القناعة المهنية التحدي القادم في التعليم والوظيفة العامة - د. رجب بن علي العويسي


القناعة المهنية التحدي القادم في التعليم والوظيفة العامة
·       كيف يمكن أن تتعامل المؤسسات مع الطبيعة المتغيرة  لمتطلبات الوظيفة العامة والموظف؟
·       هل يمكن أن يتحول موضوع تأصيل القناعة المهنية الايجابية في فكر وسلوك الموظف إلى عمل وطني ؟
·       وهل من توجه وطني قادم يتعاطي مع الموضوع  بكل احترافية ومهنية وواقعية ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. رجب بن علي بن عبيد  العويسي
15/1/ 2012م
http://www.facebook.com/egabe.mutafael
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    تحديات التعليم كثيرة ، ومتطلباته متنوعة واحتياجاته باتت تشكل اليوم هاجس الحكومات والسياسات في الدول، غير أن هذه التحديات باتت تأخذ شكلا آخر وأنماطا متعددة ، هي في حقيقتها نتاج لضعف المعالجة أو تأخر منهجية المعالجة في التحديات التقليدية الأخرى الادارية والمالية والتشريعية والتنظيمية، وبرزت على السطح نتائج اخرى شكلت الهاجس الأكبر للتعليم والوظيفة العامة بل والانتاج الوطني بشكل عام،  ونتج عن وجود تلك التحديات والنمط الاستحيائي الذي يتم التعامل معه مع تلك التحديات المفتقد للجدية والاستمرارية والوضوح والتكاملية إلى بروز اشكاليات أخرى تتعلق بالقناعات المهنية والوظيفية المسؤولة والفجوة الحاصلة بين المسمى الوظيفي والفعل القائم ذاته ، مع ما يترتب على ذلك من تأثير على الأداء العام وعلى مستويات الجودة والاحترافية والفاعلية المهنية والفعالية الوظيفية والكفاءة الداخلية والخارجية للنظام التعليمي والمؤسسي بالدولة والتي تعتبر القناعة المهنية والرضا الوظيفي والحس المهني احد ابرز دعائمها الاساسية ومنطلقاتها الرئيسية لبناء نظام تعليمي يحقق الجودة ونظام مؤسسي إداري ومالي وفني يعزز مستوى التنافسية النوعية بين افراده من اجل سبق زمام المبادرة والتجديد والتطوير الذاتي والمراجعة والمحاسبة الشخصية للذات والتقييم المستمر للسلوك.
وبالتالي فإن الحقيقة التي ينبغي أن تكون مدركة أنه مهما قدمت الأموال الطائلة والدعم المادي والمباني المناسبة  في ظل غياب الثقافة المهنية وفي ظل انحصار الدافع المهني وفي ظل تقلص الاستفادة من المهارة وإبراز الموهبة وتعقيم الانتاج والعطاء بحجة عدم وجود الرغبة في العمل سوف لن تثمر تلك الجهود عن أي جديد يتحقق للتعليم او للوظيفية العامة بشكل عام، 
وعليه بات هذا الموضوع يشكل مربط الفرس ، في الحديث عن تحديات التعليم والوظيفة العامة، وعند الحديث عن السلوك العام ، وهو ما يعني ضرورة وجود رؤية مؤسسة تعمل على دراسة هذا الجانب وتشخيصة ووضع اليات عمل مقنعه في التعامل معه بعد تعرف الاسباب ودراسة المسببات وتشخيص واقع العمل ومراجعة معطيات الاداء ومقارنه التوجهات التطويرية والتجديدية في التعليم  والاداء الاداري والمالي ومستوى تأثيرها على الأداء الوظيفي سواء كان بالإيجاب أو السلب، وبالتالي من المهم أن تأخذ عملية المراجعة كل المعطيات الحاصلة ودراسة الحالة التعليمية  والمؤسسية في واقعها وقادم مستقبلها، هذه الدراسة أو المعالجة التي يجب أن تجد الحلول المناسبة في لم الشمل