منظومة تقييم الأداء المؤسسي والسر المدفون؟ د. رجب بن علي العويسي


 ‏18‏/02‏/2013‏ 11:24:50 ص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الحديث عن منظومة تقييم الأداء المؤسسي في اي مجتمع ينشد الشفافية والوضوح والمعيارية والالتزام وتحقيق النوعية في الأداء  يصبح احد جوانب التحديث وابرز درجات الوعي المتحققة في المجتمع ونظامه المؤسسي، إذ أن الحديث عن منظومة تقييم الأداء انما هو تأكيد على أن تنتهج سياسات العمل المؤسسي نهج تعتمد الابتكارية والنوعية مدخلا لها، والوضوح والشفافية والمعيارية  ووجود دقة في اللوائح ونظام العمل وطرق التفاعل التي تتم داخل منظومة العمل المؤسسي أحد عملياتها، ويصبح الحديث عن مؤشرات الكفاءة والجودة وتحقق الانتاجية وتحقق مرحلة جديدة من العمل المؤسسي تحمل في طياتها بلوغ النجاح والتطور للمجتمع احد مخرجاتها الأساسية التي ترنو اليها والأهداف القريبة والبعيد ة التي تعمل على تحقيقها ضمن نظام مؤسسي تتكامل فيه كل الجهود وتتفاعل فيه كل الحقائق المؤسسية وترتبط فيه كل الجهود المؤسسية مع بعضها سواء على مستوى الأشخاص اي بين القيادات والمستويات الادارية المختلفة  والموظفين بمعنى من هم في رأس الهرم أو في قاعدة الهرم المؤسسي، هذا الترابط والتكامل البشري في المؤسسة يشكل مدخلا للتكامل الفكري والأدائي بين السياسات والخطط والبرامج، وبين النظريات والتطبيقات، وبين الرؤى والأفكار المطروحة وواقع العمل المؤسسي  في نظرة متفاعلة متفائلة في الوقت نفسه الى الانطلاقة من القاعدة كمحور رئيسي للإصلاح والتطوير وتحقيق الآمال العراض.
هذه المنظومة التي اشرنا إلى سماتها بلا شك تتطلب الكثير من العمل الجاد المبتكر والنوعي، وتتطلب الشراكة الفعلية التي تتعدى مجرد أقوال إلى فعل مؤسسي متحقق حتى في القرار المؤسسي الذي يفترض انه يعبر عن حقيقة مؤسسية أي عن رغبة العاملين في المؤسسة وليس لمجرد فرد عضلات أو الاستئناس بالصلاحيات المتاحة والقوة الوظيفية في فرض الرأي، وبمعنى آخر تتطلب نوع من جلد الذات واثبات القصور في العمل والاعتماد على التخطيط والتقويم والتقييم ومعايير واضحة في كل شيء ولكل شيء ، تتطلب عمل محور ي يحقق العدالة ويرفض منطق البيروقراطية والاتكالية وسياسة الكيل بمكيالين والعدائية وغيرها، وبمعنى أخر تتطلب أن يكون الجميع امام القانون سواء ، والاحتكام في كل ما سبق على المنجز من الفعل ونوعية الفعل ذاته ومستوى الابتكارية والجديد الذي يقدمه للمؤسسة، وفي الوقت نفسه يضع حدا لسياسات الاقصاء والتمييز بدون معيار والتقول على المؤسسة بدون حق، لأنه يضع الجميع امام حقيقة ماثلة بعيدة عن الذات الشخصية والاحتكام الى الاجتهادات الفردية إذ تكون الرؤية واضحة والهدف محدد والآلية معروفة ومستساغة ومشهود بها من الجميع،  هذه الحقائق التي يبرزها منظومة تقييم الأداء المؤسسي تجد من يقف ضدها بل يعمل بكل جهده على تقويضها وتضييع اركانها ومنع الصلاحيات عنها وإجحاف حقها في الدعم والمساندة بالرغم من أنها ما وجدت إلا لدعم المؤسسة افرادا وقيادة فكرا وعملا، لذلك لم تجد لها طريقها الممهد لها في العديد من المجتمعات التي ما زالت عقدة الذاتية والفردية تسيطر على جنباتها، والتي ما زال الأداء المؤسسي فيها لا يقاس ضمن معايير ولا يطبق  عليها معيار المنافسه، ولا تحتكم إلى معيار الكفاءة في العمل ودقة الفعل في