بين ثقافة الضمير والقانون أيهما نحتاج أولا؟ د. رجب بن علي العويسي

http://www.facebook.com/egabe.mutafael

بين ثقافة الضمير والقانون أيهما نحتاج أولا؟
د. رجب بن علي العويسي
http://alhwaraleegabe.blogspot.com/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع لطالما تحدثنا عنه في فترة سابقة ونعاود الحديث عنه مرات ومرات في ضوء حقائق تكشف لنا كل يوم دلالات تؤكد أننا بحاجة إلى  بناء الضمير الإنساني الواعي والمدرك لمسؤولياته في حياتنا، وفي الوقت نفسه تحدثنا تلك الحقائق عن الأثر السلبي الذي ينتج عن ضعف الضمير واثر غيابه، وأيهما  يأتي أولا هل القانون والوعي به أم الضمير وما يمتلكه من حس ووعي وثقافة والتزام ومبادئ وأخلاقيات، كنا قد كتبنا مقالا بعنوان عندما يغيب الضمير ماذا يمكن لحماية المستهلك أن تفعل، واليوم تتكشف حقيقة ما كتبناه بأنه كان في محله، ونعاود طرح الموضوع بعد حقائق مفزعه وارقام خيالية وجرائم تنذر بخراب كبير ضد الإنسان وحقوقه وضد الوطن وابنائه يقوم بها ثلة من المتسلطين والمتحكيمن في عيش البشر من خلال تجارتهم واحتكارهم لمقدرات الإنسان والوطن،  ما تنبئنا عنه حماية المستهلك من حقائق وما ذكر على لسان رئيسها دلالة واضحة على حاجتنا لبناء الضمير الإنساني، فالقانون في نظرنا مهما قام بدوره ومسؤولياته وايقاع العقوبة بالمتجاوزين وكشف الاعيبهم وحقائقهم ومنطلقاتهم وفلسفة عملهم، إلا أنه لن يستطيع أن يصل إلى كل البؤر أو معالجة كل الاشكاليات ، نعم يبقى للقانون دور الزجر والردع والتشهير والعقوبة ، ولكن أليس من المهم أن تسهم نتائج فصل القانون في بناء ضمير حي ، وسلوك قويم ، وعندما يتحقق ذلك فعلا فإننا نقول بأن القانون قد حقق أهدافه واصبحت كلمته الفصل فيما وصل اليه من حكم في ظل ارتباطه ببناء ضمير الانسان وتقويم سلوكه وتصحيح اخطائه .
نحن إذا بحاجة أولا إلى ثقافة الضمير ، الحي المحب والصادق المخلص من اجل الوطن والانسان، ذلكم الضمير الأمين على كل شيء وفي كل شيء ، ذلكم الضمير الذي يدرك حق الله وحق العباد وحق الوطن وحق الإنسانية، ذلكم الضمير المسؤول الذي تتعدى حدود مسؤوليته ما يراه الناس وما يسمعونه ، لأنه يعمل في إطار الحرص والوعي على أن ما يصدر منه من قول أو فعل مرتبط بحقيقة مبدأ " لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"،  نحن بحاجة اليوم إلى مرحلة جديدة في البناء الإنساني ، وإن كان قد صدر ما صدر من غير أبناء هذا الوطن فإن بناء الضمير الحي لأبناء هذا الوطن هو الطريق السليم لإبراز حقيقة ما يقوم به الآخرون ، وإشهار ما يمارسونه من نشاط موجه لغير صالح الوطن والمواطن،  وبمعنى آخر عندما يصحو الضمير الإنساني الوطني لا أتوقع بأن صاحب الجريمة سيستمر في اخفاء جريمته أو صاحب العداوة سيستمر