنية،  وبالتالي كان ينبغي أن تركز على مستويات عاليه من التخطيط والتقييم والمراجعة لها في إطار أولويات المؤسسة والحاجة إلى الكفاءات وتقدير نوعية الكفاءة المطلوب  في فترة زمنية قادمة لا تقل عن خمسة عشر سنة، هذا الأمر يستدعي بالتالي أن يكون مستوى التدريب والتأهيل والإعداد يعكس مؤشرات واضحة وحقائق دقيقة للانجاز الفردي والرؤية المؤسسية، وما يتبعها من عملية تقييم وتحقق أثر التدريب ووضوحه وارتباطه باحتياجات العاملين ونواتج توظيفه في العمل المؤسسي بدءا من الصف الدراسي إلى الإدارة المؤسسية، وإزالة الاشكاليات الحاصلة في هذا المجال والتي تولد لممارسات سلبية في الاداء التعليمي.
·        توجيه المواد المالية بالمؤسسة لخدمة الإنسان وبناء ذاته وتطوير مهارات وصياغة شخصيته، في ظل معايير عمل محددة، ومرجعيات دقيقة في هذا الجانب تعتمد الكفاءة والموضوعية والشفافية في العمل، وبالتالي أن يوجه المال لهذا الجانب بحيث تكون له الأولوية على الشكليات والاحتفاليات والتي تأخذ الوقت الأكبر والجهد الفردي والمؤسسي أكثر من تركيزها على أولويات تعزز الأداء التعليمي وترسخ لمنهجية العمل المنظم، هذا يتطلب أن يكون المال موجه للعمل المؤسسي النوعي وصناعة القدوات المؤسسية وتأكيد قيم العمل المنتج ، وبالتالي إعادة صياغة إدارة منظومة المال المؤسسي بما يضمن تحقيقه ىهذا الجانب وبلوغه هذه الغايات.
·        تأكيد العمل المؤسسي على أهمية اعطاء موضوع القناعات المهنية  وما يتبعها من دافعية وشعور بالمسؤولية اهتماما أكبر في منظومة صقل الكفاءات ، وبالتالي يتطلب الأمر مراجعة دقيقة للتشريعات واللوائح المعمول بها في المدارس ومؤسسات الوزارة المختلفة بما يضمن توظيف الفرد لكل مهاراته وقدراته وإمكانياته في العمل المؤسسي والوظيفة العامة والصف الدراسي، وأن يكون هذا الاهتمام الطريق لتقديم انجاز نوعي مبتكر وهو في الأساس  ما تحتاجه الطلاب في المدارس باعتباره لتحقق جودة الأداء التفاعلي الصفي الذي يقدم للطلاب والذي تعكس نتائج الدراسات الدولية عدم تحققه بالشكل المطلوب.
·        مستوى المرونة والتفاعل في الأداء التعليمي والانسجام الحاصل بين السياسات والبرامج والخطط والممارسات، بما يعني إلى أي مدى تشعر المدارس بأنها تقدم خدمة تعليمية جيدة تتناسب وقدراتها واستعداداتها، وتشعر فيها بأنها قادرة على صياغتها وتوجيه إطار عملها وفق ما يتناسب وثقافة المدرسة وخصوصية العمل التعليمي ذاته، وهو ما يستدعي التأكد من مستوى التمكين والصلاحيات الممنوحة للمعلم في صفه وللطالب في اختيار ما يدرسه ، هذه الخصوصية لا تعني بأي حال من الاحوال تنوع اختيار المناهج بقدر ما هو تنوع في الآليات وفق الخصائص الجسمية والنفسية والفكرية للطلاب، ووفق الخصائص الاجتماعية والبيئة والمجتمعية بالنسبة للبيئة التعليمية للمدرسة مع قناعتنا بأن موضوع الصلاحيات لا شك يستدعي قياس مستوى الوعي المتحقق لدى ادارات المدارس وغيرهم بمفهوم الصلاحيات والحدود المتاحة وتحقق الشفافية والموضوعية ووجود مؤسسات الرقابة والمتابعة المساندة  لهذا الجانب.
·        هذه النقطة أيضا تدفعنا للحديث عن مستوى التمكين للطالب في بيئة التعلم والمتاح له في تقرير واختيار تعلمه، ومدى مراعاة الجوانب النفسية والفكرية والذكائية والعقلية له، بل مستولى الاحتواء والاحتضان الذي يشعر به الطالب في تعلمه والأمان المتاح لها في التفكير والسؤال والإجابة وحرية التعبير ، وبالتالي فإن هذا الجانب  لا شك يعتبر احد المحددات المهمة سواء في ايجاد بيئة مدرسية جاذبة للطالب من الناحية الشعورية والنفسية او احساسه هو بأنه جزء من عملية التفاعل ، هذا الموضوع يأخذ في الحسبان مستوى الثقة التي يمنحها نظام التقويم للطالب وأدائه وثقة الطالب ذاته بأن قدراته ومهاراته يضمن لها النماء والاستمرارية والاستدامة والتفوق.