الممارسة، ولذلك تضيع بين الأرفف بلا متابعة بل قد لا تجد من يأخذ بأيديها نحو تحقيق الأفضل لأن من بيدهم القرار المؤسسي قد لا يرون الحاجة لمثل هذا العمل الذي في حقيقة الأمر ينقل المؤسسة من مرحلة التخبط والعشوائية والسيطرة الفردية ووجود بعض الأفراد الذي يتحكمون في امر الناس ووجود بعض الشللية المؤسسية التي تقف امام كل توجه نوعي يعزز من مفهوم المساءلة والمعيارية والمحاسبية ورصد الحقائق وكشف السر المدفون،  ولذلك وللأسف الشديد مازالت منظومة تقييم الأداء تطوى اوراقها مع عدم وجود الارادة في التغيير ومحاولة الابقاء على النمطية في التفكير، فأصبح البحث عن السر المدفون غير وارد في كثير من الاحيان لأنه سيفعل فعلته في المؤسسات، ويقول قولته أمام أي تعدي على الحق أو استثئار به من قبل افرد معيينين وهو لعمري استئثار خاسر قد لا ينم الا عن ضعف في الرؤية وتخبط في العمل وسذاجة في التفكير،
إن بناء منظومة تقييم الأداء المؤسسي لا شك تتطلب كما ذكرت الكثير من العمل، ولكنها في الوقت نفسه استثمار مؤسسي لحقيقة الفعل المؤسسي ، واستثمار نوعي للمال المؤسسي، واستثمار غير عادي للفكر المؤسسي ، كم من الأفكار التي تتوفر بمؤسساتنا ، والتي لو وظفت بالشكل السليم ووضعت لها المؤسسات المؤسسية التي تضمن حمايتها والاحتفاظ بها وتمهيد الطريق لها لعمل منتج وتفكير مجرب من خلال ممارسات عملية في اروقة المؤسسات ومختبراتها ، كم بالإمكان صناعة القدرات المؤسسية ان توفرت منظومة التقييم ووضع لها اطارها المؤسسي الذي يمكنها من القيام بدورها ومسؤولياتها، ومع قناعتنا بأن هناك العديد من المؤسسات الرقابية والمالية والإدارية التي تعمل على مراقبة الأداء العام، والمؤسسات القضائية والأمنية التي تقف ساهرة على ضبط العمل المؤسسي إلا أن الحاجة إلى وجود الرقابة والتقييم والرصد والشفافية والمعيارية في كل مؤسسة وفي سلوك العاملين بها وفي نظامها الداخلي، بات اليوم عملا ضروريا  لا يقبل التأخير، ولا يمكن رصد كل الحقائق وكشف كل المغالطات فقط من خارج المؤسسات بل نحتاج إلى نظام تقييم وتقويم الأداء في كل مؤسسة يضع الأمور في نصابها ويكشف الحقائق في نطاقها ، وعندها نتوقع استدامة التقييم وكشف الخطأ والفعل المتعمد، وتعزيز السلوك السليم فلا ننتظر سنوات أو شهور حتى تمر علينا مؤسسة الرقابة الإدارية والمالية أو القضائية أو حماية المستهلك،  وبالتالي فإن تحقق استدامة التقييم هو المخرج من كل الأزمات والتحديات الماثلة وهي السبيل لبناء الثقة المجتمعية على مختلف مستوياتها بين الموظف والمؤسسة والموظف والمسؤول وبين الفعل المؤسسي والرضا الإنساني عن تحقق هذا الفعل ،
إن اخراج هذا السر المدفون من حالته وركونه والهوان والضعف الذي يعيشه كونه ما زال في الأفكار وقلوب المستضعفين من الناس إلى مرحلة   القوة والتمكين وإحقاق الحق وإبطال الباطل يتطلب الآتي:
§        النظر في منظومة تقييم الأداء المؤسسي على أنها عمل وطني يبدأ من قناعات الأفراد بمسؤوليتهم الوطنية نحو وطنهم وأمتهم، وبالتالي فإن حرص الفرد على تحقيق التقدم والنجاح والخير لوطنه يستدعي منه أن يكون على مستوى من الوعي بالحاجة الماسة إلى فعل وطني ينظر للمسالة نظرة شمولية تكاملية  مستقبلية ، إذ بهذه القناعة التي يفترض ان تبدأ من المسؤول أولا وتنتشر إلى الآخرين هو الطريق الأسلم لبناء هذه امنظومة وتحقيقها لأهدافها.