في اضمار عداوته، فالحقائق ستتكشف في يوم ما وهو يوم قريب لا محالة، لذلك ما طالعتنا به الحقائق المفزعه الصادرة من المؤسسة المعنية بحماية حق الإنسان في الحياة وهي حماية المستهلك يؤكد لنا  أن الضمير الإنساني حتى من بين أبناء هذا الوطن لم يصل إلى المستوى المطلوب فما زالت تشوبه شوائب عدم الثقة والاعتراف بالنقص والطمع وحب المادة والجشع والسيطرة  وضعف الحب للأخر، فإنه بلا شك أن في تلك المحلات أو المخازن أو تلك المؤسسات التي اكتشفت بأنها تتلاعب بتواريخ الانتاج والانتهاء فيها مواطنون عمانيون من ابناء هذا الوطن، ولكنهم لأنهم لم يقوى ضميرهم ولم تقوى قناعتهم وضعف ولائهم لوطنهم وحبهم لأبناء هذا الوطن، جعلوا يتمادون في الاخبار عن هذه الجريمة أو تلك، ولعلهم كانوا بانتظار الحكومة فقط لتكشف الخبث والمكر والجريمة المرتكبه، أو أنهم أرادوا يختبرون حماية المستهلك هل انها قادرة على كشف الجريمة ام لا، "فزين لهم الشيطان سوء أعمالهم وصدهم عن السبيل"، وفي الحديث "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"،  إن الاستحياء المقصود هنا هو مستوى الضمير الانساني  ومدى تشبعه بالمبادئ والقيم والسلوكيات النوعية والأخلاقيات الحميدة والخصال السامية، فعندما يتوفر بالضمير  ماذكرنا لن يكون السبب في المعصية ولا الطريق للجريمة بل سيكون على مستوى من الكياسة والحلم في عدم اتيانه تلك الموبقات أو عدم ارتكابه تلك الجرائم،  فيصبح قوة الضمير رادع له في كل خطواته فلا يقول إلا صدقا ولا يفعل إلا  خيرا ، وكما في الحديث القدسي " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها"
نحن اليوم بحاجة إلى قوة الضمير وصحوته ونموه وحكمته، ونحن بحاجة للقانون الذي يحقق العدالة ويضمن الحصول على الحقوق ويعترف بقيمة الإنسان وكرامته في الحياة، ولذلك يعاقب باقسى انواع العقوبة كل من تسول له نفسه المساس بحياة الإنسان والوطن، ولكننا أيضا بحاجة إلى أن لا يقف القانون عند هذا الحد وفقط بل يستمر دوره في تصحيح سلوك الإنسان وتقوية الضمير وتعزيز مستوى الرقابة الذاتية وتأكيد مفهوم مراقبة الذات وصدق الضمير والحس الإنساني ، وبالتالي فإن ما يمكن ان يغرسه القانون في السلوك هو الكفيل بالوقاية من تلكم الجرائم التي تنذر بفاجعة كبيرة يتحمل تبعاتها ابناء هذا الوطن وبناته ، اطفاله وشبابه، كباره وصغاره،  في ظل ما يعانية الكثير من ابناء هذا الوطن من امراض ومشكلات صحية مستديمة أجارنا الله منها جميعا،  ومن جهة أخرى أن يضع القانون حدا لهذه المهازل والعقاب لكل الجناة الذين ارادوا تضييع هذا الشعب وتوجيه مسار حياة ابنائه إلى مرحلة الضعف والهوان والحاجة إلى تلكم الفئات المتسلطة التي استطاعت أن تصل الى اهدافها من خلال اقتصاد هذا الوطن والتحكم في خيراته وارزاقة.