وتجميع الكلمة ووحدة الهدف بين الوظيفة والفعل الوظيفي والموظف بمختلف مستوياتهم الادارية والتنظيمية، بحيث تسعى المعالجة إلى ايجاد نوع من التقارب الفكري والاندماج بين الموظف والمسؤولية المهنية لديه، ومن جهة أخرى أن تأخذ المعالجة الظروف والواقع الذي يعيشه الموظف من خلال السلوك الاداري الممارس من قبل المسؤولين ممن هم أعلى منه، ومستوى تحقق القدوة في العمل والاخلاص في الآداء، ومدى مشاركته هو في تقرير مصيره وتحديد أولويات العمل بمؤسسته وصياغة الأدوات التي سوف يقوم هو لاحقا بتطبيقها وتحليلها ودراسة مؤشرات ونتائج عملها، ونوعية القرار المؤسسي وطبيعته ومستوى الوضوح والتاثير المتوقع منه والتجديد الذي يمكن أن يحدثه في الأداء المؤسسي ونمط الثقافة السائدة والطريقة التي يفكر بها أصحاب القرار ومتخذيه، ومستوى الدفع بالمال العام والمال المؤسسي من أجل تطوير منظومة الإنسان وشعوره هو واقتناعه بأن ما يقدم من جهود وما يتم صياغته من افكار ومرئيات وما يتم تشكيله من لجان عمل إنما هي في حقيقة الأمر موجهة لصالحة ولبناء قناعاته وتجديد ذاته وصياغة فكره وتوجيه ممارساته نحو تلمس الأفضل منها والنزوع إلى الأجود، كل هذه الأمور باتت في ظل وجود فلسفة واضحة للعمل المؤسسي ورؤية واضحة لما ترغب المؤسسة في تحقيقه على مدى عشر سنوات كأقل تقدير، وما تطمح المؤسسة اليه من أجل الارتقاء بالاداء المؤسسي  من اولويات المرحلة الحالية والقادمة ،  في ظل مراجعة يجب أن تبدأ من الإنسان وتستمر في الاليات والبرامج والخطط والسياسات التي صنعها الانسان وابدعها  فكر الانسان وخطتها انامله  لتنتهي بتحقق فعل نوعي للإنسان لن ينساه ما دامت السموات والارض عطاء غير مجذوذ.
 لذلك فإن معالجتنا للتحدي القادم في الوظيفة العامة ينبغي ان ينطلق من هذا المبدا ويتجاوز حدود النظرة الضيقة التي أثرت على المبادئ الاخلاقية والأسرار المهنية التي يفترض ان يتخلق بها أي موظف وأي مسؤول ،  إن القناعات المهنية لا تصنع بمجرد كلام و توصيات ندوات ثم تترك بلا رجوع عليها، بل من خلال جهد مشترك تعمل مؤسسات الدولة على تبنيه كل في مجال اختصاصه بحيث تكمل جهود المؤسسات جميعها تلك المنظومة المهنيه التي يحتاجها اي فرد ليصل الى مرحلة الاحترافية والمهنية ، وبحيث تأخذ عملية التعاطي معها مجموعة من الحزم التي يجب على جميع المؤسسات ان تشترك في بنائها وصياغتها وتوظيفها من اجل مصلحة العمل المؤسسي من خلال الإنسان وتغيير قناعاته وتعزيز مستوى الايجابية لديه، وتأكيد حرصه والتزامه المهني، فإن ما يشير إليه واقع العمل في المؤسسات من عزوف عن الاداء الوظيفي النوعي، وعدم الاستفادة من المهارات والخبرات الشخصية وتوظيفها في العمل، والشروط التي يضعها الموظف في قبول عملية التوجيه والإرشاد ، ونمط التعامل الذي يصدر من الموظف  مع المسؤولين والمتابعين له أو المشرفين على أدائه، بل والسلوك الذي يرسمه لنفسه ولا يرغب الآخرين في تدخلهم في تحديد مهامه وما يقوم به وما لا يقوم به ، ومستوى المبادرة والانجاز الذي يمكن أن يقدمه خارج إطار العمل الرسمي، ونوعية الثقافة التي يحملها عن وظيفته والمؤسسة ، وشعوره بضعف التقدير والاحترام والعدالة التي تتعامل بها المؤسسة معه وغيرها، أمور