§        ضرورة النظر إلى مسالة تقييم الأداء المؤسسي على أنها موجهة لخدمة العمل المؤسسي والأخذ بأيدي الجميع ظالما أو مظلوما من خلال ما يقدم له من دعم ومساندة ليس في ظلمه وتجاوزه بل في نهيه وردعه وتطبيق الحق المؤسسي على كل من يتجرأ على انتهاك حرمة الوظيفة العامة أو العمل المؤسسي، وبالتالي فإن منظور الدعم والمساندة والشعور بما يمكن ان يتحقق  من فعل مؤسسي نوعي قادم سوف يعزز من تبني هذه المنظومة.
§        إن بناء منظومة تقييم الأداء المؤسسي تحتاج إلى قرار سياسي ورؤية وطنية تنظر للمسالة من منظور وطني وعالمي بمعنى أن وجود منظومة تقييم الأداء بالمؤسسات سوف يضمن جودة الممارسة المؤسسية وهو في حد ذاته استثمار للوطن، تحقيق الكفاءة الداخلية والخارجية ضمان للإنتاجية المؤسسية التي توفر للوطن الكثير من الاموال والموارد والخبرات وغيرها، وفي الوقت نفسه يحقق لها مردود دولي في تأكيد تحقق مفهوم الشفافية والتنافسه والاعتراف الدولي بتحقيق المعايير الدولية والإشادة من قبل المؤسسات الدولية المعنية بمفهوم الشفافية الدولية  والجودة المؤسسية والأخلاقيات الدولية في العمل المؤسسي وحقوق الانسان.
§        إن بناء منظومة تقييم الأداء تحتاج إلى بناء كفاءات وطنية تتسم بالشفافية والموضوعية والاحترافية وهذا بدورة يعني أن نوظف كفاءات الوطن في خلق مناخ جديد يعزز مفهوم القدوة في الأداء ويرسخ مفهوم التنافسية في العمل ويبرز لنا اخلاقيات الإنسان وقيمه ومبادئه، ومن جهة أخرى يحتاج إلى مزيد من الدعم المادي والمالي والصلاحيات والأدوات والآليات المضبوطة ، وبمعنى آخر أن تكون منظومة تقييم الأداء في كل مؤسسة محايدة وتتسم بالاستقلالية والتمكين والصلاحيات وان تتوفر لها القدرة على القرار في الوقت الذي يناسبها.
§        من الأهمية إحداث مراجعة شاملة لكل الآليات والأساليب المتبعة في المؤسسات والتي تتعارض مع منظومة تقييم الأداء او لا تخدم جودة الأداء المؤسسي، أو تلك التي تكرس لمفاهيم المحسوبية والاتكالية  والذاتية ، وإيجاد التشريعات والأنظمة التي تعطي لمنظومة تقييم الأداء القوة والمرونة في التعامل مع كل الأحداث والمتغيرات في إطار متزن .
§        أن تحول عملية منظومة تقييم الأداء المؤسسي من مجرد أفكار ونظريات وتنظيرات إلى فعل مؤسسي من خلال تطبيق بعض التجارب وتجريب بعض الحقائق على عينة من المؤسسات كمرحلة أولية وتتم دراستها وتقييمها من خلال جهات معتمدة وطنية وخارجية ، في سبيل تحديد جوانب القوة والقصور في عملية التطبيق وجوانب الدعم  اللوجستي التي تحتاجها بين فترة وأخرى،
وعليه فإن الحديث عن السر المدفون يطول بلا شك ، ويمكن تناوله من خلال  لطائف قادمة، بيد أن تحقيق هذه العملية يتطلب قبل كل شيئ تغيير قناعات الناس وتعزيز القدوة والمثال للنماذج المضيئة وفق الشروط والإقصاء على جانب  الفردية والذاتية وغيرها من بعض العادات المجتمعية المتبعة في المؤسسات وإقصاء مفهوم العشائرية والمكانة الاجتماعية من العمل المؤسسي السبيل الأولي الذي ينبغي ان يتيح المناخ لمنظومة تقييم أداء مؤسسي قادرة على الاستمرارية والثبات والتفاعل وتحوز على رضا ابناء هذا الوطن والعاملين خلف الكواليس ،
وإلى لقاء آخر

تعليقات