ومع ما ذكرنا فإن بناء الضمير الحي وتقوية الوازع الروحي والأخلاقي والقيمي والوطني والإنساني في ابناء هذا الوطن  يجب أن يبدأ من الإنسان نفسه وأن يتأصل في قناعاته وعاداته وعباداته مفهوم  وعي الضمير وحس الضمير وإنسانية الضمير وولاء الضمير ،  وأن يدرك قيمة التقييم الذاتي والرقابة الذانتية، وأهمية أن يكون على مستوى من الوعي بكل ما يحيط به من احداث ويتعامل مع كل الأمور بمنطق الفكر البناء والضمير الحي، وأن يكون الحكم على كل تصرفاته من خلال قيم ومبادئ وأخلاقيات الدين وسلوك المجتمع العماني المسلم الذي عرف بحب افراده لبعضهم البعض فعاش الجميع في أمن وأمان وثقة وسلام ، وتكافل ووئام وحوار وتعاون، ثم إن بناء الضمير الحي يحتاج إلى من يصنعه ويعزز وجوده وينمى مواردة ويزيد من تنوع عناصره ، يحتاج إلى القدوة والنموذج المضيء والمثال، وهذا ما يمكن أن يصنعه التعليم بجميع انواعه ومؤسساته والإعلام بكل اشكاله ومؤسسات المجتمع الأخرى  الدينية والثقافية والاجتماعية والفكرية والأمنية والعسكرية  في بناء الضمير الإنساني الحي وفي ايجاد السلوك القويم من خلال ما يمكن ان تغرسه هذه المؤسسات في  القائمين عليها وفي المستهدفين منها من مبادئ الفضيلة والإخلاص والأمانة والمسؤولية، من خلال ما يتوفر فيها من مناهج ومعلمين وأدوات تعزز مفهوم القدوة في العمل وتعكس  ممارسات القائمين على التعليم،  هذا من جهة، و ومن جهة أخرى فإن تأصيل بناء ثقافة الضمير والحس المسؤول يضع الجميع من ابناء هذا الوطن على مسؤولية كل واحد منهم أن يكون القدوة والمثال في الأمانة والصدق والمحافظة على المال العام والحرص على تنقية الضمير من شوائب الجشع والغل والحسد والشائعات والتقول بدون حق، أو الظلم والضغينة وانكار حقوق الآخرين  وتضييع حقوق الناس ، والمحافظة على مقدرات الوظيفة العامة، والبعد عن الذاتية في الحقوق، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية وغيرها من الأمور المهمة التي تضع الضمير وبنائه وتأكيد وجودة في حياة الآخرين موضع الثقة ،  ولذلك فقد آن الأوان لإبراز النماذج المضيئة من ابناء هذا الوطن وبناته وتعزيز وجود القدوات وأن تقوم جميع المؤسسات بصياغة مرحلة جديدة يصبح للمخلصين والمؤتمنين والكفاءات المجيدة موقعها في سلم العمل الوطني والمؤسسي، وأن تبرز المعايير والشروط التي تضعها المؤسسات المعنية جانب الاخلاص والنزاهة والشفافية كمعايير اساسية في التنافس في العمل والوظيفة والترقية والدعم وغيرها، هذا من شأنه بلا شك أن يعمل على بناء مجتمع يضع قيمة الضمير والإخلاص والولاء والانتماء للوطن والحب للقائد  كمعايير للمنافسه والحصول على الامتياز، كم نحن بحاجة لتعزيز مسألة الثواب والعقاب وعدم المساواة بين المحسن والمسيئ والصالح والطالح، بين من يصنع الفكر وينتج المعرف ويبني وطنة وبين اولئك المتسلقين على اكتاف الآخرين ممن ينجزا خلف الكواليس، والذين يزين لهم  نفاقهم وكذبهم واختلاقهم للكلمات على أنهم من يستطيعون بناء الأمة وتحقيق الإنجاز، كم نحن بحاجة إلى وضوح في أدوات العمل ومعايير الأداء وابراز طريق المنافسة وشروط الوصول إلى الأفضل ، لا شك كل هذه الأشياء عندما يصادفها الضمير الميت سوف تنهض وتنمو وتنعكس عليه في قادم الأيام ، وعندها يصحو الضمير من سباته وينهض من غفلته لأنه لا يجد من يقف معه في حالته تلك ويجد بأن الأبواب مفتوحة لعمل جديد وحياة جديد قائمة على الصدق والإخلاص والأمانة والصدق ، فليس للغش والخداع والكذب والندليس وغيرها أي وجود في مجتمع ينظر للقدوة على أنها طريقه للتميز والمنافسه والنجاح،
وإلى لقاء آخر

تعليقات