تستدعي وقفة تأملية ومراجعة منطقية للسلوك المؤسسي وكيفية التعامل مع الفرد ، ومستوى ما يقدم له والالية التي يتم التعامل بها مع اصحاب الأفكار البناء والاخلاقيات المهنية العالية والنماذج الايجابية المضيئة في المؤسسة ، أمور تتطلب الوقوف عندها لتلمس موضع المشكلة والوصول إلى حلول جذرية تضع القناعة المهنية كأولوية مؤسسية ووطنية يجب أن تراجع في ضوئها كل القوانين والأنظمة واللوائح والتشريعات التي يعمل في ظلها الموظف والمعلم ، وبالتالي يصبح الحديث عن تحديات اخرى للتعليم والوظيفة العامة في ظل اتساع نطاق هذا الجانب وضعف مستوى الاحترافية المهنية من باب المراجعة المبتورة والحلقة المفقودة ، ومن باب تخفيف الجراح وتسكين الألم وإلا فإن موضوع القناعة المهنية والسلوك الوظيفي المحترف ينبغي ان يكون في قائمة الأولويات وان تضع المؤسسات التشريعات التي تضمن استمراريته وتأصيله في سلوك الموظف والثقافة الوظيفية العامة،  إننا يمكن أن نبذل القليل من الجهد والمال إذا تأملنا في واقع الموظف والوظيفة العامة وسعت كل المؤسسات إلى معالجة فعليه لهذا الجانب من خلال خلق منهجيات عمل نوعية في التصنيف الوظيفي وساهم الوصف الوظيفي في بناء رؤية واضحة لعمل الوظيفة العامة واختصاصاتها ، وتم الوضع في الحسبان عند اتخاذ اي قرار او وضع أي استراتيجية في التعامل مع هذا الموضوع عندها يمكن أن نقلل من الاشكاليات بروز جانب ضعف القناعة المهنية في السطح، إننا على تفاؤل كبير بأن ما أوصت به ندوة تطوير الأداء الحكومي 2012 سوف يعزز من تأصيل القناعة المهنية التي بدأت المؤسسات تشعر بأثرها على الأداء المؤسسي ، وسوف تثمر نتائج العمل القادمة التي تقوم بها المؤسسات في سبيل ترجمة اعمال الندوة الوطنية عن  فعل وسلوك مؤسسي  يضمن تأصيل ثقافة الاحترافية المهنية والقناعة المهنية في الأداء،
وإلى حين تحقق الطموحات فإننا نأمل أن تؤكد عملية المراجعة التعليمية والمؤسسية على اعطاء هذا الموضوع اهميته ليس على المستوى الفردي والمؤسسي بل على المستوى الوطني بحيث تعالج هذا التحدي الوظيفي القادم في اطار اروقة مجلس الدولة وقاعات مجلس الشورى بل وان يشكل وعلى مدى فترات قادمة اجندة عمل لمجلس الوزارء الموقر ، وإيصال الأمر إلى المقام السامي لمولانا جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه - الذي لطالما ما فتئ في كل خطبه وكلماته السامية يؤكد على جانب بناء الموارد البشرية وتمكين الانسان العماني،  وهنا اود الاشارة إلى أن ما يظهر من ممارسات في الواقع المؤسسي وبشكل خاص في التعليم وما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي والواتس اب فيما يتعلق بإجابات الطلاب في الامتحانات ، ونتائج العمل الميداني في المؤسسات الاخرى والملاحظات التي تصادفنا بها الجرائد اليومية والمحاكم الادارية والقضايا التي لا تخفى أحد إنما يأتي من بين مسبباتها ضعف القناعة المهنية والسلوك المهني الذي أصبح يعزز من وجود بعض المفاهيم الخاطئة والممارسات غير المسؤولة، ويؤصل لثقافة الاتكالية واللامسؤولية في الاداء، فهل سندرك حقيقة هذا الجانب ، وهل سنقتنع بأنه تحد وطني يجب أن يعالج في إطار وطني وأن يتخذ بشأنه إجراء وطني عاجل؟
وإلى لقاء آخر 

تعليقات