·        نعتقد جازمين بأن هذه المرحلة تستدعي منا الانطلاقة من المدرسة باعتبارها وحدة لكل توجهات العمل فهي وحدة للتدريب والتخطيط وبناء الرؤية وصياغة الهدف ورسم السياسة، وهو ما يستدعي أن توجه كل الجهود من أجل المدرسة ودراسة كل التفاعلات التي تحصل بداخلها وبناء ارضية فكرية نفسية لها من اجل انجاز مهامها، وبالتالي فإن أي جهد أو رؤية تقوم بها المؤسسة ينبغي أن تنطلق في الأساس من المدارس، وأن تكون المدارس مؤسسات للبحث والتقييم والتحليل والتشخيص واحتضان الكفاءات والخبرات من إدارات المدارس والمعلمين، على أن ذلك يتطلب اعادة النظر في هيكلية المدرسة ونوعية الكادر المتوفر بها ومستوياتهم الوظيفية وأدوارهم التخصصية، وأن تنشأ بالمدرس  وحدات تهتم بما اشرت اليه من تقييم وتحليل ووضع الرؤى ودراسات الحالة ورصد الواقع وتحليل المؤشرات وتجريب الادوات وأن يوظف الموقف التعليمي بكل تفاعلاته من اجل تحقيق هذا الهدف. هذا الامر يستدعي ايضا اعداد المعلم لاكتشاف تلك التفاعلات الصفية وأن يقوم بدور الباحث والراصد للموقف التعليمي وأن تكون لديه القدرة على اكتشاف تفاعلات الصندوق الأسود هذا الأمر في ظل  ما اشرت اليه في النقطة الأولى يستدعي مراعاة جوانب ومتغيرات اخرى في الاداء التعليمي في كل مدرسة والخصائص المرتبطة بها.
·        إن السؤال الذي يمكن طرحه في ظل الحديث عن مستويات متدنية في الاداء التعليمي هو إلى أي مدى تعزز الممارسات الحالية في المدارس جوانب الابتكار والإبداع والنوعية في المنتج التعليمي المدرسي، وإلى أي مدى تبذل المدارس جهودا كبير ة في انتقاء النوعية في البرامج والمشاريع التي تخدم الأداء التعليمي أو تعزز تعلم الطلاب، ثم مدى المتاح لهذه الثقافة أن تنمو في بيئة العمل المدرسية في ظل معيقات أخرى تقف حاجزا أمام تحققها وانجازها في بدايتها فما بالك بعملية توظيفها والاستفادة منها أو تقدير الكفاءات التي أنجزتها . إن مواد الرياضيات والعلوم واللغة العربية تتطلب مأسسة الابتكار التعليمي في المدارس وتوفير مختبرات علمية وصالونات أدبية وفكرية وثقافية تؤصل لهذا الابداع الإنساني وتحتضنه وتبرزه في إطار جديد تستفيد من مؤسسات الوطن وتعتمده في عملها.
·        طبيعة التغيير الحاصل في المنظومة التعليمية وعلاقة ذلك بالأداء التعليمي، وبمعنى آخر  إلى أي مدى تأخذ طبيعة التغييرات المؤسسية في هيكليتها ومضمونها وكفاءاتها جانب التأثير المتوقع منها على الأداء التعليمي وطبيعة التفاعل الحاصلة في الصف الدراسي، ومدى شعور المعلم والطالب وولي الأمر بأن هذه الجهود مرتبطة به ولها علاقة بعمله وهل هي عملية مخططة ومؤطرة  يمكن أن تشكل على المدى القريب تحول نوعي في الأداء المدرسي،  أم أن عملية التغيير الحاصلة هي لمجرد ذاتها فقط ، هذا الأمر يستدعي أن تتخذ وزارة التربية والتعليم مجموعة من الاجراءات العملية في رصد هذه الحقائق وتلمس  هذا الاهتمام وقياس الفارق المتوقع بين التغيير المتوقع من عدمه، ومستوى تأثر الأداء التعليمي بها من عدمه،  وهو ما يعني أنه آن الأوان للوزارة أن يكون لديها أدوات دقيقة للرصد والمتابعة وأن يكون لمنظومة التقييم المؤسسي  وجودها وتفعيل ما هو قائم في هذا الشأن وتمكينه للقيام بمسؤولياته.
 إن ما أشرت إليه سابقا لا شك بأنه ينبغي أن يكون حاضرا في برنامج المؤسسية التربوية في إعادة مراجعتها لكل المتغيرات الحاصلة والمسببات التي يعتقد مسؤوليها أو المتابعين للحدث التربوي أنه ساهم بلا شك في الوصول إلى هذه النتائج، وترسم في المقابل أرضية واسعة وقاعدة عريضة من العمل المؤسسي المشترك في تشخيص المشكلة ووضع الحل، فإن سياسة الكيل بمكيالين ورمي التهمة على الآخر بأنه السبب في ذلك بالرغم من أن التحليلات التي ابرزتها الدراسات الدولية أو القراءات المؤسسية الاخرى تشير إلى عناصر معينة في المنظومة التعليمية، إلا أننا نؤكد أن المنظومة التعليميىة برمتها بحاجة إلى أن تقف عند مسؤولياتها وأدوارها على أن تكون مقننه وواضحة وأن تعترف المؤسسة التعليمية بما يمكن أن تقوم به هي وما يمكن أن يقوم به الآخرون المشاركين لها في هذا العمل،  هذا الأمر يستدعي الوقوف عند كل المحطات ودراسة كل البدائل وتقييم كل الجهود الحالية التي تمت وأين وصلت وأين يمكن أن تصل والنتائج المتوقع أن تحققها وفق مؤشرات وحقائق موثقة وليس لمجرد اجتهادات وتكهنات وتصريحات، وأن يوجه منطق تحسين الصورة إلى الفعل المتحقق والمنجز الملموس وكيف يمكن من خلالها أن نصل إلى الفعل المنظور
وإلى لقاء آخر 

تعليقات